الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                      في المكاتب يجني جناية عمدا فيصالحه أولياء الجناية على مال فيعجز قبل أن يؤدي المال قلت : أرأيت المكاتب إذا جنى جناية عمدا ، فصالحه أولياء الجناية على مائة دينار فعجز قبل أن يؤدي المائة ، أيقال للسيد ادفعه أم افده بالجناية ؟ قال : إذا كانت الجناية معروفة ، فإنه يقال لسيد المكاتب : ادفعه أو افده بالمائة . إلا أن تكون المائة أكثر من دية الجرح ; لأن مالكا قال في المكاتب إذا جنى جناية فإنه يقال له : أد الجناية وأقم على كتابتك ، فإن هو قوي على ذلك وإلا فسخت كتابته ثم خير سيده ، فإن شاء فداه بعقل الجناية وإن شاء دفعه .

                                                                                                                                                                                      قلت : أرأيت إن قال : أنا أقوى على أداء الكتابة ولا أقوى على أداء الجناية ، أيكون ذلك له في قول مالك ؟ قال : قال مالك : إذا قال لا أقوى على أداء الجناية ، كان عاجزا مكانه ولا ينتظر به في قول مالك .

                                                                                                                                                                                      قال يونس بن يزيد : قال ربيعة : إن أصاب المكاتب جرحا فعتق ، فإنما أدى عن نفسه ، وإن رق فإنما أدى من مال سيده .

                                                                                                                                                                                      قال يونس : وقال أبو الزناد : إذا جرح هو جرحه فإنا نرى عقله على المكاتب في ماله ، وإن هو عجز عن ذلك محيت كتابته وخير سيده ، فإن شاء أن يعقل عنه عقل الجرح الذي جرح ، وإن شاء أن يسلمه إلى المجروح عبدا له أسلمه .

                                                                                                                                                                                      قال مالك : أحسن ما سمعت في المكاتب إذا جرح الرجل جرحا يقع عليه فيه العقل ، أن المكاتب إن قوي على أن يؤدي عقل ذلك الجرح مع كتابته أداه ، وكان على كتابته ولا ينجم عليه كما ينجم على الحر . وإن هو لم يقو على ذلك فقد عجز عن كتابته ، وذلك أنه ينبغي له أن يؤدي عقل ذلك الجرح قبل كتابته ، وكذلك حقوق الناس أيضا تؤدى قبل الكتابة ; لأنه لا [ ص: 614 ] يؤدي خراجا والكتابة خراج وعليه أموال الناس .

                                                                                                                                                                                      فإن عجز المكاتب عن أداء عقل ذلك الجرح خير سيده ، فإن أحب أن يؤدي عقل ذلك الجرح فعل وأمسك غلامه وصار عبدا مملوكا ، وإن أحب أن يسلم عبده للمجروح أسلمه وليس على السيد أكثر من أن يسلم عبده .

                                                                                                                                                                                      قال سحنون : عن ابن شهاب أنه قال في العبد يكاتبه سيده وعليه دين للناس فكان يقول : يبدأ بدين الناس فيؤدى قبل أن يؤخذ من نجومه شيء . إن كان دينه يسيرا بدئ بقضائه وأقر على كتابته ، وإن كان دينه كثيرا تحبس نجومه ، وما اشترط من تعجيل منفعته فسيده بالخيار ، إن شاء أقره على كتابته حتى يقضي دينه ثم يستقبل نجومه ، وإن شاء محا كتابته . يونس عن ربيعة أنه قال : أما دين المكاتب فيكسر كتابته وينزل في دينه بمنزلة العبد المأذون له في التجارة . محمد بن عمرو : عن ابن جريج عن عبد الكريم قال : قال زيد بن ثابت : المكاتب لا يحاص سيده الغرماء ، يبدأ بالذي لهم قبل كتابة سيده . قال ابن جريج : قيل لسعيد بن المسيب : كان شريح يقول : يحاصهم بنجمه الذي حل ؟ قال ابن المسيب : أخطأ شريح .

                                                                                                                                                                                      قال : وقال زيد بن ثابت يبدأ بالذي للديان . وكان ابن شهاب ومجاهد وعطاء يقولون : مضت السنة إذا وجب على المملوك عقل فلا يؤخر ولا ينجم كما ينجم المعاقل ولكنه عاجل .

                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية