الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب القول في الاحتجاج لصحيح القياس ولزوم العمل به

قال الله سبحانه : ( يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم ) فنص الله تعالى على وجوب الجزاء من النعم في المقتول من الصيد ، ولم ينص على ما يعتبر من المماثلة ، فكان ما نص عليه أنه من النعم لا اجتهاد فيه ، وكان المرجع في الوجه الذي به يعلم مماثلته فيه ، لا طريق له غير الاجتهاد والاعتبار .

وكذلك لما أمر برد شهادة الفاسق ، لم ينص على ما تعتبر به عدالته ، وليس أحد من المسلمين ينفك من الإتيان بشيء من الطاعات ، ولا يعتصم أحد من أن يمتحن ببعض المعاصي ، فلم يكن لمعرفتنا العدل من الفاسق طريق غير موازنة أحواله ، وترجيح بعضها على بعض ، فإن رجحت معاصيه صار بذلك فاسقا ، وإن رجحت طاعاته صار بذلك عدلا .

وفي معنى ما ذكرناه قول الله تعالى : ( ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين ) ، وقوله تعالى : ( فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون ) ، فجعل الحكم للأرجح من الطاعات أو المعاصي ، فكذلك معرفة العدالة والفسق .

[ ص: 468 ] وقال الله تعالى : ( ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء ) ، وقال : ( أيحسب الإنسان أن يترك سدى ) ، وقال : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) ، فلا يجوز بعد أن أخبر الله بكمال دينه أن يكون ناقصا .

وكذلك قوله : ( ما فرطنا في الكتاب من شيء ) ، ولا يجوز أن يكون بعده ما لا يوقف على حكمه ، والوقوف على الحكم بالاسم أو بالاستخراج لا ثالث لهما ، فإذا بطل أن يكون في الكتاب بيان كل شيء باسمه ، علم أنه أراد بيانه ببيان معناه ، وقوله : ( تبيانا لكل شيء ) أراد به الأوامر والنواهي ، والحظر والإباحة ، وما كان من طريق الشرع مما بالأمة إليه الحاجة لا أنه أراد ذلك على الإطلاق ، إذ كان بيان ذلك من جهة الاسم متعذرا فعلم أنه أراد ذلك من جهة التشبيه ، وقال الله تعالى : ( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية