الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب القول في تعارض العلتين وترجيح إحداهما على الأخرى

اعلم أن الترجيح لا يقع بين دليلين موجبين للعلم ، لأن العلم لا يتزايد ، وإن كان بعضه أقوى من بعض ، وكذلك لا يقع الترجيح بين دليل موجب للعلم أو علة موجبة له ، وبين دليل أو علة يوجب كل واحد منهما الظن لما ذكرناه ، ولأن المقتضي للظن لا يبلغ رتبة الموجب للعلم ، ولو رجح بما رجح لكان الموجب للعلم مقدما عليه ، فلا معنى للترجيح ، فمتى تعارضت علتان ، واحتيج فيهما إلى الترجيح ، رجحت إحداهما على الأخرى بوجه من الترجيح : فمن ذلك : أن تكون إحداهما منتزعة من أصل مقطوع به ، والأخرى من أصل غير مقطوع به ، فالمنتزعة من المقطوع به أولى لأن أصلها أقوى .

ومنها : أن يكون أصل إحداهما مع الإجماع عليه قد عرف دليله على التفصيل فيكون أقوى مما أجمعوا عليه ، ولم يعرف دليله على التفصيل ، لأن ما عرف دليله يمكن النظر في معناه ، وترجيحه على غيره .

ومنها : أن يكون أصل إحداهما قد عرف بنطق ، وأصل الأخرى [ ص: 525 ] قد عرف بمفهوم أو استنباط ، فما عرف بالنطق أولى ، والمنتزع منه يكون أقوى .

ومنها : أن يكون أصل إحداهما من جنس الفرع ، فقياسه عليه أولى من قياسه على ما ليس من جنسه .

ومنها : أن تكون إحداهما مردودة إلى أصل ، والأخرى مردودة إلى أصول ، فالمردودة إلى أصول أولى ، لأن ما كثرت أصوله أقوى .

ومنها : أن تكون إحداهما منصوصا عليها ، والأخرى غير منصوص عليها ، فالعلة المنصوص عليها أولى ، لأن النص أقوى من الاستنباط .

ومنها : أن تكون إحداهما تقتضي احتياطا في فرض ، والأخرى ليست كذلك ، فالتي تقتضي الاحتياط أولى ، لأنها أسلم في الموجب .

ومنها : أن يكون مع إحداهما قول صحابي فهي أولى ، لأن قول الصحابي حجة ، في مذهب بعض العلماء ، فإذا انضم إلى القياس قواه .

[ ص: 526 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية