الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم دخلت سنة أربع ومائة

فمن الحوادث فيها أن سعيدا الحرشي غزا فقطع النهر ، فقتل أهل الصغد واصطفى أموالهم وذراريهم ، وكتب إلى يزيد بن عبد الملك ولم يكتب إلى عمر بن هبيرة ، وكان هذا فيما وجد عليه ابن هبيرة فيه ، وكان على الأقباض علباء بن أحمر فاشترى رجل منه جونة بدرهمين ، فوجد فيها سبائك ذهب ، فرجع وهو واضع يده على عينه كأنه رمد فرد الجونة وأخذ الدرهمين ، وطلب فلم يوجد .

وفي هذه السنة: عزل يزيد بن عبد الملك عبد الرحمن بن الضحاك بن قيس عن مكة والمدينة ، وذلك للنصف من ربيع الأول ، وكان عامله على المدينة ثلاث سنين ، وولى المدينة عبد الواحد النضري .

وكان سبب عزل ابن الضحاك أنه خطب فاطمة بنت الحسين ، فقالت: ما أريد النكاح ، فألح عليها وتوعدها بأن يؤذي ولدها ، وكان على ديوان المدينة ابن هرمز الشامي ، فدخل على فاطمة ، فقال: هل من حاجة؟ فقالت: تخبر أمير المؤمنين ما ألقى [ ص: 88 ] من ابن الضحاك ، وبعثت رسولا بكتاب إلى يزيد تخبره بذلك ، وتذكر قرابتها وما يتواعدها به ، فقدم ابن هرمز على يزيد فاستخبره عن المدينة وقال: هل من مغربة خبر؟ فلم يذكر له شأن فاطمة ، فقال الحاجب: بالباب رسول فاطمة ، فقال ابن هرمز : يا أمير المؤمنين ، إن فاطمة يوم خرجت حملتني رسالة إليك ، وأخبره الخبر .

قال: فنزل من أعلى فراشه وقال: لا أم لك ، أسألك عن مغربة خبر ، وهذا عندك ولا تخبرنيه؟ فاعتذر بالنسيان ، فأذن للرسول فدخل وأخذ الكتاب فقرأه وجعل يضرب بخيزران في يده ويقول: لقد اجترأ ابن الضحاك ، [هل] من رجل يسمعني صوته في العذاب وأنا على فراشي؟ قيل له: عبد الواحد بن عبد الله النضري ، فدعا بقرطاس وكتب بيده إلى عبد الواحد وهو بالطائف : سلام عليك ، أما بعد . فقد وليتك المدينة ، فإذا جاءك كتابي فاهبط إليها واعزل ابن الضحاك وأغرمه أربعين ألف دينار وعد به حتى أسمع صوته وأنا على فراشي .

فقدم البريد المدينة فلم يدخل على ابن الضحاك ، فأحس بالشر ، فأرسل إلى البريد فكشف له عن طرف المفرش فقال: هذه ألف دينار ولك العهد والميثاق ، إن أخبرتني خبر وجهك هذا دفعتها إليك . فاستنظر البريد ثلاثا حتى يسير ، وخرج ابن الضحاك ، فأغذ السير حتى نزل على مسلمة بن عبد الملك ، فقال: أنا في جوارك ، فغدا مسلمة على يزيد فرققه وقال: لي حاجة إليك ، فقال: كل حاجة فهي لك ما لم يكن ابن الضحاك ، فقال: هو ابن الضحاك ، فقال: والله لا أعفيه أبدا وقد فعل ما فعل ، فرده إلى النضري ، وكان قد قدم المدينة للنصف من شوال . وعذب ابن الضحاك وافتقر حتى رأيت عليه جبة صوف وهو يسأل الناس .

وكان قد عادى الأنصار في ولايته ، وضرب أبا بكر بن حزم ظلما في باطل ، فما بقي بالمدينة صالح إلا عابه ، ولا شاعر إلا هجاه ، وكان ذلك آخر أمره . [ ص: 89 ]

وفي هذه السنة: غزا الحجاج بن عبد الله الحكمي أرض الترك ، ففتح على يديه بلنجر ، وفتحوا الحصون التي تليها ، وجلا عنها عامة أهلها وسبوا ما شاءوا .

وفيها: ولد أبو العباس عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس في ربيع الآخر .

وفيها: عزل ابن هبيرة سعيد بن عمرو الحرشي عن خراسان ، وولى مسلم بن سعيد الكلابي . وسبب عزله الحرشي أن الحرشي كان يستخف بأمر ابن هبيرة ، وكتب إليه يأمره بتخلية رجل فقتله ، فدعى ابن هبيرة رجلا فقال له: اخرج إلى خراسان وأظهر أنك قد قدمت تنظر في [أمر] الدواوين واعلم لي علمه ، فمضى فجعل ينظر في الدواوين ، فقيل للحرشي إنه لم يقدم إلا ليعلم علمك ، فسم بطيخة ، وبعث بها إليه فأكلها فمرض وتساقط شعره ، ورجع إلى ابن هبيرة ، فغضب ابن هبيرة ، وعزل سعيدا وعذبه ، وولى مسلم بن سعيد بن أسلم .

وفي هذه السنة: حج بالناس عبد الواحد بن عبد الله النضري ، وكان هو العامل على مكة [ والمدينة ] والطائف ، وكان على العراق والمشرق عمر بن هبيرة ، وعلى قضاء الكوفة حسين بن الحسن الكندي ، وعلى قضاء البصرة عبد الله بن يعلى .

التالي السابق


الخدمات العلمية