الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              ذكر وصول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى خيبر

                                                                                                                                                                                                                              قال محمد بن عمر : ثم سار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى انتهى إلى المنزلة ، وهي سوق لخيبر ، صارت في سهم زيد بن ثابت - رضي الله عنه - فعرس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بها ساعة من الليل ، وكانت يهود لا يظنون قبل ذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغزوهم لمنعتهم وسلاحهم وعددهم ، فلما أحسوا بخروج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليهم قاموا يخرجون كل يوم عشرة آلاف مقاتل صفوفا ، ثم يقولون : محمد يغزونا هيهات هيهات!! وكان ذلك شأنهم ، فلما نزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بساحتهم لم يتحركوا تلك الليلة ولم يصح لهم ديك حتى طلعت الشمس ، فأصبحوا وأفئدتهم تخفق وفتحوا حصونهم غادين معهم المساحي ، والكرازين والمكاتل ، فلما نظروا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولوا هاربين إلى حصونهم .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام الشافعي ، وابن إسحاق ، والشيخان من طرق عن أنس - رضي الله عنه - قال : سار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى خيبر ، فانتهى إليها ليلا ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا طرق قوما بليل لم يغر عليهم حتى يصبح ، فإذا سمع أذانا أمسك ، وإن لم يسمع أذانا أغار عليهم حتى يصبح ، فصلينا الصبح عند خيبر بغلس ، فلم نسمع أذانا ، فلما أصبح ركب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وركب معه المسلمون وأنا رديف أبي طلحة ، فأجرى نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فانحسر عن فخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإني لأرى بياض فخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن قدمي لتمس قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 119 ] وخرج أهل القرية إلى مزارعهم بمكاتلهم ومساحيهم ، فلما رأوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالوا : محمد والخميس . فأدبروا هربا .

                                                                                                                                                                                                                              فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورفع يديه : «الله أكبر ، خربت خيبر ، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين»
                                                                                                                                                                                                                              .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الترمذي وابن ماجة والبيهقي ، بسند ضعيف عن أنس - رضي الله عنه - قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم خيبر على حمار مخطوم برسن من ليف ، وتحته إكاف من ليف .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن كثير : الذي ثبت في الصحيح ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جرى في زقاق خيبر حتى انحسر الإزار عن فخذه فالظاهر أنه كان يومئذ على فرس لا على حمار ، قال : ولعل هذا الحديث - إن كان صحيحا - محمول على أنه ركبه في بعض الأيام ، وهو محاصرها .

                                                                                                                                                                                                                              قال محمد بن عمر - رحمه الله - وجاء الحباب - بضم الحاء المهملة ، وموحدتين ابن المنذر - رضي الله عنه - فقال : يا رسول الله إنك نزلت منزلك هذا ، فإن كان من أمر أمرت به فلا نتكلم ، وإن كان الرأي تكلمنا . فقال - صلى الله عليه وسلم - «هو الرأي» فقال : يا رسول الله . دنوت من الحصون ، ونزلت بين ظهري النخل ، والنز مع أن أهل النطاة لي بهم معرفة ، ليس قوم أبعد مدى سهم منهم ، ولا أعدل رمية منهم ، وهم مرتفعون علينا ، ينالنا نبلهم ، ولا نأمن من بياتهم ، يدخلون في خمر النخل فتحول يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى موضع بريء من النز ومن الوباء نجعل الحرة بيننا وبينهم حتى لا تنالنا نبالهم ونأمن من بياتهم ونرتفع من النز ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «أشرت بالرأي ، ولكن نقاتلهم هذا اليوم» .

                                                                                                                                                                                                                              ودعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - محمد بن مسلمة - رضي الله عنه - فقال : انظر لنا منزلا بعيدا من حصونهم بريئا من الوباء ، نأمن فيه من بياتهم ، فطاف محمد حتى أتى الرجيع ، ثم رجع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله وجدت لك منزلا ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «على بركة الله»
                                                                                                                                                                                                                              .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية