الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
فكذلك المكاتب إذا اشترى أخاه يصير في مثل حاله ألا ترى أن في الآباء والأولاد لا يفصل بين المكاتب وبين الحر حتى يصير في مثل حاله في الوجهين فكذلك في كل ذي رحم محرم لأن القرابة المتأيدة بالمحرمية بمنزلة الولاد في استحقاق الحرية كما في استحقاق العتق بها وهذا لأن ما للمكاتب من الحق في كسبه يحتمل الكتابة حتى لو كاتب عبده صح كما أن ما للحر من الملك يحتمل العتق فإذا سوى هناك بين الإخوة والآباء في إثبات ما يحتمله ملك الحر [ ص: 127 ] فكذلك يسوي بينهما هنا في إثبات ما يحتمله كسب المكاتب . وجه الاستحسان لأبي حنيفة أن من تكاتب عليه يكون تبعا له أن الكتابة لا تكون إلا ببدل وليس عليه شيء من البدل فعرفنا أنه تبع ومعنى الأصالة والتبعية يتحقق فيما بين الآباء والأولاد لأجل الجزئية فيستقيم أن يتكاتب عليه بسبب الجزئية فأما معنى الأصالة والتبعية لا يتحقق بين الإخوة وسائر القرابات فلا يتكاتب أحدهما على الآخر ، والثاني أن المكاتب كسائر الآباء والأولاد يثبت باعتبار الكسب على أن يوفي بعد ظهور الملك فإن الابن إذا كان مكتسبا يقضى عليه بنفقة أبيه على أن يملك بالاكتساب فيؤدي ، فكذلك هنا ثبت حق الآباء والأولاد في الكسب على أنه متى ثبت الملك بالعتق عتق عليه فيمتنع بيعهم لهذا ، ولا يثبت حق الإخوة في الكسب على أن يوفي من الملك إذا ظهر فكذلك لا يثبت حق الإخوة في كسب المكاتب ولا يمتنع عليه بيعهم ولا يدخل على هذا الكلام أنه لا يقضى على المكاتب بالنفقة لآبائه وأولاده الأحرار لأن الاستحقاق بالكسب على أن يقضي من الملك وهنا لو قضي عليه بالنفقة لزمه ذلك قبل تمام الملك له بالعتق وذلك لا يجوز لأن ماله من الحق قبل العتق لا يحتمل الصلة التامة . توضيحه أن الأقارب يكثرون فلو تعذر عليه بيعهم إذا دخلوا في ملكه أدى إلى تفويت المقصود بالكتابة وهو تحصيل المال ليؤدي فيعتق ولا يوجد مثل ذلك في الآباء فلهذا استحسن أبو حنيفة رحمه الله تعالى

التالي السابق


الخدمات العلمية