الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
530 - أنا أبو عبد الله : أحمد بن محمد بن يوسف بن دوست البزاز ، أنا أبو علي : إسماعيل بن محمد بن إسماعيل الصفار ، نا عبد الكريم بن الهيثم ، نا أبو اليمان ، أنا شعيب ، نا أبو الزناد ، أن الأعرج ، حدثه ، أنه ، سمع أبا هريرة ، أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " بينما امرأتان معهما ابناهما جاء الذئب ، فذهب بابن إحداهما ، فقالت : هذه لصاحبتها ، إنما ذهب بابنك ، وقالت الأخرى : إنما ذهب بابنك ، فتحاكمتا إلى داود النبي عليه السلام ، فقضى به للكبرى ، فخرجتا إلى سليمان - عليه السلام - فأخبرتاه ، فقال : إيتوني بالسكين أشقه بينكما ، فقالت الصغرى : لا تفعل يرحمك الله هو ابنها ، فقضى به للصغرى " .

قال أبو هريرة : والله إن سمعت بالسكين قط إلا يومئذ ، وما كنا نقول إلا المدية [ ص: 485 ] قلت : إنما قالت الصغرى هو ابن الكبرى إشفاقا على الطفل أن يقتل ، وكان ولدها فأدركتها الرقة عليه ، فقضى به سليمان لها ، وقال للكبرى : لو كان ابنك لم تطب نفسك بشقه .

وفى هذا الخبر دليل أن داود وسليمان لم يحكما إلا من جهة الاجتهاد ، لأنه لو كان ما حكم به داود نصا ، لم يسع سليمان أن يحكم بخلافه ، ولو كان ما حكم به سليمان أيضا نصا ، لم يخف على داود .

وفيه دليل أيضا أن الحق في واحد ، لأن سليمان لو وجد مساغا أن لا ينقض على داود حكمه لفعل ، ويشبه أن يكون المعنى الذي ذهب إليه داود ، أن المرأتين لما تساوتا في اليد ، ولإحداهما فضل السن قدمها لأجل ذلك ، وذهب سليمان إلى أن سنها ليس بدليل على أن الولد لها ، والله أعلم .

وهذا الحديث أجمع أهل النقل على ثبوته وصحته ، وذهب خلق من أهل العلم إلى أن حكم الأنبياء المتقدمين ، يجب علينا اتباعه ، إلا أن يأتي في شريعتنا ما يمنع من استعماله ، والإجماع من أهل ملتنا قد حصل أن هذا الحكم لا يصح أن يحكم بمثله في شريعتنا ، فتركناه للإجماع ، وقد أخبر الله تعالى في كتابه عن حكم داود وسليمان في الحرث لما نفشت فيه غنم القوم ، وأنهما اختلفا في الحكومة ، وقصتها في ذلك شبيه القصة المذكورة في حديث أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، الذي سقناه آنفا ، وأن حكمهما كان من طريق الاجتهاد ، دون النص والتوقيف والله أعلم .

[ ص: 486 ] [انتهى ، ويتلوه إن شاء الله : (ذكر ما روي عن الصحابة والتابعين في الحكم بالاجتهاد وطريق القياس)

والحمد لله حق حمده ، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد النبي وآله وسلم تسليما]

[ ص: 487 ] (السماع الملحق بهذا الجزء في النسخة الظاهرية) فرغ من نسخه عبد العزيز بن علي يوم الثلاثاء ، وقت العصر في ربيع الآخر ، سنة تسع وخمسين وأربعمائة .

بلغ السماع من أوله من لفظ الشيخ الإمام أبي بكر : أحمد بن علي بن ثابت الخطيب ، صان الله قدره ، صاحبه الشيخ الجليل أبو القاسم : عبد الرحمن بن علي بن القاسم وولده أبو الطاهر : حسين ، والفقيه أبو القاسم عبد الباقي بن جامع الدمشقي ، وأبو الحسين أحمد بن عبد الواحد المعبر ، وأبو المغيث إبراهيم بن علي بن فضلون ، وأحمد بن محمد السمرقندي ، ومكي بن عبد السلام بن الحسين بن القاسم المقدسي ، ذلك بصور في الجامع في جمادى الآخرة ، سنة تسع وخمسين وأربعمائة .

[ ص: 488 ] [من كتاب الفقيه والمتفقه

تصنيف الشيخ الخافظ أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي] (الجزء السادس) [ ص: 489 ] [ ص: 490 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية