الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر طرف من أخباره وسيرته

أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك ، ومحمد بن ناصر ، قالا: أخبرنا أبو الحسين بن [ ص: 16 ] عبد الجبار ، قال: أخبرنا القاضي أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي ، قال: أخبرنا المعافى بن زكريا ، قال: أخبرنا الحسين بن القاسم الكوكبي ، قال: أخبرنا ابن أبي سعيد ، قال: حدثني علي بن محمد بن سليمان الهاشمي ، قال: حدثني عبد الله بن سليمان ، عن سليمان بن عبد الله ، عن أبيه عبد الله بن عبد الله بن الحارث ، قال:

كان سليمان بن عبد الملك أكولا ، وكانت بينه وبين عبد الله بن عبد الله وصلة .

قال: قال لنا سليمان يوما: إني قد أمرت قيم بستان لي أن يحبس علي الفاكهة ولا يجني منها شيئا حتى يدرك ، فاغدوا علي مع الفجر - يقول لأصحابه الذين كان يأنس بهم - لنأكل الفاكهة في برد النهار . فغدونا في ذلك الوقت ، وصلى الصبح وصلينا ، فدخلنا معه فإذا الفاكهة متهدلة على أغصانها ، وإذا كل فاكهة مختارة قد أدركت كلها ، فقال:

كلوا . ثم أقبل عليها وأكلنا بمقدار الطاقة ، وأقبلنا نقول: يا أمير المؤمنين ، هذا العنقود ، فيخرطه في فيه ، يا أمير المؤمنين هذه التفاحة ، وكلما رأينا شيئا نضيجا أومأنا إليه فيأخذه فيأكله حتى ارتفع الضحى وارتفع النهار ثم أقبل على قيم البستان ، فقال:

ويحك يا فلان إني قد استجعت فهل عندك شيء تطعمنيه؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين عناق حولية حمراء ، قال: آتني بها ، ولا تأتني معها بخبز . فجاء بها على خوان لا قوائم له وقد ملأت الخوان ، فأقبل يأخذ العضو فيجيء معه فيخرطه في فيه ويلقي العظم حتى أتى عليها ، ثم عاد لأكل الفاكهة ، فأكل فأكثر ، ثم قال للقيم: ويحك ما عندك شيء تطعمنيه؟ قال: بلى يا أمير المؤمنين دجاجتان بحريتان قد عميتا شحما ، قال: ائتني بهما ، فأتى بهما ففعل بهما كما فعل بالعناق ، ثم عاد لأكل الفاكهة ، فأكل مليا ، ثم قال للقيم: هل عندك شيء تطعمنيه فإني قد جعت؟ قال: عندي سويق [كأنه قطع الأوتار] ، وسمن ، وسكر . قال: أفلا أعلمتني قبل هذا به ، ائتني به وأكثر ، فأتاه بقعب يقعد فيه الرجل وقد ملأه من السويق وقد خلطه بالسكر وصب عليه السمن ، وأتى بجرة من ماء بارد وكوز ، فأخذ القعب على كفه وأقبل القيم يصب عليه الماء [فيحركه ويأكله - أو قال] - ويشربه حتى كفاه على وجهه فارغا ، ثم عاد للفاكهة ، فأكل مليا [ ص: 17 ] حتى علت الشمس ، ودخل وأمرنا أن ندخل إلى مجلسه ، فدخلنا وجلسنا ، فما مكث أن خرج علينا ، فلما جلس قام كبير الطباخين حياله يؤذنه بالغداء ، فأومأ إليه أن ائت بالغداء ، فأتاه به فوضع يده فأكل ، فما فقدنا من أكله شيئا .

أخبرنا ابن ناصر الحافظ ، قال: أخبرنا ثابت بن بندار ، وأحمد بن علي بن سوار ، وأبو الفضل محمد بن عبد الله الناقد ، قالوا: أخبرنا أبو الحسين محمد بن عبد الواحد بن رزمة ، قال: أخبرنا أبو سعيد الحسن بن عبد الله السيرافي ، قال:

حدثني محمد بن يحيى ، عن معن بن عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن أبيه ، قال:

كان سليمان بن عبد الملك في نادية له ، فسمر ليلة على ظهر سطح ، ثم تفرق عنه جلساؤه ، فدعا بوضوء ، فجاءت به جارية له ، فبينا هي تصب عليه إذ استمدها بيده وأشار إليها فإذا هي ساهية مصغية بسمعها مائلة بجسدها كله إلى صوت غناء تسمعه في ناحية العسكر ، فأمرها فتنحت واستمع هو الصوت ، فإذا صوت رجل يغني ، فأنصت له حتى [إذا] فهم ما يغني به من الشعر ، ثم دعا جارية من جواريه غيرها ، فتوضأ .

فلما أصبح أذن للناس إذنا عاما ، فلما أخذوا مجالسهم أجرى ذكر الغناء ومن كان يسمعه ولين فيه حتى ظن القوم أنه يشتهيه ، فأفاضوا في ذلك في التليين والتحليل والتسهيل ، وذكروا من كان يسمعه من أهل المروءات وسروات الناس ، ثم قال: هل بقي أحد يسمع منه؟ فقال رجل من القوم: عندي رجلان من أهل أيلة حاذقان ، فقال:

أين منزلك من العسكر ، فأومأ إلى الناحية التي كان فيها الغناء . فقال سليمان: يبعث إليهما ، فوجد الرسول أحدهما فأقبل به حتى أدخله على سليمان ، فقال له: ما اسمك؟

قال: سمير ، قال: فسأله عن الغناء كيف هو فيه؟ قال: حاذق محكم ، قال: فمتى عهدك به؟ قال: في ليلتي هذه الماضية ، قال: وفي أي نواحي العسكر كنت؟ فذكر له الناحية التي سمع فيها الصوت ، قال: فما غنيت؟ قال: فذكر الشعر الذي سمع سليمان ، فأقبل سليمان ، يقول: هدر الجمل فضبعت الناقة ، وهب التيس فشكرت الشاة ، وهدر [ ص: 18 ] الحمام فرافت ، وغنى الرجل فطربت المرأة . ثم أمر به فخصي . وسأل عن الغناء أين أصله ، وأكثر ما يكون؟ قالوا: بالمدينة وهو في المخنثين وهم الحذاق به والأئمة فيه ، فكتب إلى عامله بالمدينة وهو أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن اخص من قبلك من المخنثين .

قال الزبير: وأخبرني محمد بن يحيى بن موسى بن جعفر بن أبي كثير ، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن أبيه مثله .

وكان ابن أبي عبلة وسليمان بن حرب يقصان عند سليمان بن عبد الملك .

التالي السابق


الخدمات العلمية