الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                      في الرجل يقول قتلني فلان ولم يقل خطأ ولا عمدا قلت لأبي القاسم : أرأيت إذا قال المقتول : دمي عند فلان ، ولم يقل خطأ ولا عمدا ؟ قال : إن قال ولاة الدم كلهم عمدا أو خطأ فالقول قولهم ، ويقسمون ويستحقون ما ادعوا من ذلك . فإن افترقوا فقال بعضهم خطأ وقال بعضهم عمدا فحلفوا كلهم ، كان لهم دية الخطأ بينهم كلهم ، الذين ادعوا العمد والذين ادعوا الخطأ . وإن أبى بعضهم أن [ ص: 642 ] يحلف ونكل عن اليمين ، فإن نكل مدعو الخطأ وقال مدعو العمد : نحن نحلف على العمد ، بطل دعواهم ولم يكن لهم أن يقسموا ، ولم يكن لهم إلى الدم ولا إلى الدية سبيل . فإن قال بعضهم : قتل عمدا . وقال بعضهم : لا علم لنا فكذلك أيضا تبطل دعواهم ، ولا يكون لهم أن يقسموا . وإن قال بعضهم : قتل خطأ وقال بعضهم : لا علم لنا . أو نكلوا ، أحلف الذين ادعوا الخطأ وأخذوا نصيبهم من الدية ، ولم أسمع هذا من مالك ولكنه رأيي .

                                                                                                                                                                                      قال : وبلغني أن مالكا قال فيمن قتل قتيلا فادعى بعض ولاته أنه قتل عمدا وقال بعضهم : لا علم لنا به ولا بمن قتله ولا نحلف .

                                                                                                                                                                                      قال مالك : فإن دمه يبطل . وإن قال بعضهم قتل خطأ وقال بعضهم لا علم لنا بذلك ولا نحلف ، كان للذين حلفوا أنصباؤهم من الدية بأيمانهم وليس للذين لم يحلفوا شيء . وإن قال بعضهم : قتل عمدا وقال الآخرون : قتل خطأ وحلفوا كلهم كان لهم جميع الدية ، إن أحب الذين ادعوا العمد أخذوا أنصباءهم . فأما القتل فلا سبيل لهم إليه فهذا رأيي ، والذي بلغني .

                                                                                                                                                                                      قلت : فما قول مالك إن ادعى بعض ولاة الدم الخطأ ، وقال بعضهم : لا علم لنا بمن قتله ، فحلف الذين ادعوا الخطأ وأخذوا حظوظهم من الدية ، ثم أراد هؤلاء الذين قالوا : لا علم لنا بمن قتله خطأ أن يحلفوا ويأخذوا حظوظهم من الدية ، أيكون ذلك لهم ؟ قال : قال مالك : إذا نكل مدعو الدم عن اليمين وأبوا أن يحلفوا وردوا الأيمان على المدعى عليهم ، ثم أرادوا أن يحلفوا بعد ذلك لم يكن ذلك لهم . فأرى أنه ليس لهم أن يحلفوا إذا عرضت عليهم الأيمان فأبوها . قال : وكذلك قال لي مالك في الحقوق إذا شهد له شاهد فأبى أن يحلف مع شاهده ورد اليمين على المدعى عليه ، ثم أراد أن يحلف بعد ذلك ويأخذ لم يكن ذلك له .

                                                                                                                                                                                      قلت : أرأيت إذا أقمت شاهدا واحدا وأبيت أن أحلف معه ، ورددت اليمين على الذي ادعيت قبله فنكل عن اليمين ، ما يكون عليه في قول مالك ؟ قال : عليه أن يحلف عند مالك أو يغرم .

                                                                                                                                                                                      قلت : ولا يرد اليمين على الذي أقام شاهدا واحدا ؟

                                                                                                                                                                                      قال : لا ; لأنه إذا رد اليمين على المدعى عليه لم يرجع اليمين على المدعي بعد ذلك أبدا أيضا .

                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية