الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 3 ] بسم الله الرحمن الرحيم

                                                                                                                                                                                                                              [تتمة جماع أبواب المغازي التي غزا فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه الكريمة]

                                                                                                                                                                                                                              الباب العشرون في غزوة بني قريظة

                                                                                                                                                                                                                              تقدم في غزوة الخندق أنهم ظاهروا قريشا وأعانوهم على حرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونقضوا العهود والمواثيق التي كانت بينهم وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فما أجدى ذلك عنهم شيئا وباءوا بغضب من الله ورسوله ، والصفقة الخاسرة في الدنيا والآخرة . قال الله سبحانه وتعالى : ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا وأنزل الذين ظاهروهم - أي أعانوهم - من أهل الكتاب من صياصيهم - أي حصونهم - وقذف في قلوبهم الرعب فريقا تقتلون وتأسرون فريقا .

                                                                                                                                                                                                                              وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطئوها وكان الله على كل شيء قديرا [الأحزاب 25 : 27] .

                                                                                                                                                                                                                              قال محمد بن عمر عن شيوخه : لما تفرق المشركون عن الخندق خافت بنو قريظة خوفا شديدا ، وقالوا : محمد يزحف إلينا ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يأمر بقتالهم حتى جاءه جبريل يأمره به .

                                                                                                                                                                                                                              روى الإمام أحمد والشيخان - مختصرا - والبيهقي والحاكم في صحيحه مطولا عن عائشة ، وأبو نعيم ، والبيهقي من وجه آخر عنها ، وابن عائذ عن جابر بن عبد الله ، وابن سعد عن حميد بن هلال ، وابن جرير عن عبد الله بن أبي أوفى والبيهقي وابن سعد عن الماجشون ، والبيهقي عن عبيد الله بن كعب بن مالك ، وسعيد بن جبير وابن سعد عن يزيد بن الأصم ، ومحمد بن عمر عن شيوخه : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما رجع عن الخندق ، والمسلمون وقد عضهم الحصار ، فرجعوا مجهودين ، فوضعوا السلاح ، ووضعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودخل بيت عائشة ودعا بماء فأخذ يغسل رأسه - قال ابن عقبة قد رجل أحد شقيه . قال محمد بن عمر :

                                                                                                                                                                                                                              غسل رأسه واغتسل ، ودعا بالمجمرة ليتبخر ، وقد صلى الظهر ، قالت عائشة : فسلم علينا رجل ونحن في البيت . قال محمد بن عمر : وقف موضع الجنائز ، فنادى عذيرك من محارب! فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فزعا فوثب وثبة شديدة ، فخرج إليه ، وقمت في أثره أنظر من خلل الباب ، فإذا هو دحية الكلبي فيما كنت أرى - وهو ينفض الغبار عن وجهه ، وهو معتم ، وقال ابن إسحاق : معتجر بعمامة ، قال الماجشون - كما رواه أبو نعيم عنها ، سوداء من إستبرق ، مرخ من عمامته بين كتفيه ، على بغلة شهباء - وفي لفظ : فرس - عليها رحالة وعليها قطيفة من ديباج - قال الماجشون : أحمر - على ثناياه أثر الغبار ،

                                                                                                                                                                                                                              وفي رواية : قد عصب رأسه الغبار ، عليه لأمته . [ ص: 4 ]

                                                                                                                                                                                                                              فاتكأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على عرف الدابة ، فقال : يا رسول الله ، ما أسرعتم ما حللتم ، عذيرك من محارب! عفا الله عنك ،
                                                                                                                                                                                                                              وفي لفظ : غفر الله لك ، أو قد وضعتم السلاح قبل أن نضعه ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «نعم قال : فو الله ما وضعناه ، وفي لفظ : «ما وضعت الملائكة السلاح منذ نزل بك العدو . وما رجعنا الآن إلا من طلب القوم حتى بلغنا حمراء الأسد - يعني الأحزاب - وقد هزمهم الله تعالى ، وإن الله - تعالى - يأمرك بقتال بني قريظة ، وأنا عامد إليهم بمن معي من الملائكة لأزلزل بهم الحصون ، فاخرج بالناس» .

                                                                                                                                                                                                                              قال حميد بن هلال : فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «فإن في أصحابي جهدا فلو أنظرتهم أياما

                                                                                                                                                                                                                              قال جبريل : انهض إليهم ، فو الله لأدقنهم كدق البيض على الصفا لأضعضعنها ، فأدبر جبريل ومن معه من الملائكة حتى سطع الغبار في زقاق بني غنم من الأنصار
                                                                                                                                                                                                                              . قال أنس - رضي الله عنه - فيما رواه البخاري : كأني أنظر إلى الغبار ساطعا في زقاق بني غنم - موكب جبريل حين سار إلى بني قريظة . . انتهى .

                                                                                                                                                                                                                              قالت عائشة : فرجعت ، فلما دخل قلت يا رسول الله - من ذاك الرجل الذي كنت تكلمه ؟ قال : «ورأيته» ؟ قلت نعم ، قال ، «لمن تشبهت» ؟ قلت : بدحية بن خليفة الكلبي ، قال :

                                                                                                                                                                                                                              «ذاك جبريل أمرني أن أمضي إلى بني قريظة »
                                                                                                                                                                                                                              .

                                                                                                                                                                                                                              قال قتادة فيما رواه ابن عائذ : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم بعث يومئذ مناديا ينادي «يا خيل الله اركبي» وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلالا فأذن في الناس : «من كان سامعا مطيعا فلا يصلين العصر إلا ببني قريظة » .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الشيخان عن ابن عمر والبيهقي عن عائشة ، والبيهقي عن الزهري وعن ابن عقبة ، والطبراني عن كعب بن مالك : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لأصحابه : «عزمت عليكم ألا تصلوا صلاة العصر» .

                                                                                                                                                                                                                              ووقع في مسلم في حديث ابن عمر صلاة الظهر فأدرك بعضهم صلاة العصر ، وفي لفظ الظهر في الطريق ، فقال بعضهم : لا نصليها حتى نأتي بني قريظة ، إنا لفي عزيمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما علينا من إثم ، فصلوا العصر ببني قريظة حين وصلوها بعد غروب الشمس . وقال بعضهم : بل نصلي ، لم يرد منا أن ندع الصلاة ، فصلوا ، فذكر ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يعنف واحدا من الفريقين ، ودعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علي بن أبي طالب فدفع إليه لواءه ، وكان اللواء على حاله لم يحل من مرجعه من الخندق ، فابتدره الناس . [ ص: 5 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية