الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              ذكر مغانم خيبر ومقاسمها على طريق الاختصار

                                                                                                                                                                                                                              عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام خيبر ، فلم يغنم ذهبا ولا فضة إلا الإبل والبقر والمتاع والحوائط . وفي رواية إلا الأموال والثياب والمتاع . رواه مالك والشيخان ، وأبو داود ، والنسائي . وقال ابن إسحاق : وكانت المقاسم على أموال خيبر على الشق ونطاة والكتيبة ، وكانت الشق ، ونطاة في سهمان المسلمين ، وكانت الكتيبة خمس الله ، وسهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وسهم ذوي القربى واليتامى والمساكين ، وطعم أزواج [ ص: 142 ] النبي - صلى الله عليه وسلم - وطعم رجال مشوا بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين أهل فدك بالصلح ، منهم محيصة بن مسعود ، أعطاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منها ثلاثين وسقا من شعير ، وثلاثين وسقا من تمر ، وقسمت خيبر على أهل الحديبية ، من شهد خيبر ومن غاب عنها ، ولم يغب عنها إلا جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام - رضي الله عنهما - فقسم له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كسهم من حضرها ، وكان وادياها - وادي السريرة ، ووادي خاص ، وهما اللذان قسمت عليهما خيبر .

                                                                                                                                                                                                                              وكانت نطاة والشق ثمانية عشر سهما ، نطاة من ذلك خمسة أسهم ، والشق ثلاثة عشر سهما ، وقسمت الشق ونطاة على ألف سهم وثمانمائة سهم ، وكانت عدة الذين قسمت عليهم خيبر من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ألف سهم وثمانمائة سهم برجالهم وخيلهم ، للرجال أربع عشرة مائة ، والخيل مائتا فرس ، فكان لكل فرس سهمان ، ولفارسه سهم ، وكان لكل راجل سهم ، وكان لكل سهم رأس جمع إليه مائة رجل ، فكانت ثمانية عشر سهما ، جمع .

                                                                                                                                                                                                                              فكان علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - رأسا ، والزبير بن العوام رأسا ، وسرد ذكر ذلك ابن إسحاق . ثم قال : ثم قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الكتيبة ، وهي وادي خاص بين قرابته وبين نسائه وبين رجال مسلمين ونساء أعطاهم منها ، ثم ذكر كيفية القسمة .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو داود عن سهل بن أبي خيثمة - بخاء معجمة ، فثاء مثلثة ساكنة - رضي الله عنه - قال : قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيبر نصفين ، نصفا لنوائبه وخاصته ، ونصفا بين المسلمين ، قسمها بينهم على ثمانية عشر سهما .

                                                                                                                                                                                                                              روي أيضا عن بشير - بضم الموحدة - بن يسار - رحمه الله - تعالى عن رجال من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رضي الله عنهم : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما ظهر على خيبر قسمها على ستة وثلاثين سهما ، جمع كل سهم مائة سهم ، فكان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وللمسلمين النصف من ذلك ، وعزل النصف الباقي لمن نزل به من الوفود والأمور ونوائب الناس ، زاد في رواية أخرى عنه مرسلة بين فيها نصف النوائب : الوطيح والكتيبة وما حيز معهما زاد في رواية والسلالم ، وعزل النصف الآخر الشق والنطاة وما حيز معهما ، وكان سهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما حيز معهما كسهم أحدهم .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن إسحاق - رحمه الله - تعالى - : وكان المتولي للقسمة بخيبر جبار - بفتح الجيم ، وتشديد الموحدة وبالراء المهملة - ابن صخر الأنصاري من بني سلمة - بكسر اللام ، [ ص: 143 ] وزيد بن ثابت من بني النجار ، وكانا حاسبين قاسمين .

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن سعد - رحمه الله - تعالى - أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالغنائم فجمعت ، واستعمل عليها فروة بن عمرو البياضي ، ثم أمر بذلك فجزئ خمسة أجزاء ، وكتب في سهم منها ، الله ، وسائر السهمان أغفال ، وكان أول ما خرج سهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يتحيز في الأخماس ، فأمر ببيع الأربعة الأخماس فيمن يريد ، فباعها فروة ، وقسم ذلك بين أصحابه وكان الذي ولي إحصاء الناس ، زيد ابن ثابت فأحصاهم ألفا وأربعمائة ، والخيل مائتي فرس ، وكانت السهمان على ثمانية عشر سهما ، لكل مائة سهم ، وللخيل أربعمائة سهم ، وكان الخمس الذي صار لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعطي منه ما أراه الله من السلاح والكسوة ، وأعطى منه أهل بيته ، ورجالا من بني المطلب ، ونساء ، واليتيم والسائل .

                                                                                                                                                                                                                              ثم ذكر قدوم الدوسيين والأشعريين وأصحاب السفينتين ، وأخذهم من غنائم خيبر ، ولم يبين كيف أخذوا .

                                                                                                                                                                                                                              قال في العيون : وإذا كانت القسمة على ألف وثمانمائة سهم وأهل الحديبية ألف وأربعمائة ، والخيل مائتي فرس بأربعمائة سهم ، فما الذي أخذه هؤلاء المذكورون ؟

                                                                                                                                                                                                                              وما ذكره ابن إسحاق من أن المقاسم كانت على الشق ، والنطاة والكتيبة أشبه ، فإن هذه المواضع الثلاثة مفتوحة بالسيف عنوة من غير صلح ، وأما الوطيح والسلالم فقد يكون ذلك هو الذي اصطفاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما ينوب المسلمين ، ويترجح حينئذ قول موسى بن عقبة ومن قال بقوله : إن بعض خيبر كان صلحا ، ويكون أخذ الأشعريين ومن ذكر معهم من ذلك ، ويكون مشاورة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهل الحديبية في إعطائهم ليست استنزالا لهم عن شيء من حقهم ، وإنما هي المشورة العامة ، وشاورهم في الأمر [آل عمران 159] .

                                                                                                                                                                                                                              روى الشيخان عن عبد الله بن مغفل - بضم الميم ، وفتح الغين المعجمة ، والفاء المشددة ، وباللام - رضي الله عنه - قال أصبت جرابا ، وفي لفظ : دلي جراب من شحم يوم خيبر فالتزمته ، وقلت : لا أعطي أحدا منه شيئا ، فالتفت فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستحييت منه ، وحملته على عنقي إلى رحلي وأصحابي فلقيني صاحب المغانم الذي جعل عليها ، فأخذ بناحيته وقال : هلم حتى نقسمه بين المسلمين ، قلت : لا والله لا أعطيك ، فجعل يجاذبني الجراب ، فرآنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نصنع ذلك ، فتبسم ضاحكا ، ثم قال لصاحب المغانم : «لا أبا لك ، خل بينه وبينه» فأرسله ، فانطلقت به إلى رحلي وأصحابي ، فأكلناه . [ ص: 144 ]

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن إسحاق : وأعطى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابن لقيم - بضم اللام ، قال الحاكم : واسمه عيسى العبسي - بموحدة - حين افتتح خيبر ما بها من دجاجة وداجن .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية