5817 5818 ص: وقد حدثنا ابن أبي عمران ، قال : ثنا عبيد الله بن عمر القواريري ثنا يزيد بن زريع ، عن حسين المعلم ، عن عمرو بن شعيب ، عن طاوس ، عن ابن عمر وابن عباس - رضي الله عنهم - قالا : قال رسول الله -عليه السلام - : " لا يحل لواهب أن يرجع في هبته إلا الوالد لولده " .
[ ص: 321 ] فقال قائل : فقد دل هذا الحديث على تحريم الرجوع في الهبة من الرجل لغير ولده .
قيل له : ما دل ذلك على شيء مما ذكرت ، فقد يجوز أن يكون النبي -عليه السلام - وصف ذلك الرجوع بأنه لا يحل لتغليظه إياه ; لكراهية أن يكون أحد من أمته له مثل السوء ، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا تحل الصدقة لذي مرة سوي " فلم يكن ذلك على معنى أنها تحرم عليه كما تحرم على الأغنياء ، ولكنها لا تحل له من حيث تحل لغيره من ذوي الحاجة والزمانة ، فكذلك ما ذكرنا من قول رسول الله -عليه السلام - أيضا : "لا يحل لواهب أن يرجع في هبته " إنما هو على أنه لا يحل له ذلك كما تحل له الأشياء التي قد أحلها الله -عز وجل - لعباده ، ولم يجعل لمن فعل مثلا كمثل الذي جعله رسول الله -عليه السلام - للعائد في هبته ، وقد دخل في ذلك العود فيها بالرجوع والابتياع ، ثم استثنى من ذلك ما وهب الوالد لولده .
فذلك عندنا -والله أعلم - على إباحته للوالد أن يأخذ ما وهب لابنه في وقت حاجته إلى ذلك وفقره إليه ; لأن ما يجب للوالد من ذلك ليس بفعل يفعله فيكون ذلك رجوعا منه ، يكون مثله فيه كمثل الكلب الراجع في قيئه ، ولكنه شيء أوجبه الله لفقره ، فلم يضيق ذلك عنه كما قد روي عن رسول الله -عليه السلام - في غير هذا الحديث .
حدثنا يونس ، قال : ثنا علي بن معبد ، قال : ثنا عبيد الله بن [عمر] ، عن عبد الكريم بن مالك ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه عن جده : " أن رجلا أتى رسول الله -عليه السلام - فقال : يا رسول الله ، إنى أعطيت أمي حديقة ، وإنها ماتت ولم تترك وارثا غيري ، فقال رسول الله -عليه السلام - : وجبت صدقتك ورجعت إليك حديقتك " .
أفلا ترى أن رسول الله -عليه السلام - قد أباح للمتصدق صدقته لما رجعت إليه بالميراث ، ومنع عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - من ابتياع صدقته ، فثبت بهذين الحديثين إباحة
[ ص: 322 ] الصدقة الراجعة إلى المتصدق بفعل الله وكراهيته الصدقة الراجعة إليه بفعل نفسه ، فكذلك وجوب النفقة للأب في مال الابن لحاجته وفقره ، وجبت له بإيجاب أبيه إياها ، فأباح له النبي -عليه السلام - بذلك ارتجاع هبته وإنفاقها على نفسه ، وجعل ذلك كما رجع إليه بالميراث لا كما رجع إليه بالابتياع .


