الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( حلف لا يسكنها ) أي : هذه الدار أو دارا ( أو لا يقيم فيها ) وهو فيها عند الحلف ، ( فليخرج ) إن أراد السلامة من الحنث بنية التحول في كل من مسألة الإقامة والسكنى فيما يظهر من كلامهم ، قال الأذرعي إن كان متوطنا فيه قبل حلفه فلو دخله لنحو تفرج فحلف لا يسكنه لم يحتج لنية التحول قطعا ( في الحال ) ببدنه فقط ؛ لأنه المحلوف عليه ، ولا يكلف الهرولة ولا الخروج من أقرب البابين ، نعم قال الماوردي : إن عدل لباب من السطح مع القدرة على غيره حنث ؛ لأنه بالصعود في حكم المقيم أي : ولا نظر لتساوي المسافتين ولا لأقربية طريق السطح على ما أطلقه ؛ لأنه بمشيه إلى الباب آخذ في سبب الخروج وبالعدول عنه إلى الصعود غير آخذ في ذلك عرفا ، أما بغير نية التحول فيحنث على المنقول ؛ لأنه مع ذلك ساكن أو مقيم عرفا ( فإن مكث ) ولو لحظة وهو مراد الروضة بساعة ، وقول الغزي : كما لو وقف ليشرب مثلا يتعين تقييد مثاله بما إذا لم يكن شربه لعطش لا يحتمل مثله عادة ، كما أفهمه قولهم : ( بلا عذر حنث ، وإن بعث متاعه ) وأهله ؛ لأنه مع ذلك يسمى ساكنا ومقيما .

                                                                                                                              أما إذا مكث لعذر كأن أغلق عليه الباب أو طرأ عليه عقب الحلف نحو مرض منعه من الخروج ولم يجد من يخرجه . [ ص: 22 ] أو خاف على نحو ماله لو خرج فمكث ولو ليلة أو أكثر فلا حنث ، ويظهر ضبط المرض هنا بما مر في العجز عن القيام في فرض الصلاة ، نعم يفهم مما يأتي عن المصنف أنه متى أمكنه استئجار من يحمله بأجرة مثل وجدها فترك حنث ، وقليل المال ككثيره كما اقتضاه إطلاقهم . ويتردد النظر في الخوف على الاختصاص ، والقياس أنه عذر أيضا إن كان له وقع عرفا

                                                                                                                              وكذا لو ضاق وقت فرض بحيث لو خرج قبل أن يصليه فاته أي : لم يدركه كاملا في الوقت كما هو ظاهر ؛ لأن الإكراه الشرعي كالحسي كما مر ، ولو خرج ثم عاد إليها لنحو زيارة أو عيادة لم يحنث ما دام يسمى عرفا زائرا أو عائدا وإلا حنث وعلى هذا التفصيل يحمل إطلاق الشيخين وغيرهما أنه لا حنث بالمكث للعذر ، وقول البغوي ومن تبعه إن طال المكث حنث وخرج بقولنا وهو فيها عند الحلف ما لو حلف كذلك وهو خارجها فينبغي حنثه بدخولها مع إقامته لحظة أي : يحصل بها الاعتكاف فيما يظهر فيها بغير عذر ، ( وإن ) نوى التحول لكنه ( اشتغل بأسباب الخروج كجمع متاع وإخراج أهل ولبس ثوب ) يليق بالخروج لا غير ( لم يحنث ) ؛ لأنه لا يعد مع ذلك ساكنا وإن طال مقامه لأجله ، ويراعى في لبثه لذلك ما اعتيد من غير إرهاق ، وقيد المصنف ذلك بما إذا لم تمكنه الاستنابة وإلا حنث وبه صرح الماوردي والشاشي ، ويظهر أنه لو وجد من لا يرضى بأجرة المثل أو يرضى بها ولا يقدر عليها بأن لم يكن معه [ ص: 23 ] ما يبقى له مما مر في باب التفليس لا يحنث لعذره .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله : [ ص: 21 - 22 ] وعلى هذا التفصيل يحمل إطلاق الشيخين إلخ ) لم يزد في الروض وشرحه على قوله ولا يضر عوده إلى الدار بعد خروجه منها لنقل متاع ، قال الشاشي ولم يقدر على الإبانة وعيادة مريض وزيارة وغيرهما ، نعم إن مكث ضر قاله الأذرعي وغيره نقلا عن تعليق البغوي ، وأخذ من مسألة عيادة المريض الآتية ، وقد يفرق بأنه هنا خرج ثم عاد وثم لم يخرج ا هـ . وأراد بمسألة عيادة المريض الآتية قول الروض فلو عاد قبل خروجه وقعد عنده حنث ا هـ . ( قوله وقيد المصنف ذلك بما إذا لم تمكنه الاستنابة وإلا حنث ) ويظهر أنه لا اعتبار بإمكان [ ص: 23 ] الاستنابة في نقل أمتعة يجب إخفاؤها عن غيره ويشق عليه اطلاعه عليها



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله : لا يسكنه ) أي : أو لا يقيمها ( قوله : لم يحتج لنية التحول ) أي : فيكفي في السلامة من الحنث الخروج حالا ا هـ . ع ش قال الرشيدي قوله : إلا أن يكون المجاز متعارفا ويريده قضيته أن مجرد تعارفه لا تكفي ولعل محله إن لم تهجر الحقيقة أخذا مما سيأتي في آخر الفصل فيما لو حلف لا يأكل من هذه الشجرة وقضيته أيضا أن المجاز الغير المتعارف لا يحمل عليه ، وإن أراده ويأتي ما يخالفه في الفصل الأخير قبيل قول المصنف أو لا ينكح حنث بعقد وكيله له حيث قال : لأن المجاز المرجوح يصير قويا بالنية ا هـ . رشيدي وكلام الشارح حيث عبر بأو سالم عن هذين الإشكالين .

                                                                                                                              ( قوله : لم يحتج لنية التحول إلخ ) قال الأذرعي : وفي تحنيثه بالمكث اليسير نظر ؛ إذ الظاهر أن قوله : لا أسكنه المراد به لا أتخذه مسكنا ا هـ . انتهى رشيدي . ( قوله : فقط ) أي : وإن بقي أهله ومتاعه مغني ونهاية . ( قوله : لأنه المحلوف عليه ) هذا ظاهر عند الإطلاق أما لو أراد أنه يأخذ أهله وأمتعته لم يبرأ إلا بأخذهما فورا أيضا ا هـ ع ش . ( قوله ولا الخروج من أقرب البابين ) أي : بأن يقصده من محل أما لو مر عليه وعدل عنه فينبغي الحنث أخذا مما علل به العدول إلى السطح من أنه بالعدول عنه إلى الصعود غير آخذ إلخ ا هـ ع ش . ( قوله : لباب من السطح ) أي : أو إلى حائط ليخرج منه بخلاف ما إذا كان قبالته فتخطاه من غير عدول فلا حنث ا هـ . ع ش وظاهر أن هذا يجري في باب السطح أيضا فإذا كان عند الحلف في السطح يتعين الخروج من بابه فلو عدل منه مع القدرة عليه إلى غيره حنث . ( قوله : مع القدرة على غيره ) ظاهره ولو كان غيره أبعد منه ا هـ ع ش .

                                                                                                                              ( قول المتن فإن مكث بلا عذر حنث ) قال عميرة أي : ولو مترددا في المكان واقتضى كلامهم أن المكث ولو قل يضر قال الرافعي : هو ظاهر إن أراد لا أمكث فإن أراد لا أتخذها مسكنا فينبغي عدم الحنث بمكث نحو الساعة انتهى . أقول لعل التقييد بنحو الساعة جري على الغالب وإلا فينبغي أنه لو حلف لا يتخذها مسكنا مدة يبحث فيها عن محل يسكن فيه مع عدم إرادة الاستمرار على اتخاذها مسكنا لم يحنث ، وإن زادت المدة على يوم أو يومين ا هـ . ع ش عبارة المغني : وإن تردد فيها بلا غرض حنث ، وينبغي أن لا يحنث كما قال الرافعي : إن أراد بلا أسكنها لا أتخذها مسكنا ؛ لأنها لا تصير بذلك مسكنا ا هـ . ( قوله ولو لحظة ) إلى قوله : ولو ليلة في المغني إلا قوله : وقول الغزي إلى المتن . ( قوله : وقول الغزي ) مبتدأ ، وقوله : يتعين إلخ خبره . ( قوله : يسمى ساكنا إلخ ) إذ السكنى تطلق على الدوام كالابتداء نهاية ومغني أي : وكذا الإقامة . ( قوله : أو طرأ عليه إلخ ) ، وكذا لو كان مريضا حال حلفه على الراجح وعليه فالفرق بين كون الحلف حال العذر وبين طرو العذر على الحلف لعله من حيث القطع والخلاف وإلا فلم يظهر بينهما فرق إذ الحلف حالة المرض [ ص: 22 ] مانع من الحنث ، وكذا لو طرأ فالحالان مستويان ا هـ ع ش .

                                                                                                                              ( قوله : أو خاف إلخ ) ظاهره ولو كان الخوف موجودا حال الخوف ا هـ ع ش . ( قوله : على نحو ماله ) عبارة المغني على نفسه أو ماله ا هـ . ( قوله : لو خرج ) أي : سواء كان خوفه عليه بسبب تركه له حيث لم يتيسر له حمله معه أو كان الخوف حاصلا له ، سواء أخذه معه أو تركه وينبغي أن يلحق بذلك ما لو خاف أنه إذا خرج لاقاه أعوان الظلمة مثلا فيأخذون منه ذلك بسبب خروجه في ذلك الوقت وينبغي أن المراد بالخوف غلبة الظن فلا يكفي مجرد التوهم ا هـ ع ش . ( قوله : بما مر في العجز إلخ ) عبارة النهاية بما يشق معه الخروج مشقة لا تحتمل غالبا ا هـ . ( قوله : مما يأتي إلخ ) أي : آنفا في شرح ، وإن اشتغل بأسباب الخروج إلخ ( قوله : وجدها ) أي : فاضلة عما يعتبر في الفطرة ويحتمل فضلها عما يبقى للمفلس كما يأتي في كلام الشارح والأقرب الأول ا هـ ع ش وفيه أن قول الشارح والنهاية نعم يفهم مما يأتي إلخ كالصريح في الثاني فكيف يسوغ له مخالفتهما من غير نقل . ( قوله : وقليل المال إلخ ) أي : إذا كان متمولا لأنه الذي يعد في العرف مالا ا هـ ع ش . ( قوله : والقياس أنه عذر أيضا إلخ ) سكت عليه سم وأقره ع ش .

                                                                                                                              ( قوله أي : ولم يدركه كاملا إلخ ) أي : بأن خرج شيء منه عن وقته ولو لم يسم قضاء ( قوله : لأن الإكراه إلخ ) راجع لقوله ، وكذا لو ضاق إلخ . ( قوله : ما دام يسمى عرفا زائرا ) وليس من ذلك ما يقع كثيرا من أن الإنسان يحلف ثم يأتي بقصد الزيارة مع نية أن يقيم زمن النيل أو رمضان ؛ لأن هذا لا يسمى زيارة عرفا فيحنث ا هـ ع ش .

                                                                                                                              ( قوله : وعلى هذا التفصيل إلخ ) لم يزد في الروض وشرحه على قوله : ولا يضر عوده إلى الدار بعد خروجه منها لنقل متاع قال الشاشي : ولم يقدر على الإنابة وعيادة مريض وزيارة وغيرهما نعم إن مكث ضر قاله الأذرعي وغيره نقلا عن تعليق البغوي وأخذا من مسألة عيادة المريض الآتية ، وقد يفرق بأنه هنا خرج ثم عاد وثم لم يخرج انتهى . وأراد بمسألة عيادة المريض الآتية قول الروض فلو عاد قبل خروجه وقعد عنده حنث انتهى ا هـ . سم وفي المغني بعد ذكر مثل قول الروض وشرحه ما نصه : ولكن الأوجه الأول ا هـ . أي : عدم الفرق ( قوله : وخرج ) إلى المتن أو لا يتزوج في المغني إلا قوله : أي يحصل إلى المتن وقوله ويظهر إلى المتن ، وقوله : وفارق إلى هذا ، وقوله : على أحد وجهين إلى وإن لم ينو ، وقوله : ولو لم يكن لكل باب وقوله : ولأنهما لا يتقدران بمدة . ( قوله فينبغي حنثه إلخ ) عبارة المغني والأسنى ثم دخل لم يحنث ما لم يمكث فإن مكث حنث إلا أن يشتغل بجمع متاع كما في الابتداء ا هـ . ( قوله : مع إقامته إلخ ) بخلاف ما لو اجتازها كأن دخل من باب وخرج من آخر لم يحنث ا هـ . مغني ( قوله : نوى التحول ) إلى قول المتن أو لا يتزوج في النهاية إلا قوله : ويراعى إلى وقيد ، وقوله : وفارق إلى هذا وقوله كأن نوى إلى وإن لم ينو . ( قوله : يليق بالخروج ) قضيته أنه لو اشتغل بلبس ثياب تزيد على حاجة التجمل الذي يلبس للخروج أنه يحنث وهو كما قاله ابن شهبة ظاهر ا هـ مغني .

                                                                                                                              ( قوله : ويراعى إلخ ) عبارة المغني قال الماوردي ويراعى في لبثه لنقل المتاع والأهل ما جرى به العرف من غير إرهاق ولا استعجال ولو احتاج إلى مبيت ليلة لحفظ متاع لم يحنث على الأصح ا هـ . ( قوله وقيد المصنف إلخ ) ذكر الأسنى هذا القيد فيما إذا عاد بعد الخروج لنقل المتاع عن الشاشي وأقره كما مر وصرح المغني هنا باعتماد الإطلاق وظاهر صنيعه اعتماده هناك أيضا عبارته لم يحنث بمكثه لذلك ، سواء أقدر في ذلك على الاستنابة أم لا ، كما هو قضية إطلاق المصنف ، وإن كان قضية كلامه في المجموع أنه إن قدر على الاستنابة أنه يحنث ولو عاد إليها بعد الخروج منها حالا لنقل متاع لم يحنث ، قال الشاشي : إذا لم يقدر على الإنابة ، وهذا يوافق قضية كلام المجموع ا هـ . ( قوله وقيد المصنف ذلك ) أي : قولهم وإن اشتغل بأسباب الخروج إلخ . ( قوله : بما إذا لم تمكنه الاستنابة إلخ ) ويظهر أنه لا اعتبار بإمكان [ ص: 23 ] الاستنابة في نقل أمتعة يحب إخفاءها عن غيره ويشق عليه اطلاعه عليها ا هـ . سم عبارة ع ش أي : حيث لم يخش من الاستنابة ضررا ومنه الخوف على ظهور ماله من السراق والظلمة ا هـ .




                                                                                                                              الخدمات العلمية