الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                      في المكاتب يجني جناية وله أولاد حدثوا في كتابته من أم ولده

                                                                                                                                                                                      قلت : أرأيت المكاتب إذا حدث له ولد في الكتابة من أم ولد له ، فجنى المكاتب جنايته وعليه دين ، أيكون على الابن شيء من ذلك أم لا ؟ قال : أما الدين فلا يلزم الابن من ذلك شيء ، وأما الجناية فإنها تلزمه لأن الأب والابن لا يعتقان إلا بأداء الجناية . وقال مالك : إذا جنى المكاتب قيل له : أد ، فإن لم يقو قيل للابن : أد ، فإن لم يقو رجع رقيقا ثم يخير السيد في الذي جنى وحده بين أن يدفعه أو يفديه .

                                                                                                                                                                                      قلت : أرأيت إن مات المكاتب الجاني ، أيكون على الابن الذي معه في الكتابة من جنايته شيء أم لا ؟ قال : ما سمعت فيه . شيئا ولا أرى عليه من جناية الأب شيئا إذا مات الأب ; لأنه إنما كانت جنايته في رقبته . فإن عجز عنها فقد ذهبت رقبته فلا يكون على الابن شيء .

                                                                                                                                                                                      قال سحنون : وقال غيره : الجناية والدين لا يعتق المكاتب إلا بعدهما ، والدين يرق العبد ويبطل كتابته كما تبطلها الجناية . فإذا كان على الأب دين فلم يقدر على أداء النجوم لمكان الدين ، صار الدين كالجرح إذا لم يقدر على أداء النجوم لمكان الجرح قيل للمكاتب وللابن : لا سبيل لكما إلا بحمالة كل واحد منكما بصاحبه إلى أداء غلته ، والدين والجناية قبلكما ، فإن قويتما على أداء هذا الدين والجناية فالكتابة قائمة ، وإلا فسخت الكتابة وخير في الجاني وحده في إسلامه أو افتكاكه بالجناية وفي الدين يصيران رقيقين ، والدين في ذمة الذي كان في ذمته وحده .

                                                                                                                                                                                      وإن أديا الدين جميعا أو الجناية جميعا أو أداهما الابن الذي لم يجن ولم يداين ، ثم أديا الكتابة لم يرجع على أبيه بما أدى عنه من أرش الجناية أو دين ; لأنه إنما أعتق الأب بما أدى عنه فصار ذلك كالكتابة التي أداها بعضهم عن بعض ; لأن العتق إنما كان بأدائهما ، ولو لم يؤديا رقا . وكذلك كلما أرقهما من دين أو جناية كما ترقهما الكتابة ، فإذا أديا الدين والجناية كان كأداء الكتابة .

                                                                                                                                                                                      قال سحنون : فخذ هذا الأصل على هذا إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية