الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                      في الأمة تجني جناية ثم يطؤها سيدها فتحمل بعد الجناية قلت : أرأيت أمة جنت ثم وطئها سيدها فحملت ، ولا مال له أو له مال ، علم بالجناية أو لم يعلم ؟

                                                                                                                                                                                      قال : إن لم يعلم كان على سيدها الأقل من قيمتها أو دية الجرح . فإن علم ، وكان له مال أخذ منه دية الجراح ، وإن لم يكن له مال أسلمت إلى المجروح ولم يكن عليه في ولدها شيء ، لأنها لو ولدت من غير سيدها بعدما جرحت لم يتبعها ولدها في دية الجرح ، ولم يكن للمجروح في الولد قليل ولا كثير . وكذلك قال مالك في ولد الأمة إذا جرحت : إن ما ولدت بعد الجرح فلا يدخل في جنايتها .

                                                                                                                                                                                      قلت : أرأيت إن جنت جارية على رجل جناية ثم وطئها السيد بعد ذلك فحملت منه ؟

                                                                                                                                                                                      قال : إن كان علم [ ص: 605 ] بالجناية - وكان له مال - غرم قيمة الجناية على ما أحب أو كره ، وإن كان أكثر من قيمتها ، لأن ذلك منه رضا ، فإن لم يكن له مال أسلمت إلى أهل الجناية وكان الولد ولده . وإن لم يعلم بالجناية رأيت أن تكون أم ولد ويتبع بقيمتها إلا أن تكون الجناية أقل فيتبع بذلك دينا . وذلك لو أن رجلا هلك وعليه دين يستغرق ماله ، وترك جارية وترك ابنا ، فوطئ الابن الجارية فحملت منه ، إنه كان علم بدين أبيه وبادر الغرماء ، رأيت إن كان له مال أن يكون عليه قيمتها في ماله ، وإن لم يكن له مال أسلمت إلى الغرماء فباعوها ، وإن لم يعلم بدين أبيه رأيتها أم ولد للابن ، ورأيت أن يتبع بقيمتها ، فهذا مثل مسألتك .

                                                                                                                                                                                      قلت : أرأيت هذه الجارية التي ولدت من سيدها ، متى تلزمه قيمتها إذا لزمته قيمتها ؟

                                                                                                                                                                                      قال : يوم حملت .

                                                                                                                                                                                      قال سحنون : وقال غيره : ليس الجارية إذا جنت فكانت مرتهنة بجنايتها لأن الجناية في رقبتها ، كالجارية التي هلك سيدها وعليه دين ، إذا وطئها السيد والجناية في رقبتها ولا علم له ولا مال له ، إن الجناية أملك بها وتسلم إلى المجني عليه ، لأنها لو بيعت - ولا علم لهم بالجناية - فأعتقها المشتري لم يكن ذلك فوتا يبطل بذلك حق المجني عليه . ولو أن الورثة باعوا ولا علم لهم بأن على أبيهم دينا يستغرق ماله ، ففاتت عند المشتري بعتق أو باتخاذها أم ولد ، لم يكن لهم إلى رد العتق سبيل ، وإنما لهم الثمن إن وجدوه وإلا اتبعوا به من أخذه .

                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية