الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ( برك ) الباء والراء والكاف أصل واحد ، وهو ثبات الشيء ، ثم يتفرع فروعا يقارب بعضها بعضا . يقال : برك البعير يبرك بروكا . قال الخليل البرك يقع على ما برك من الجمال والنوق على الماء أو بالفلاة ، من حر الشمس أو الشبع ، الواحد بارك ، والأنثى باركة . وأنشد في البرك أيضا :

                                                          [ ص: 228 ]

                                                          برك هجود بفلاة قفر أحمى عليها الشمس أبت الحر

                                                          الأبت : شدة الحر بلا ريح . قال أبو الخطاب : البرك الإبل الكثيرة تشرب ثم تبرك في العطن ، لا تكون بركا إلا كذا . قال الخليل : أبركت الناقة فبركت . قال : والبرك أيضا كلكل البعير وصدره الذي يدك به الشيء تحته . تقول : حكه ودكه ببركه . قال الشاعر :


                                                          فأقعصتهم وحكت بركها بهم     وأعطت النهب هيان بن بيان

                                                          والبركة : ما ولي الأرض من جلد البطن وما يليه من الصدر ، من كل دابة . واشتقاقه من مبرك الإبل ، وهو الموضع الذي تبرك فيه ، والجمع مبارك . قال يعقوب : البركة من الفرس حيث انتصبت فهدتاه من أسفل ، إلى العرقين اللذين دون العضدين إلى غضون الذراعين من باطن .

                                                          قال أبو حاتم : البرك بفتح الباء : الصدر ، فإذا أدخلت الهاء كسرت الباء . قال بعضهم : البرك القص . قال الأصمعي : كان أهل الكوفة يسمون زيادا أشعر بركا . قال يعقوب : يقول العرب : " هذا أمر لا يبرك عليه إبلي " أي : لا أقربه ولا أقبله . ويقولون أيضا : " هذا أمر لا يبرك عليه الصهب المحزمة " يقال ذلك للأمر إذا تفاقم واشتد . وذلك أن الإبل إذا أنكرت الشيء نفرت منه .

                                                          [ ص: 229 ] قال أبو علي : خص الإبل لأنها لا تكاد تبرك في مبرك حزن ، إنما تطلب السهولة ، تذوق الأرض بأخفافها ، فإن كانت سهلة بركت فيها . قال أبو زيد : وفي أنواء الجوزاء نوء يقال له " البروك " ، وذلك أن الجوزاء لا تسقط أنواؤها حتى يكون فيها يوم وليلة تبرك الإبل من شدة برده ومطره . قال : والبرك عوف بن مالك بن ضبيعة ، سمي به يوم قضة; لأنه عقر جمله على ثنية وأقام ، وقال : " أنا البرك أبرك حيث أدرك " .

                                                          قال الخليل : يقال : ابترك الرجل في آخر يتنقصه ويشتمه . وقد ابتركوا في الحرب : إذا جثوا على الركب ثم اقتتلوا ابتراكا . والبراكاء اسم من ذلك ، قال بشر فيه :


                                                          ولا ينجي من الغمرات إلا     براكاء القتال أو الفرار

                                                          قال أبو عبيدة : يقولون براك براك ، بمعنى ابركوا . قال يعقوب : يقال : برك فلان على الأمر وبارك ، جميعا : إذا واظب عليه . وابترك الفرس في عدوه ، أي اجتهد . قال :

                                                          وهن يعدون بنا بروكا

                                                          قال الخليل : يقال : أبرك السحاب : إذا ألح بالمطر على المكان . قال غيره : بل يقال : ابترك . وهو الصحيح : وأنشد :

                                                          [ ص: 230 ]

                                                          ينزع عنها الحصى أجش مبترك     كأنه فاحص أو لاعب داح

                                                          فأما قول الكميت :


                                                          ذو بركة لم تغض قيدا تشيع به     من الأفاويق في أحيانها الوظب

                                                          الدائمة . فإن البركة فيما يقال : أن تحلب قبل أن تخرج .

                                                          قال الأصفهاني عن العامري : يقال : حلبت الناقة بركتها ، وحلبت الإبل بركتها : إذا حلبت لبنها الذي اجتمع في ضرعها في مبركها . ولا يقال ذلك إلا بالغدوات . ولا يسمى بركة إلا ما اجتمع في ضرعها بالليل وحلب بالغدوة . يقال : احلب لنا من برك إبلك .

                                                          قال الكسائي : البركة أن يدر لبن الناقة باركة فيقيمها فيحلبها . قال الكميت :


                                                          لبون جودك غير ماضر

                                                          قال الخليل : البركة شبه حوض يحفر في الأرض ، ولا تجعل له أعضاد فوق صعيد الأرض . قال الكلابيون : البركة المصنعة ، وجمعها برك ، إلا أن المصنعة لا تطوى ، وهذه تطوى بالآجر .

                                                          قال الخليل : البركة من الزيادة والنماء . والتبريك : أن تدعو بالبركة .

                                                          [ ص: 231 ] و تبارك الله تمجيد وتجليل . وفسر على " تعالى الله " . والله أعلم بما أراد .

                                                          قال أبو زيد : طعام بريك ، أي : ذو بركة .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية