الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                7014 ص: حدثنا ابن أبي داود ، قال : ثنا المقدمي ، قال : ثنا أبو معشر البراء ، عن صدقة بن طيلسة ، قال : حدثني معن بن ثعلبة ، قال : حدثني أعشى المازني ، قال : أتيت النبي -عليه السلام - فأنشدته :


                                                يا مالك الناس وديان العرب . . . إني لقيت ذربة من الذرب

                                                    كالذئبة العمساء في ظل السرب
                                                . . . خرجت أبغيها الطعام في رجب

                                                    فخلفتني بنزاع وهرب
                                                . . . أخلفت الوعد ولطت بالذنب

                                                    وقذفتني بين عصر ونشب
                                                . . . وهن شر غالب إن غلب



                                                قال : فجعل رسول الله -عليه السلام - يقول : وهن شر غالب لمن غلب "
                                                .

                                                التالي السابق


                                                ش: إسناده صحيح .

                                                والمقدمي هو محمد بن أبي بكر بن علي بن مقدم ، شيخ البخاري ، وأبو معشر البراء : اسمه يوسف بن يزيد بن العطار البصري ، كان يبري النبل ، وقيل : كان يبري العود ، روى له البخاري ومسلم .

                                                وصدقة بن طيلسة ، وثقه ابن حبان .

                                                ومعن بن ثعلبة المازني ذكره ابن حبان في التابعين الثقات .

                                                وأعشى المازني الصحابي اسمه عبد الله بن الأعور ، من بني مازن بن عمرو بن تميم ، سكن البصرة .

                                                والحديث أخرجه أبو يعلى في "مسنده " : ثنا المقدمي ، ثنا أبو معشر يوسف بن [ ص: 37 ] يزيد ، حدثني صدقة بن طيلسة ، حدثني معن بن ثعلبة المازني ، حدثني الأعشى المازني أنه قال : "أتيت النبي -عليه السلام - فأنشدته . . . . " إلى آخره نحوه .

                                                وأخرجه البيهقي أيضا في "سننه " من طريق المقدمي نحوه .

                                                ثم قال : وقال إبراهيم بن عرعرة : ثنا أبو معشر البراء يوسف بن يزيد ، ثنا طيلسة المازني ، حدثني أبي والحي ، عن أعشى بن ماعز بنحو منه . وقال غيره : طيلسة بن صدقة .

                                                قوله : "يا مالك الناس . . . . " إلى آخره ، من بحر الرجز ، وأصله في الدائرة مستفعلن ست مرات ، وفي بعض الروايات : "يا سيد الناس " .

                                                قوله : "وديان العرب " ، يعني يا مالكها وسايسها ، قال الحطيئة :


                                                لقد دينت أمر بنيك حتى . . . تركتهم أدق من الطحين



                                                يعني ملكت ، ويروى : سوست .

                                                قوله : "إنى لقيت ذربة " ، وفي بعض الرويات : إليك أشكو ذربة من الذرب أي امرأة ذربة -بكسر الذال المعجمة وسكون الراء - وهو الفحش في اللسان ، وقال ابن الأثير : كنى الأعشى عن فساد امرأته وخيانتها بالذربة ، وأصله من ذرب المعدة وهو فسادها ، وذربة منقولة من ذربة كمعدة من معدة . وقيل : أراد سلاطة لسانها وفساد منطقها ، من قولهم : ذرب لسانه إذا كان حاد اللسان لا يبالي ما قال .

                                                قوله : "كالذئبة العمساء " ، أي الشديدة ، الجريئة .

                                                "في ظل السرب " ، والسرب -بفتح السين والراء المهملتين وفي آخره باء موحدة - وهو البيت في الأرض .

                                                قوله : "خرجت أبغي الطعام " ، أي أبغي لها الطعام ، أي أطلب .

                                                قوله : "فخلفتني " ، أي تركتني . "بنزاع " أي خصومة . "وهرب " أي فرار .

                                                [ ص: 38 ] قوله : "ولطت بالذنب " ، أراد أنها سارت في الأرض مسرعة وملازمة بذنبها وهو كناية عن توليها وجعلها وراءها إليه ، يقال : لط بالأمر يلط لطا إذا لزمه ، وهو بالطاء المهملة ، وكذلك ألظ بالشيء يلظ إلظاظا ، وهو بالظاء المعجمة ، وقال ابن الأثير : أراد توارت واختفت بتخفيها عنه ، كما تخفي الناقة فرجها بذنبها .

                                                قوله : "وقذفتني " أي : رمتني . "بين عصر ونشب " ، أراد بالعصر الشدة ، والنشب -بفتح النون والشين المعجمة - من نشب بعضهم ببعض أي تعلق ، وسبب هذه الأبيات أن الأعشى كانت عنده امرأة اسمها معاذة ، فخرج يمير أهله من هجر ، ففرت امرأته بعده ناشزا عليه ، فعاذت برجل يقال له : مطرف بن بهصل ، فلما قدم الأعشى لم يجدها في بيته ، وأخبر أنها نشزت عليه ، وأنها عاذت بمطرف ، فأتاه فقال له : عندك امرأتي فادفعها إلي ، قال : ليست عندي ولو كانت عندي لم أدفعها إليك ، وكان مطرف أعز منه ، فسار إلى النبي -عليه السلام – فعاذ به وقال الأبيات ، وشكى إليه امرأته وما صنعت ، وأنها عند مطرف ، فكتب النبي -عليه السلام - إلى مطرف : انظر امرأة هذا معاذة ، فادفعها إليه ، فأتاه كتاب النبي -عليه السلام - ، فقرئ عليه ، فقال : يا معاذة هذا كتاب النبي فيك ، وأنا دافعك إليه ، قالت : خذ لي العهد والميثاق وذمة النبي -عليه السلام - أن لا يعاقبني فيما صنعت ، فأخذ لها ذلك ودفعها إليه ، فأنشأ يقول :


                                                لعمرك ما حبي معاذة بالذي . . . يغيره الواشي ولا قدم العهد


                                                ولا سوء ما جاءت به إذ أزلها . . . غواة الرجال إذا ينادونها بعدي






                                                الخدمات العلمية