الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                7191 7192 7193 7194 7195 [ ص: 198 ] ص: وقد روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في إباحة الرقى كلها ما لم تكن شركا : ما حدثنا محمد بن خزيمة ، قال : ثنا عبد الله بن صالح ، قال : حدثني معاوية ، عن عبد الرحمن بن جبير ، عن أبيه ، عن عوف بن مالك الأشجعي ، قال : " كنا نرقي في الجاهلية ، فقلنا : يا رسول الله ، كنا نرقي في الجاهلية فما ترى في ذلك ؟ قال : اعرضوا علي رقاكم ، فلا بأس بالرقى ما لم تكن شرك " . .

                                                فهذا يحتمل أيضا ما احتمله ما روينا قبله ، فاحتجنا أن نعلم : هل هذه الإباحة للرقى متأخرة لما روي في النهي عنها ، أو ما روي في النهي عنها يكون متأخرا فيكون ناسخا لها ، فنظرنا في ذلك ،

                                                فإذا ربيع المؤذن : قد حدثنا ، قال : ثنا أسد ، قال : ثنا ابن لهيعة ، قال : ثنا أبو الزبير ، عن جابر : " أن عمرو بن حزم دعي لامرأة بالمدينة ، لدغتها حية ليرقيها فأبى ، فأخبر بذلك رسول الله -عليه السلام - فدعاه ، فقال عمرو : : يا رسول الله ، إنك تزجر عن الرقى ، فقال : اقرأها علي ، فقرأها عليه ، فقال رسول الله -عليه السلام - : لا بأس بها ، إنما هي مواثيق فارق بها " .

                                                حدثنا ربيع المؤذن ، قال : ثنا أسد ، قال : ثنا وكيع ، قال : عن الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابر - رضي الله عنه - قال : "لما نهى رسول الله -عليه السلام - عن الرقى أتاه خالي ، فقال : يا رسول الله ، إنك نهيت عن الرقى وإني أرقي من العقرب ، قال : من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل " .

                                                حدثنا أبو بكرة ، قال : ثنا يحيى بن حماد ، قال : ثنا أبو عوانة ، عن سليمان ، عن أبي سفيان ، عن جابر قال : "كان أهل بيت من الأنصار يرقون من الحية ، فنهى رسول الله -عليه السلام - عن الرقى ، فأتاه رجل فقال : يا رسول الله ، إني كنت أرقي من العقرب وإنك نهيت عن الرقى ، فقال رسول الله -عليه السلام - من استطاع منكم أن [ينفع] أخاه فليفعل . قال : وأتاه رجل كان يرقي من الحية ، فقال : اعرضها علي ، فعرضها عليه ، فقال : لا بأس بها إنما ، هي مواثيق " .

                                                [ ص: 199 ] فثبت بما ذكرنا أن ما روي في إباحة الرقى ناسخ لما روي في النهي عنها ، ثم أردنا أن ننظر في تلك الرقى كيف هي ؟ فإذا عوف بن مالك حدث عن رسول الله -عليه السلام - : "أنه لا بأس بها ما لم تكن شرك " .

                                                التالي السابق


                                                ش: ملخص هذا الكلام إثبات الإباحة في الرقى ما لم تكن فيها ألفاظ تؤدي إلى الشرك وبيان أن ما روي من إباحة ذلك قد نسخ ما روي من النهي عنها .

                                                وأخرج في ذلك عن عوف بن مالك الأشجعي وجابر بن عبد الله الأنصاري .

                                                أما عن عوف فأخرجه بإسناد صحيح .

                                                وأخرجه مسلم : نا أبو الطاهر ، قال : أنا ابن وهب ، قال : أخبرني معاوية بن صالح ، عن عبد الرحمن بن جبير ، عن أبيه ، عن عوف بن مالك الأشجعي ، قال : "كنا نرقي في الجاهلية ، فقلنا : يا رسول الله ، كيف ترى في ذلك ؟ فقال : اعرضوا علي رقاكم ، لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك " .

                                                وأما عن جابر : فأخرجه من ثلاث طرق :

                                                الأول : عن ربيع بن سليمان المؤذن ، عن أسد بن موسى ، عن عبد الله بن لهيعة ، عن أبي الزبير محمد بن مسلم المكي ، عن جابر .

                                                الثاني : إسناده صحيح . عن ربيع بن سليمان أيضا ، عن أسد السنة ، عن وكيع ، عن سليمان الأعمش ، عن أبي سفيان طلحة بن نافع ، عن جابر .

                                                وأخرجه مسلم : ثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو سعيد الأشج ، قالا : ثنا وكيع ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابر قال : "كان لي خال يرقي من العقرب ، فنهى رسول الله -عليه السلام - عن الرقى ، قال : فأتاه فقال : يا رسول الله ، إنك نهيت عن الرقى وأنا أرقي من العقرب ، فقال : من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل " .

                                                [ ص: 200 ] الثالث : إسناده صحيح أيضا . عن أبي بكرة بكار القاضي ، عن يحيى بن حماد بن أبي زياد الشيباني البصري ختن أبي عوانة ، شيخ البخاري ، عن أبي عوانة الوضاح اليشكري ، عن سليمان الأعمش ، عن أبي سفيان طلحة بن نافع .

                                                وأخرجه أبو يعلى في "مسنده " : ثنا زهير ، قال : ثنا جرير ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابر قال : "كان جار لي من الأنصار يرقي من الحمة ، فنهى رسول الله -عليه السلام - عن الرقى ، فقال : يا رسول الله ، إنك نهيت عن الرقى وإني كنت أرقي من الحمة ، فقال رسول الله -عليه السلام - : اعرضها علي ، قال : فعرضها فقال : لا بأس بهذا ، هذه من المواثيق " .

                                                وأخرج عن عبد الله بهذا الإسناد قال : "كان رجل من الأنصار يرقي من العقرب ، فنهى رسول الله -عليه السلام - عن الرقى ، فقال : يا رسول الله ، إنك نهيت عن الرقى وإني كنت أرقي من العقرب ، فقال رسول الله -عليه السلام - : من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل " .

                                                قوله : "إنما هي مواثيق " أي عهود ، وهو جمع ميثاق ، افتعال من الوثاق وهو في الأصل حبل وقيد يشد به الأسير والدابة .




                                                الخدمات العلمية