الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( قال ) عبد بين ثلاثة نفر دبر أحدهم نصيبه ثم أعتق الآخر نصف نصيبه وهو غني فقد أبرأ المدبر عن الضمان ; لأنه [ ص: 191 ] لو أعتق جميع نصيبه كان مبرئا له عن الضمان فكذلك إذا أعتق البعض إذ ليس له حق التضمين في بعض نصيبه دون البعض ، ثم يسعى له العبد فيما بقي من نصيبه ; لأن نصيبه بمنزلة عبد كامل ، ومن أعتق بعض عبده فله أن يستسعيه فيما بقي عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى قال فيضمنه المدبر إن شاء ثلث قيمته مدبرا ، وإن شاء استسعى الغلام فيه ; لأنه تعذر عليه استدامة الملك في نصيبه بإعتاق المعتق بعض نصيبه فهو كما لو تعذر عليه استدامة الملك فيه بإعتاق المعتق جميع نصيبه ، وأما الثالث فله أن يضمن المدبر إن كان موسرا وليس له أن يضمن الثاني ; لأن المدبر بالتدبير السابق قد اكتسب سبب الضمان للثالث على نفسه وصار نصيبه بحيث لا يحتمل الانتقال إلا إليه بالضمان والسبب الموجود منه لا يحتمل الإبطال ; لأنه يثبت به استحقاق العتق والولاء فلا يبطل ذلك الحكم بإعتاق الثاني فلهذا لا يكون له أن يضمن الثاني ولكن يضمن المدبر ويرجع به المدبر على العبد فيستسعيه في ذلك كما لا يستسعيه في نصيب نفسه ; لأنه تملك على الثالث نصيبه بالضمان .

( قال ) ولو لم يعتق الثاني حتى ضمن الثالث المدبر نصيبه ثم أعتقه الثاني وهو موسر كان للمدبر أن يضمنه ثلثي قيمته : ثلث مدبر وثلث غير مدبر ; لأنه بالضمان يملك نصيب الثالث غير مدبر ثم صنع المعتق في الإعتاق وجد بعد ذلك فله أن يضمنه باعتبار هذا الصنع قيمة جميع نصيبه كل ثلث بصفته بخلاف ما سبق فإن صنع المعتق هناك وجد قبل أن يتملك المدبر نصيب شريكه بالضمان فلهذا لا يكون له أن يضمنه قيمة نصيب الثالث باعتبار ذلك الصنع ، ثم يرجع المعتق على العبد بما ضمنه للمدبر وذلك ثلثا قيمته ، وثلث الولاء للمعتق بقدر نصيبه الذي أعتق وثلثا الولاء للمدبر ، أما مقدار نصيبه وهو الثلث فلا إشكال فيه ; لأنه استحق ولاءه بالتدبير وأما نصيب الثالث فلأنه كان لا يحتمل الانتقال إلا إليه وبعد النقل إليه لم ينتقل إلى المعتق وإن ضمنه .

ألا ترى أنه لم يكن للثالث حق تضمين المعتق ولو كان يجوز نقل هذا النصيب إليه بحال لكان له أن يضمنه وإذا ظهر أنه غير محتمل للانتقال إليه فإنما عتق على ملك المدبر فلهذا كان له ولاء الثلثين ألا ترى أنه لو كان بين اثنين فدبر أحدهما ثلث نصيبه وأعتق الآخر نصيبه كله وهو موسر كان للمدبر أن يضمن المعتق قيمة نصيبه وهو نصف قيمة العبد ثلثه مدبر وثلثاه غير مدبر ويرجع به المعتق على العبد والولاء بينهما نصفان ; لأن حصة المدبر قد دخلها عتق حين دبر بعضه فلا ينتقل شيء من نصيبه إلى المعتق بالضمان فكذلك ما سبق .

وإذا قال إن ملكت شيئا من هذا العبد [ ص: 192 ] فهو حر بعد موتي ثم ملكه مع آخر صار نصيبه منه مدبرا ; لأن المتعلق بالشرط عند وجود الشرط كالمنجز ولم يكن لشريكه أن يضمنه في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى والتدبير في هذا وتنجيز العتق سواء وهذا فرع ما تقدم من اختلافهم في رجلين اشتريا عبدا وهو قريب أحدهما كان أبو بكر الرازي يقول هذا غلط فإن الملك هنا شرط العتق لا علته ومباشرة أحد الشريكين للشرط لا يسقط حقه في الضمان كما في مسألة ضرب السوط فمعاونته على تحصيل الشرط أو رضاه به كيف يكون مسقطا ؟

ولكنا نقول ما ذكره في الكتاب صحيح وهذا شرط في معنى السبب ; لأنه مصحح للتعليق فإن التعليق في غير الملك لا يصح إلا مضافا إلى الملك ألا ترى أنه لو علق عتق هذا المملوك أو تدبيره بشرط آخر كان باطلا وإذا كان مصححا لما هو السبب كان في معنى المتمم للسبب فمعاونته إياه عليه يكون مسقطا حقه في الضمان بخلاف ضرب السوط ( فإن قيل ) كان ينبغي أن يقال إذا قال لعبد الغير إذا ملكتك فأنت حر ثم اشتراه بنية الكفارة أن يجوز عن الكفارة كما لو اشترى قريبه وبالاتفاق لا يجوز ( قلنا ) هذا الشرط مصحح لليمين ولكنه غير موجب للعتق بل الموجب للعتق هو اليمين ولا بد أن تقترن نية الكفارة بالسبب الموجب فأما الرضا بما يصحح اليمين كالرضا باليمين في إسقاط حقه في التضمين وأشار في الكتاب إلى علة أخرى فقال : لأنهما لم يملكاه جميعا .

معناه أن وجوب الضمان يعتمد الصنع وصنعه اتصل بالمملوك قبل ملك الشريك ; لأن صنعه الشراء والملك حكم الشراء والحكم يعقب السبب فلا يكون له أن يضمنه بصنع سبق ملكه كمن قطع يد عبد إنسان ثم باعه مولاه فسرى إلى النفس عند المشتري ليس للمشتري أن يضمن القاطع شيئا لهذا المعنى وهذا الطريق يستقيم هنا وفي مسألة شراء القريب أيضا والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب

التالي السابق


الخدمات العلمية