الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
604 - أنا أبو الحسن : علي بن أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل البزاز بالبصرة ، نا أبو بكر : يزيد بن إسماعيل الخلال ، نا عبد الله بن أيوب المخرمي ، حدثني أبو عبد الله الأزدي ، قال : حدثني عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون ، بهذه الرسالة ، وقرأها علي : " أما بعد : فإني أوصيك بتقوى الله ، والاقتصاد في أمره ، واتباع سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وترك ما أحدث المحدثون في دينهم مما قد كفوا مؤونته ، وجرت فيهم سنته ، ثم اعلم أنه لم تكن بدعة قط ، إلا وقد مضى قبلها دليل عليها ، فعليك بتقوى الله ، ولزوم السنة فإنها لك بإذن الله عصمة ، وإنما جعلت السنة يستن بها ، ويعتمد عليها ، وإنما سنها من علم ما في خلافها من الزلل والخلاف والتعمق ، فارض لنفسك ما رضوا لأنفسهم ، فإنهم بعلم وقفوا ، وببصر ما كفوا ، ولهم على كشف الأمور كانوا أقوى ، وبفضل لو كان فيها أحرى ، وإنهم [ ص: 556 ] لهم السابقون ، فإن كان الهدى ما أحدثتم ، وما أنتم فيه لقد سبقتموهم ، ولئن قلتم حدث حدث بعدهم ، فما أحدثه إلا من اتبع غير سبيلهم ، ورغب بنفسه عنهم ، ولقد وضعوا ما يكفي ، وتكلموا بما يشفي ، فما دونهم مقصر ، ولا فوقهم محسن ، وإنهم من ذلك ، لعلى هدى مستقيم ، فارجعوا إلى معالم الهدى ، وقولوا كما قالوا ، ولا تفرقوا بين ما جمعوا ولا تجمعوا بين ما فرقوا ، فإنهم جعلوا لكم أئمة وقادة ، هم حملوا إليكم كتاب الله وسنة نبيه ، فهم على ما حملوا إليكم من ذلك أمناء ، وعليكم فيه شهداء ، واحذروا الجدل ، فإنه يقربكم إلى كل موبقة ، ولا يسلمكم إلى ثقة " .

فنظرنا في كتاب الله تعالى ، وإذا فيه ما يدل على الجدال والحجاج ، فمن ذلك قوله تبارك وتعالى : ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ) ، فأمر الله رسوله في هذه الآية بالجدال ، وعلمه فيها جميع آدابه من الرفق والبيان والتزام الحق والرجوع إلى ما أوجبته الحجة ، وقال تعالى : ( ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن ) ، وقال تعالى : ( ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه ) الآية ، وقال تعالى : ( ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم ) ، وكتاب الله تعالى لا يتعارض ولا يختلف ، فتضمن الكتاب : ذم الجدال ، والأمر به ، فعلمنا علما يقينا أن الذي ذمه غير الذي أمر به ، وأن من الجدال ما هو محمود مأمور به ، ومنه مذموم منهي عنه ، فطلبنا البيان لكل واحد من الأمرين فوجدناه تعالى قد قال : ( وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق ) [ ص: 557 ] ، وقال : ( الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتا عند الله وعند الذين آمنوا ) ، فبين الله في هاتين الآيتين الجدال المذموم ، وأعلمنا أنه : الجدال بغير حجة ، والجدال في الباطل .

فالجدال المذموم وجهان : أحدهما : الجدال بغير علم .

الثاني : الجدال بالشغب والتمويه ، نصرة للباطل بعد ظهور الحق وبيانه ، قال الله تعالى : ( وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب ) .

وأما جدال المحقين ، فمن النصيحة في الدين ، ألا ترى إلى قوم نوح عليه السلام حيث قالوا : ( يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا ) وجوابه لهم : ( ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم ) ، وعلى هذا جرت سنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال ما .

التالي السابق


الخدمات العلمية