الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( فصل ) في الجناية التي لا تقدير لأرشها وفي الجناية على الرقيق وتأخيره إلى هنا أولى من تقديم الغزالي له أول الباب ( تجب الحكومة فيما ) أي جرح [ ص: 484 ] أو نحوه أوجب مالا من كل ما ( لا مقدر فيه ) من الدية ، ولا تعرف نسبته من مقدر وإلا بأن كان بقربه موضحة ، أو جائفة وجب الأكثر من قسطه وحكومة على المعتمد كما مر وسميت حكومة لتوقف استقرارها على حكم الحاكم أي أو المحكم فيما يظهر ومن ثم لو اجتهد فيه غيره لم يستقر ( وهي جزء ) من عين الدية ( نسبته إلى دية النفس ) ؛ لأنها الأصل ( وقيل إلى عضو الجناية ) ؛ لأنه أقرب ويرد بأنه لا عبرة بالقرب مع وجود ما هو الأصل المعول عليه في ذلك وغيره ومحل الخلاف في عضو له مقدر وإلا كصدر وفخذ اعتبرت من دية النفس قطعا ( نسبة ) أي مثل نسبة ( نقصها ) أي ما نقص بالجناية ( من قيمته ) إليها ( لو كان رقيقا بصفاته ) التي هو عليها إذ الحر لا قيمة له فتعين فرضه قنا مع رعاية صفاته حتى يعلم قدر الواجب في تلك الجناية فإذا كانت قيمته بدونها عشرة وبها تسعة وجب عشر الدية والتقويم بالنقد ويجوز بالإبل لكن في الحر ففي الحكومة في القن الواجب النقد قطعا وتجب الحكومة في الشعور ، وإن لم يكن فيها جمال لكن بشرط فساد منبتها وإلا فالتعزير ، ولا قود في نتفها ؛ لأنه لا ينضبط وقد لا تعتبر النسبة كما لو قطع أنملة لها طرف زائد فإنه يجب دية أنملة وحكومة للزائدة باجتهاد القاضي ، ولا تعتبر النسبة لعدم إمكانها

                                                                                                                              واستشكله الرافعي بأنه يجوز أن يقوم وله الزائد بلا أصلية ثم يقوم دونها كما فعل في السن الزائدة أو تعتبر بأصلية كما اعتبرت لحية المرأة بلحية الرجل ولحيتها كالأعضاء الزائدة ولحيته كالأعضاء الأصلية . ا هـ وقيس بالأنملة فيما ذكر نحوها كالأصبع ولك أن تجيب بأن زائدة الأنملة أو الأصبع لا عمل لها غالبا ، ولا جمال فيها ، وإن فرض [ ص: 485 ] فقد الأصلية بخلاف السن الزائدة فإنه كثيرا ما يكون فيها جمال بل ومنفعة كما يأتي وبأن جنس اللحية فيها جمال فاعتبر في لحية المرأة ، ولا كذلك زائدة الأنملة ، أو الأصبع

                                                                                                                              ( فإن كانت ) الحكومة ( لطرف ) مثلا وخص بالذكر ؛ لأنه الغالب ( له مقدر ) ، أو تابع لمقدر أي لأجل الجناية عليه ( اشترط أن لا تبلغ ) الحكومة ( مقدرة ) لئلا تكون الجناية عليه مع بقائه مضمونة بما يضمن به العضو نفسه فتنقص حكومة جرح أنملة عن ديتها وجرح الأصبع بطوله عن ديته وقطع كف بلا أصابع وجرح بطنها أو ظهرها عن دية الخمس لا بعضها وجرح البطن عن جائفة وجرح الرأس عن أرش موضحة فإن بلغه نقص سمحاق ونقص متلاحمة نقص كل منهما عنه ونقص السمحاق عن المتلاحمة لئلا يستويا مع تفاوتهما ( فإن بلغته ) أي الحكومة مقدر ذلك العضو ، أو متبوعه ( نقص القاضي شيئا ) منه ( باجتهاده ) أكثر من أقل متمول على الأوجه ؛ لأن أقله لا يلتفت إليه لوقوع التغابن والمسامحة به عادة وذلك لئلا يلزم المحذور السابق .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( فصل ) في الجناية التي لا تقدير لأرشها ( قوله وتجب الحكومة في الشعور ، وإن لم يكن فيها جمال لكن بشرط فساد منبتها ) عبارة الروضة وفي إفساد منبت الشعور حكومة لا فيها . ا هـ فقوله وفي إفساد منبت الشعور إلخ قال في شرحه ومحله فيما فيه جمال إلخ وقوله لا فيها قال في شرحه أي لا حكومة في إزالتها بغير إفساد منبتها [ ص: 484 ] انتهى ( قوله وإن لم يكن فيها جمال إلخ ) قال في شرح الروض ومحله فيما فيه جمال كاللحية وشعر الرأس أما ما لا جمال في إزالته كشعر الإبط فلا حكومة فيه في الأصح وإن كان التعزير واجبا للتعدي قاله الماوردي والروياني لكن كلام المصنف وأصله هنا وفي الضابط الآتي يقتضي وجوبها . ا هـ فقول الشارح وإن لم يكن فيها جمال رد لما قاله الماوردي والروياني وأخذ بقضية كلام الشيخين ( قوله ولا قود في نتفها ) انظر مفهوم النتف ولعله غير مراد ( قوله واستشكله الرافعي إلخ ) رد بظهور الفرق ، وهو أن تقديره بلا أنملة أصلية يقتضي أن يقرب من أرش الأصلية لضعف اليد حينئذ لفقد أنملة منها وأن اعتبارها بأصلية يزيد على ذلك ففي كل منهما إجحاف بالجاني بإيجاب شيء عليه لم تقتضه جنايته بخلاف السن ولحية المرأة م ر ش وقوله يقتضي أن يقرب إلخ يتأمل وجه انتفاء ذلك في مسألة السن .

                                                                                                                              ( قوله ولك أن تجيب إلخ ) يرد على هذا الجواب أن نفي العمل والجمال غالبا في الأنملة والأصبع الزائدة ممنوع وأن نظير حسن اللحية هو حسن الأنملة لا الأنملة الزائدة [ ص: 485 ] والأنملة الزائدة إنما هي نظير اللحية الزائدة كلحية المرأة وكما أن حسن اللحية فيها جمال كذلك حسن الأنملة وكما أن زائدة الأنملة لا جمال فيها إن سلم ذلك فزائد اللحية كلحية المرأة لا جمال فيها بل أولى فتأمل ذلك فإنه ظاهر ، ولله در إمام المذهب الرافعي ( قوله : لأنه الغالب ) يتأمل ( قوله أو تابع لمقدر ) كمسألة الكف الآتية ( قوله وجرح البطن ) ، أو نحوه شرح روض ( قوله عن أرش موضحة ) قد يقال الرأس يتصور فيه غير الموضحة كالمأمومة والدامغة ( قوله أيضا عن أرش موضحة ) ؛ لأنه لو ساواه ساوى أرش الأقل أرش الأكثر ولو اعتبر ما فوق الموضحة كالمأمومة فقد تساوي الموضحة ، أو تزيد فيلزم المحذور المذكور ( قوله أكثر من أقل متمول على الأوجه ) م ر .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( فصل في الجناية ) التي لا تقدير لأرشها ( قوله في الجناية ) إلى قوله واستشكل في المغني إلا قوله أي أو المحكم فيما يظهر وقوله ، وإن لم يكن فيها جمال وقوله ولا قود في نفقتها ؛ لأنه لا ينضبط وإلى قول المتن فإن كانت في النهاية بمخالفة يسيرة سأنبه عليها ( قوله في الجناية إلخ ) أي في واجبها على حذف المضاف رشيدي ( قوله وتأخيره ) أي هذا الفصل ع ش عبارة المغني وإنما ذكرت الحكومة بعد المقدرات لتأخرها عنها في الرتبة ؛ لأنها جزء منها كما سيأتي والغزالي ذكرها في أول الباب قال الرافعي وذكرها هنا أحسن ليقع الكلام على [ ص: 484 ] الانتظام وكذا صنع في الروضة فذكرها هنا . ا هـ

                                                                                                                              ( قوله أوجب مالا ) أخرج ما يوجب تعزيرا فقط كقلع سن من ذهب مغني ، وعبارة السلطان احترز به عما يوجب تعزيرا كإزالة شعر لا جمال فيه كإبط ، أو عانة ، أو به جمال ، ولم يفسد منبته . ا هـ ، ولا يخفى أن المثال الأول إنما يتأتى على مسلك غير الشارح كما يأتي ( قوله من كل إلخ ) هو بيان لجرح ، أو نحوه رشيدي ( قوله كما مر ) أي في أوائل فصل في الديات الواجبة إلخ ( قوله أي ، أو المحكم ) عبارة النهاية أي أو المحكم بشرطه . ا هـ ، ولم يقل فيما يظهر بل جزم به سيد عمر قال ع ش قوله أو المحكم بشرطه ، وهو كونه مجتهدا ، أو فقد القاضي ، ولو قاضي ضرورة ع ش ( قوله غيره ) أي غير الحاكم ، أو المحكم

                                                                                                                              ( قول المتن إلى عضو الجناية ) أي إلى دية عضو الجناية سم ( قوله ومحل الخلاف إلخ ) هذا معلوم من قوله وقيل إلى عضو الجناية إذ من المعلوم أنه إنما ينسب إلى عضو الجناية إذا كان له مقدر ع ش ( قوله اعتبرت ) أي الحكومة ع ش ومغني والأولى إرجاع الضمير إلى النسبة وجعل من في قوله من دية النفس بمعنى إلى ( قول المتن نقصها ) أي الجناية مغني فقول الشارح أي ما نقص إلخ تفسير مراد ( قوله إليها ) أي القيمة والجار متعلق إلى نسبة ( قوله وجب عشر الدية ) هو مع قوله والتقديم في الحر إلخ يفيد أن الحكومة في الحر لا تكون إلا من الإبل ، وإن اتفق التقديم بالنقد ثم رأيت سم صرح بذلك نقلا عن شرح الروض ع ش عبارة المغني وتجب الحكومة إبلا كالدية لا نقدا وأما التقديم فمقتضى كلام المصنف كغيره أنه بالنقد لكن نص الشافعي على أنه بالإبل والظاهر كما قال شيخنا أن كلا من الأمرين جائز ؛ لأنه يوصل إلى الغرض . ا هـ

                                                                                                                              ( قوله الواجب النقد قطعا ) وكذا التقديم نهاية ( قوله : وإن لم يكن فيها جمال إلخ ) خلافا للنهاية والمغني عبارتهما ومحله إن كان بها جمال كلحية وشعر رأس أما ما لا جمال في إزالته كشعر إبط وعانة فلا حكومة فيه في الأصح ، وإن كان التعزير واجبا للتعدي كما قاله الماوردي والروياني ، وإن اقتضى كلام ابن المقري كالروضة هنا وجوبها . ا هـ .

                                                                                                                              وفي سم بعد ذكر مثلها عن الأسنى ما نصه فقول الشارح ، وإن لم يكن فيها جمال رد لما قاله الماوردي والروياني وأخذ بقضية كلام الشيخين ا هـ عبارة السيد عمر قوله ، وإن لم يكن فيها جمال هذا ما اقتضاه إطلاق الروضة وأصلها ويؤيده إيجاب الحكومة في نحو السن الشاغية . ا هـ

                                                                                                                              ( قوله ولا قود في نتفها ) انظر مفهوم النتف ولعله غير مراد سم ويؤيده إطلاق النهاية بقوله ولا يجب فيها قود . ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله واستشكله الرافعي إلخ ) رد بظهور الفرق نهاية ومغني ( قوله أن يقوم ) أي المجني عليه وله أي والحال أن للمجني عليه الزيادة ( قوله لحية المرأة ) أي إذا أزيلت ففسد نبتها ومثلها الخنثى مغني ( قوله وقيس بالأنملة إلخ ) أي على مختار الرافعي فيها غالبا في الأنملة ( قوله ولك أن تجيب إلخ ) يرد على هذا الجواب أن نفي العمل والجمال والأصبع الزائدة ممنوع وأن نظير جنس اللحية هو جنس الأنملة ، لا الأنملة الزائدة والأنملة الزائدة إنما هي نظير اللحية الزائدة كلحية المرأة وكما أن جنس اللحية فيها جمال كذلك جنس الأنملة وكما أن زائدة الأنملة [ ص: 485 ] لا جمال فيها إن سلم ذلك فزائدة اللحية كلحية المرأة لا جمال فيها بل أولى فتأمل ذلك فإنه ظاهر ولله در إمام المذهب الرافعي سم

                                                                                                                              ( قوله بخلاف السن إلخ ) يتأمل فإنه قد لا يظهر مخالفة إلا أن يقال الفرق أن الجاني في السن واللحية قد باشرهما بالجناية عليهما استقلالا بخلاف الأنملة فإنه إنما باشر الجناية على الأصلية والزيادة قد وقعت تبعا رشيدي ( قوله مثلا ) إلى قول المتن وفي نفس الرقيق في النهاية إلا قوله وإنما لم يجب إلى قيل ( قوله وخص ) أي الطرف ع ش ( قوله : لأنه الغالب ) يتأمل سم ولعل وجه التأمل أن كل ما له مقدر يكون من الأطراف وهي ما عدا النفس ويمكن الجواب بأنه أراد بالطرف ما يسمى بذلك عرفا كاليد فيخرج نحو الأنثيين ع ش ( قوله أو تابع إلخ ) أي كمسألة الكف الآتية سم و ع ش

                                                                                                                              ( قوله أو تابع لمقدر ) أي أو هو تابع لما له مقدر ( قوله أي لأجل الجناية إلخ ) تفسير لطرف وقوله على راجع إليه ( قول المتن مقدره ) أي الطرف وكان الأنسب لقول الشارح المار ، أو تابع إلخ ولقوله الآتي ، أو متبوعه أن يزيد هنا ، أو مقدر متبوعه ( قوله مضمونة إلخ ) خبر تكون ( قوله بطوله ) قيد به ؛ لأنه إذا لم يكن كذلك كان الجرح في أنملة واحدة مثلا فحكومته شرطها أن تنقص عن دية الأنملة ع ش ( قوله وجرح بطنها أو ظهرها ) أي الكف نهاية ( قوله عن دية الخمس ) أي الأصابع الخمس ( قوله وجرح الرأس عن أرش موضحة ) ؛ لأنه لو ساواه ساوى أرش الأقل أرش الأكثر ، ولو اعتبر ما فوق الموضحة كالمأمومة فقد تساوي الموضحة ، أو تزيد فيلزم المحذور المذكور سم على حج ع ش ( قوله فإن بلغه ) أي أرش الموضحة وقوله نقص سمحاق إلخ فاعل بلغ وقوله نقص كل إلخ جواب الشرط

                                                                                                                              ( قوله منهما ) أي من نقص السمحاق ونقص المتلاحمة أي عن أرش الموضحة .

                                                                                                                              ( قوله ونقص السمحاق إلخ ) كان الظاهر ونقص المتلاحمة عن السمحاق إذ السمحاق أبلغ من المتلاحمة رشيدي وهذا مبني على أنه بصيغة الماضي معطوف على نقص كل منهما عنه وأما إذا كان مصدرا معطوفا على كل منهما إلخ كما جرى ع ش فلا إشكال عبارته قوله ونقص السمحاق إلخ أي نقص ما يقدره فيما نقص من السمحاق عما يقدره فيما نقص من المتلاحمة ؛ لأن واجب السمحاق أكثر من واجب المتلاحمة . ا هـ ولكن التعليل ظاهر فيما جرى عليه الرشيدي ( قوله أو متبوعه ) عطف على ذلك العضو ( قوله أكثر من أقل متمول ) أي مما له وقع كربع بعير مثلا ع ش

                                                                                                                              ( قوله على الأوجه ) كذا في المغني ( قوله المحذور السابق ) أي في قوله لئلا تكون الجناية إلخ وقوله ولا تابع لمقدر أي ولا هو تابع إلخ ع ش .




                                                                                                                              الخدمات العلمية