الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              ذكر بعض ما دار بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين بعض المنافقين وتثبيطهم الناس عن الخروج معه

                                                                                                                                                                                                                              روى ابن المنذر ، والطبراني ، وابن مردويه ، وأبو نعيم في المعرفة عن ابن عباس وابن أبي حاتم ، وابن مردويه عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهم - وابن عقبة ، ومحمد بن إسحاق ، [ ص: 437 ] ومحمد بن عمر - رحمهم الله تعالى - عن شيوخهم زاد ابن عقبة : أن الجد بن قيس أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في المسجد معه نفر ، فقال : يا رسول الله ائذن لي في القعود ، فإني ذو ضبعة وعلة فيها عذر لي ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "تجهز فإنك موسر" ، ثم اتفقوا فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "تجهز تجهز فإنك موسر ، لعلك تحقب من بنات بني الأصفر ؟ " قال الجد : أو تأذن لي ولا تفتني ، فو الله لقد عرف قومي ما أحد أشد عجبا بالنساء مني ، وإني أخشى إن رأيت نساء بني الأصفر ألا أصبر عنهن ، فأعرض عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال : "قد أذنا لك"

                                                                                                                                                                                                                              زاد محمد بن عمر - رحمه الله تعالى - فجاءه ابنه عبد الله بن الجد - وكان بدريا - وهو أخو معاذ بن جبل لأمه ، فقال لأبيه : لم ترد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقالته فو الله ما في بني سلمة أحد أكثر مالا منك ، فلا تخرج ولا تحمل ؟ ! فقال : يا بني ما لي وللخروج في الريح والحر الشديد والعسرة إلى بني الأصفر ، فو الله ما آمن - خوفا - من بني الأصفر وأنا في منزلي ، أفأذهب إليهم أغزوهم ؟ ! إني والله يا بني عالم بالدوائر ، فأغلظ له ابنه وقال : لا والله ولكنه النفاق ، والله لينزلن على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيك قرآن يقرأ به ، فرفع نعله فضرب به وجه ولده ، فانصرف ابنه ولم يكلمه ، وأنزل الله تعالى : ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين [التوبة 49] أي إن كان إنما خشي الفتنة من نساء بني الأصفر ، وليس ذلك به ، فما سقط فيه من الفتنة أكبر بتخلفه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والرغبة بنفسه عن نفسه ، يقول : وإن جهنم لمن ورائه .

                                                                                                                                                                                                                              وجعل الجد وغيره من المنافقين يثبطون المسلمين عن الخروج ، قال الجد لجبار بن صخر ومن معه من بني سلمة : لا تنفروا في الحر ، زهادة في الجهاد ، وشكا في الحق ، وإرجافا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأنزل الله سبحانه وتعالى فيهم وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا جزاء بما كانوا يكسبون [التوبة 81 ، 82] .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن هشام - رحمه الله تعالى - عن عبد الله بن حارثة - رضي الله تعالى عنه - قال : بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ناسا من المنافقين يجتمعون في بيت سويلم اليهودي يثبطون الناس عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك ، فبعث إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طلحة بن عبيد الله - رضي الله عنه - في نفر من أصحابه ، وأمره أن يحرق عليهم بيت سويلم اليهودي ففعل طلحة ، واقتحم الضحاك بن خليفة من ظهر البيت فانكسرت رجله واقتحم أصحابه فأفلتوا . [ ص: 438 ]

                                                                                                                                                                                                                              وجاء أهل مسجد الضرار إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يتجهز إلى تبوك فقالوا : يا رسول الله قد بنينا مسجدا لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة ، ونحب أن تأتينا فتصلي فيه ، فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "أنا في شغل السفر ، وإذا انصرفت سيكون" .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية