الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وإذا أعتق أحد الشريكين نصيبه من العبد في مرضه ثم مات وهو موسر لم يضمن حصة شريكه في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى ، وقالا هو ضامن لشريكه قيمة نصيبه تستوفى من تركته ; لأن هذا ضمان الإتلاف ، والإفساد فإذا تقرر سببه من المريض كان هو ، والصحيح سواء ، كضمان المغصوب ، والمتلفات ، وهذا ضمان التملك فيستوي فيه الصحيح ، والمريض كالضمان بالاستيلاد ، والحجر بسبب المرض لا يكون أعلى من الحجر بسبب الرق ثم المكاتب لو كاتب نصيبه كان ضامنا لنصيب شريكه فالمريض أولى .

وحجة أبي حنيفة رحمه الله ما قال في الكتاب من قبل : أن الضمان لو وجب لوجب أن يكون من مال الورثة يعني أن تركته تنتقل إلى ورثته بالموت فلو استوفى ضمان العتق إنما يستوفي من مال الوارث [ ص: 120 ] ولا سبب لوجوب هذا الضمان على الوارث .

( فإن قيل ) لا كذلك بل هذا دين لزمه فيمنع انتقال المال إلى وارثه .

( قلنا ) ما لزمه شيء قبل أن يختار الشريك ضمانه ، ولو لزمه فهذا ليس بدين صحيح يتقرر ، ألا ترى أن العسرة تمنع وجوبه ، ومثل هذا الدين لا يمنع ملك الوارث ثم تقريره من وجهين : أحدهما - أن هذا في الصورة دين وفي المعنى صلة ; لأن وجوبها لإكمال الصلة ، وهو العتق والصلة ، وإن تقرر سببها في حياته يجعل كالمضاف إلى ما بعد الموت حتى يتعين من الثلث ولهذا الحرف قال ابن أبي ليلى رضي الله تعالى عنه : إن كان الضمان يخرج من ثلث ماله يجب ، وإلا فلا ، ولكنا نقول : لكونه في حكم الصلات لا يمنع نقل الملك إلى الوارث ، ولا يجوز استيفاؤه من مال الوارث لما قلنا ; ولأن المرض أنفى للضمان من الفقر حتى أن الفقر لا يمنع ضمان الكفالة ، والمرض يمنع منه فيما إذا زاد على الثلث فإذا كان الفقر ينفي وجوب الضمان للعتق أصلا فلأن ينفيه من مرض الموت أصلا أولى ، وهذا بخلاف المكاتب ; لأن الضمان هناك يجب في كسبه وهو أحق بكسبه يدا ، وتصرفا إنما ينعدم بسبب الرق حقيقة الملك ، والغنى ، وقد بينا أنه لا معتبر بالغنى في وجوب ضمان العتق إنما المعتبر هو اليسر ، والأداء على المكاتب متيسر هناك من كسبه ، والمكاتب فيما يتقرر منه من أسباب الصلة كالحر .

ألا ترى أن المحاباة اليسيرة تصح منه بالاتفاق ، ومن المريض تعتبر من ثلثه ، وهذا بخلاف ما لو كان العتق في الصحة فإن الضمان يستوفى من تركته بعد موته ; لأن السبب هناك تقرر في حال كونه مطلق التصرف في الصلات فيتقرر وجوبه عليه ، ألا ترى أنه لو كفل بمال في صحته فهو معتبر من جميع ماله بخلاف ما إذا كفل في مرضه فهذا مثله .

التالي السابق


الخدمات العلمية