الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( ومن قامت عليه بينة ) بحق ( ليس له تحليف المدعي ) على استحقاق ما ادعاه ؛ لأنه تكليف حجة بعد حجة فهو كالطعن في الشهود نعم له تحليف المدين مع البينة بإعساره لجواز أن له مالا باطنا وكذا لو شهدت له بينة بعين وقالوا لا نعلمه باع ولا وهب فلخصمه تحليفه أنها ما خرجت عن ملكه بوجه أما المدعى عليه كأن أقام عليه بينة ثم قال لا تحكم عليه حتى تحلفه فبحث الرافعي بطلان بينته لاعترافه بأنها مما لا يجب الحكم بها ورده المصنف بأنه قد يقصد ظهور إقدامه على يمين فاجرة مثلا فينبغي أن لا تبطل ا هـ .

                                                                                                                              ولا نظر فيه خلافا لمن زعمه ( فإن ادعى ) عليه ( أداء ) له ( أو إبراء ) منه أو أنه استوفاه ( أو شراء عين ) منه ( أو هبتها وإقباضها ) أي : إنه وهبه إياها وأقبضها له ( حلفه ) أي : مدعي نحو الأداء مقيم البينة عليه ( على نفيه ) أي : الأداء وما بعده لاحتماله هذا إن ادعى حدوث شيء من ذلك [ ص: 301 ] قبل قيام البينة والحكم أو بينهما ومضي زمن إمكانه وإلا لم يلتفت إليه خلافا لما اعتمده الأذرعي والبلقيني والزركشي من تحليفه إذا ادعى بعد الحكم وقوع ذلك قبله ؛ لأنه لو أقر به نفعه ولم يكن المدعي حلف مع شاهده أو يمين الاستظهار وإلا لم يحلف كما صوبه البلقيني من وجهين أطلقاهما ؛ لأنه قد تعرض في يمينه لاستحقاقه الحق فلا يحلف بعدها على نفي ما ادعاه الخصم ولا تسمع دعوى إبراء من الدعوى ؛ لأنه باطل وتقبل دعوى أجير لم يثبت أنه بغير عرفة يومها بحيث لا يمكنه وصوله إليها عادة الحج من غير بينة ولا يمين ، ومطلقة ثلاثا أنها تحللت من غير بينة ولا يمين أيضا ( وكذا لو ادعى ) خصمه عليه ( علمه بفسق شاهده ) أو نحوه من كل ما يبطل الشهادة ( أو كذبه ) فإنه يحلف على نفيه ( في الأصح ) ؛ لأنه لو أقر به بطلت شهادته له وسيعلم مما يأتي أن كل ما لو أقر به نفع خصمه لخصمه تحليفه على نفيه نعم لا يتوجه حلف على شاهد أو قاض ادعى كذبه قطعا وإن كان لو أقر نفعه ؛ لأنه يؤدي إلى فساد عام ولو نكل عن هذه اليمين حلف المدعى عليه وبطلت الشهادة ومر في الإقرار أن للمقر تحليف المقر له إذا ادعى أنه إنما أشهد على رسم القبالة ولو أجاب المدعى عليه بعين بلا أمنعك منها لم يكن له المنع ولم تقبل بينته إلا إذا حلف أنها حين قوله ذلك لم تكن بيده .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله : أو شراء عين ) أي : العين التي ادعاها ( قوله : أي : مدعي وقوله : مقيم ) مفعول . ( قوله : هذا إذا ادعى حدوث شيء من ذلك إلخ ) لم يذكر مثل ذلك في قوله الآتي وكذا لو ادعى علمه بفسق شاهده أو كذبه في الأصح وهو يقتضي التفرقة بينهما وهكذا صنيع الروض وغيره وعبارة المنهج وشرحه ظاهرة في التفرقة حيث قال ولا يمين على من أقام بينة بحق ؛ لأنه كطعن في الشهود إلا إن ادعى خصمه مسقطا له كأداء له أو إبراء أو شرائه من مدعيه وعلمه بفسق شاهده فيحلف على نفيه إلى أن قال : ومحله في غير الأخيرة إذا ادعى حدوثه قبل قيام البينة والحكم وكذا بينهما ومضي زمن إمكانه وإلا فلا يلتفت إلى قوله ا هـ . فقوله : في غير الأخيرة أي : دعوى علمه بفسق شاهده كالصريح في عدم اعتبار هذا التقييد في الأخيرة وأنه فيها تقبل دعواه للتحليف ولو بعد الحكم وكأن مدار الفرق أن القدح بعد الحكم إن رجع للمحكوم به كان الحكم مانعا من دعواه وما يترتب عليها وإن رجع للحكم لم يكن مانعا من ذلك وقد بحثت بجميع ذلك مع م ر فوافق عليه وقد سئلت عما لو علق إنسان الطلاق بفعل شيء وفعله وحكم الحاكم بالطلاق والفرقة ثم ادعى الزوج أنه فعله ناسيا فقلت يصدق بيمينه وبان عدم وقوع الطلاق وبطلان الحكم وهذا من القسم الثاني ؛ لأنه يرجع إلى القدح في نفس الحكم ثم رأيت م ر سئل عمن علق الطلاق على فعله شيئا ثم فعله فرفع إلى حاكم شافعي وحكم بوقوع الطلاق عليه وفرق بينهما ثم ادعى الحالف أنه إنما فعله ناسيا واعتذر عن عدم دعواه ذلك قبل الحكم بنحو أنه ظن أن ذلك لا يفيد ثم أخبر بأنه يفيد أو حصل له دهشة أو غفلة عن ذكر ذلك أو لم يعتذر بشيء فهل تفيده هذه الدعوى بعد الحكم ؟ فأجاب ومن خطه نقلت بما نصه نعم يقبل قوله في النسيان بيمينه [ ص: 301 ] ويتبين عدم حنثه ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : قبل قيام البينة ) هو وما عطف عليه يتعلق بادعى أيضا بدليل قوله خلافا إلخ . ( قوله : ولا تسمع دعوى إبراء إلخ ) على أحد وجهين في الروض وهو مقتضى كلام أصله وصححه في الشرح الصغير



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله بحق ) إلى قوله أما المدعى عليه في المغني ( قوله نعم له تحليف المدين مع البينة إلخ ) أي وإن لم يدع هو يساره ، وبهذا فارقت هذه والتي بعدها ما سيأتي استثناؤه في قول المصنف فلو ادعى أداء أو إبراء إلخ فلا يقال كان من حق الشارح تأخير استثناء هاتين عما استثناه المصنف رشيدي ( قوله أما المدعى عليه إلخ ) أي أما تحليف المدعى عليه ، عبارة النهاية ولو أقام المدعي بينة ثم قال لا تحكم إلخ ( قوله ولا نظر فيه إلخ ) عبارة النهاية وما نظر به في كلامه غير معمول عليه ا هـ . ( قوله عليه ) أي المدعي الذي أقام البينة بما ادعاه مغني ( قول المتن أو شراء عين ) أي العين التي ادعاها سم أي وأقام البينة بها ( قوله منه ) أي من مدعي العين التي أقام بها البينة ( قوله أي مدعي إلخ ) فاعل وقوله مقيم إلخ مفعول سم ( قول المتن على نفيه ) يشعر بأنه لا يكلف توفية الدين أولا بل يحلف المدعي ثم يستوفي وهو كذلك على الصحيح مغني .

                                                                                                                              ( قول المتن على نفيه ) أي نفي ما ادعاه وهو أنه ما تأدى منه الحق ولا أبرأه من الدين ولا باعه العين ولا وهبه إياها مغني ونهاية أي أو لا أقبضه إياها ( قوله أي الأداء ) إلى قوله كما صوبه في النهاية وإلى المتن في المغني ( قوله هذا ) أي الحلف على نفي ما ذكر ( قوله هذا إن ادعى حدوث شيء من ذلك إلخ ) لم يذكر مثل ذلك في قوله الآتي وكذا لو ادعى علمه بفسق شاهده أو كذبه في الأصح وهو يقتضي التفرقة بينهما ، وهكذا صنيع الروض وغيره ، وعبارة المنهج وشرحه كالصريح في التفرقة فتقبل دعواه علمه بفسق شاهده أو كذبه للتحليف ولو بعد الحكم ، وبحثت في ذلك مع م ر فوافق عليها وقد سئلت عما لو علق إنسان طلاقا بفعل شيء وفعله وحكم الحاكم بالطلاق والفرقة ثم ادعى الزوج أنه فعله ناسيا فقلت صدق بيمينه وبان عدم وقوع الطلاق وبطلان الحكم ، ثم رأيت سئل م ر عن ذلك مع زيادة واعتذر الزوج عن عدم دعواه ذلك قبل الحكم بنحو أنه ظن أن ذلك لا يفيد ، ثم أخبر بأنه يفيد أو لم يتعذر بشيء فأجاب بما نصه : نعم يقبل قوله في النسيان بيمينه ويتبين عدم حنثه والله أعلم انتهى ا هـ سم بحذف أقول وكذا صنيع المغني حيث [ ص: 301 ] ذكر هذا القيد هنا فقط ، وعمم القيد الآتي للموضعين كالصريح في التفرقة . ( قوله قبل قيام البينة إلخ ) هو وما عطف عليه متعلقان بادعى بدليل قوله : خلافا إلخ سم ( قوله ومضى زمن إمكانه إلخ ) عبارة المغني وشيخ الإسلام : وكذا بينهما بعد مضي زمن إمكانه ، فإن لم يمض زمن إمكانه لم يلتفت إليه ا هـ . ( قوله لم يكن المدعي إلخ ) عطف على قوله ادعى حدوث شيء إلخ ( قوله أو يمين الاستظهار ) أي : في الدعوى على الغائب والصبي والمجنون والميت بجيرمي .

                                                                                                                              ( قوله وإلا ) أي وإن كان المدعي حلف مع شاهده أو يمين الاستظهار ( قوله فلا يحلف بعدها إلخ ) ينبغي أن يحلف إن أسند المدعى عليه ذلك إلى ما بعد حلفه ، وهو ظاهر فليراجع رشيدي . عبارة السيد عمر قوله : لأنه قد تعرض في يمينها إلخ هذا واضح فيما إذا كانت دعوى نحو الأداء قبل الحلف المذكور ، وأما إذا كانت بعده وقبل الحكم مع مضي زمن يمكن فيه ذلك ، فالظاهر أن له تحليفه فليتأمل ا هـ . قوله : ولا تسمع دعوى إبراء من الدعوى إلخ كذا في النهاية . ( قوله خصمه ) إلى قوله نعم لا يتوجه في المغني ، وإلى قوله وتسمع في عقد بيع في النهاية ، إلا قوله أي أو مخالفا لمذهب الحاكم ، وقوله كما صرح به الماوردي لكن ضعفه البلقيني وقوله : استشكل بما لا يجدي وقوله : ونقل بعضهم إلى ولو ادعى دينا ، وقوله ويجري ذلك إلى ومر أن من شروط ، وقوله في الدعوى على من إلى في الدعوى لعين . ( قوله خصمه ) كان الظاهر أن يقول بدله : من ذكر أو نحوه رشيدي . ( قوله ولو نكل إلخ ) راجع لما قبله ، وكذا لو ادعى إلخ أيضا . ( قوله لم تكن بيده ) لعل المراد لم تكن في ملكه وتصرفه رشيدي وفيه توقف ، بل الظاهر : أن المراد لم تكن تحت يده




                                                                                                                              الخدمات العلمية