الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ( برق ) الباء والراء والقاف أصلان تتفرع الفروع منهما : أحدهما لمعان الشيء; والآخر اجتماع السواد والبياض في الشيء . وما بعد ذلك فكله مجاز ومحمول على هذين الأصلين .

                                                          أما الأول فقال الخليل : البرق وميض السحاب ، يقال : برق السحاب برقا وبريقا . قال : وأبرق أيضا لغة . قال بعضهم : يقال : برقة للمرة الواحدة : إذا برق ، وبرقة بالضم : إذا أردت المقدار من البرق . ويقال : " لا أفعله ما برق في السماء نجم " أي : ما طلع . وأتانا عند مبرق الصبح ، أي : حين برق . اللحياني : [ ص: 222 ] وأبرق الرجل : إذا أم البرق حين يراه . قال الخليل : البارقة السحابة ذات البرق . وكل شيء يتلألأ لونه فهو بارق يبرق بريقا . ويقال للسيوف بوارق . الأصمعي : يقال : أبرق فلان بسيفه إبراقا : إذا لمع به . ويقال : رأيت البارقة ، ضوء برق السيوف . ويقال : مرت بنا الليلة بارقة ، أي : سحابة فيها برق ، فما أدري أين أصابت . والعرب تقول : " هو أعذب من ماء البارقة " .

                                                          ويقال للسيف ولكل ما له بريق إبريق ، حتى إنهم يقولون للمرأة الحسناء البراقة إبريق . قال :


                                                          ديار إبريق العشي خوزل

                                                          الخوزل المرأة المتثنية في مشيتها . وأنشد :


                                                          أشلى عليه قانص لما غفل     مقلدات القد يقرون الدغل
                                                          فزل كالإبريق عن متن القبل

                                                          قال أبو علي الأصفهاني : يقال : أبرقت السماء على بلاد كذا . وتقول أبرقت : إذا أصابتك السماء . وأبرقت ببلد كذا ، أي : أمطرت . قال الخليل : [ إذا ] شدد موعد بالوعيد ، قيل أبرق وأرعد . قال :


                                                          أبرق وأرعد يا يزي     د فما وعيدك لي بضائر

                                                          يقال : برق ورعد أيضا . قال :

                                                          [ ص: 223 ]

                                                          فإذا جعلت . . . فارس دونكم     فارعد هنالك ما بدا لك وابرق

                                                          أبو زيد عن الأصمعي : برقت السماء : إذا جاءت ببرق . وكذلك رعدت ، وبرق الرجل ورعد . ولم يعرف الأصمعي أبرق وأرعد . وأنشد :


                                                          يا جل ما بعدت عليك بلادنا     فابرق بأرضك ما بدا لك وارعد

                                                          ولم يلتفت إلى قول الكميت :


                                                          أبرق وأرعد يا يزي     د . . . . . . . . . . .

                                                          قال أبو زيد : وقد أخبرنا بها أبو زيد عن العرب . ثم إن أعرابيا أتانا من بني كلاب وهو محرم . فأردنا أن نسأله فقال أبو زيد : دعوني أتولى مسألته فأنا أرفق به . فقال له : كيف تقول إنك لتبرق وترعد ؟ فقال : في الخجيف ؟ يعني التهدد . قال : نعم . قال : أقول إنك لتبرق وترعد . فأخبرت به الأصمعي فقال : لا أعرف إلا برق ورعد .

                                                          ومن هذا الأصل قال الخليل : أبرقت الناقة : إذا ضربت ذنبها مرة على فرجها ، ومرة على عجزها ، فهي بروق ومبرق . قال اللحياني : يقال للناقة إذا شالت ذنبها كاذبة وتلقحت وليست بلاقح : أبرقت الناقة فهي مبرق وبروق . وضدها المكتام .

                                                          [ ص: 224 ] قال ابن الأعرابي : برقت فهي بارق : إذا تشذرت بذنبها من غير لقح . قال بعضهم : برق الرجل : إذا أتى بشيء لا مصداق له .

                                                          وحكى ابن الأعرابي ، أن رجلا عمل عملا فقال له بعض أصحابه : " برقت وعرقت " ، أي : لوحت بشيء ليس له حقيقة . وعرقت أقللت ، من قولهم :


                                                          لا تملأ الدلو وعرق فيها     ألا ترى حبار من يسقيها

                                                          قال الخليل : الإنسان البروق هو الفرق لا يزال . قال :


                                                          يروع كل خوار بروق

                                                          والإنسان إذا بقي كالمتحير قيل برق بصره برقا ، فهو برق فزع مبهوت . وكذلك تفسير من قرأها : فإذا برق البصر ، فأما من قرأ : برق البصر فإنه يقول : تراه يلمع من شدة شخوصه تراه لا يطيق . قال :


                                                          لما أتاني ابن عمير راغبا     أعطيته عيساء منها فبرق

                                                          أي : لعجبه بذلك . وبرق بعينه : إذا لألأ من شدة النظر . قال :


                                                          فعلقت بكفها تصفيقا     وطفقت بعينها تبريقا
                                                          نحو الأمير تبتغي التطليقا

                                                          [ ص: 225 ] قال ابن الأعرابي : برق الرجل ذهبت عيناه في رأسه ، ذهب عقله . قال اليزيدي : برق وجهه بالدهن يبرق برقا ، وله بريق ، وكذلك برقت الأديم أبرقه برقا ، وبرقته تبريقا .

                                                          قال أبو زيد : برق طعامه بالزيت أو السمن أو ذوب الإهالة : إذا جعله في الطعام وقلل منه .

                                                          قال اللحياني : برق السقاء يبرق برقا وبروقا : إذا أصابه حر فذاب زبده . قال ابن الأعرابي : يقال : زبدة برقة وسقاء برق : إذا انقطعا من الحر . وربما قالوا زبد مبرق . والإبريق معروف ، وهو من الباب . قال أبو زيد : البروق شجرة ضعيفة . وتقول العرب : " هو أشكر من بروقة " ، وذلك أنها إذا غابت السماء اخضرت ويقال : إنه إذا أصابها المطر الغزير هلكت . قال الشاعر يذكر حربا :


                                                          تطيح أكف القوم فيها كأنما     يطيح بها في الروع عيدان بروق

                                                          وقال الأسود يذكر امرأة :


                                                          ونالت عشاء من هبيد وبروق     ونالت طعاما من ثلاثة ألحم

                                                          وإنما قال ثلاثة ألحم ، لأن الذي أطعمها قانص .

                                                          قال يعقوب : برقت الإبل تبرق برقا : إذا اشتكت بطونها منه .

                                                          [ ص: 226 ] وأما الأصل الآخر فقال الخليل وغيره : تسمى العين برقاء لسوادها وبياضها . وأنشد :


                                                          ومنحدر من رأس برقاء حطه     مخافة بين من حبيب مزايل

                                                          المنحدر : الدمع . قالوا : والبرق مصدر الأبرق من الحبال والجبال ، وهو الحبل أبرم بقوة سوداء وقوة بيضاء . ومن الجبال ما كان منه جدد بيض وجدد سود . والبرقاء من الأرض طرائق ، بقعة فيها حجارة سود تخالطها رملة بيضاء . وكل قطعة على حيالها برقة . وإذا اتسع فهو الأبرق والأبارق والبراق . قال :


                                                          لنا المصانع من بصرى إلى هجر     إلى اليمامة فالأجراع فالبرق

                                                          والبرقة ما ابيض من فتل الحبل الأسود .

                                                          قال أبو عمرو الشيباني : البرق ما دفع في السيل من قبل الجبل . قال :


                                                          كأنها بالبرق الدوافع

                                                          قال قطرب : الأبرق الجبل يعارضك يوما وليلة أملس لا يرتقى . قال أبو زياد الكلابي : الأبرق في الأرض أعال فيها حجارة ، وأسافلها رمل يحل بها الناس . وهي تنسب إلى الجبال . ولما كانت صفة غالبة جمعت جمع الأسماء ، فقالوا الأبارق ، كما قالوا : الأباطح والأداهم في جمع الأدهم الذي هو القيد ، والأساود في جمع الأسود الذي هو الحية . قال الراعي :


                                                          وأفضن بعد كظومهن بحرة     من ذي الأبارق إذ رعين حقيلا

                                                          [ ص: 227 ] قال قطرب : بنو بارق حي من اليمن من الأشعرين . واسم بارق سعد بن عدي ، نزل جبلا كان يقال له بارق ، فنسب إليه . ويقال لولده بنو بارق ، يعرفون به .

                                                          قال بعض الأعراب : الأبرق والأبارق من مكارم النبات ، وهي أرض نصف حجارة ونصف تراب أبيض يضرب إلى الحمرة ، وبها رفض حجارة حمر . وإذا كان رمل وحجارة فهو أيضا أبرق . وإذا عنيت الأرض قلت برقاء . والأبرق يكون علما سامقا من حجارة على لونين ، أو من طين وحجارة . والأبرق والبرقة ، والجميع البرق والبراق والبرقاوات .

                                                          قال الأصمعي البرقان ما اصفر من الجراد وتلونت فيه [ خطوط واسود ] . ويقال : رأيت دبا برقانا كثيرا في الأرض ، الواحدة برقانة ، كما يقال : ظبية أدمانة وظباء أدمان . قال أبو زياد : البرقان فيه سواد وبياض كمثل برقة الشاة . قال الأصمعي : وبرقاء أيضا . قال أبو زياد : يمكث أول ما يخرج أبيض سبعا ، ثم يسود سبعا ، ثم يصير برقانا .

                                                          والبرقاء من الغنم كالبلقاء من الخيل .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية