الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

600 - الحسن بن أبي الحسن البصري ، يكنى أبا سعيد :

كان أبوه من أهل بيسان ، فسبي ، فهو مولى الأنصار . ولد في خلافة عمر ، وحنكه عمر بيده ، وكانت أمه تخدم أم سلمة فربما غابت فتعطيه أم سلمة ثديها فتعلله به إلى أن تجيء أمه فيدر عليه ثديها فيشربه ، فكانوا يقولون: فصاحته من بركة ذلك .

أخبرنا هبة الله بن أحمد الجريري ، قال: أنبأنا محمد بن علي بن الفتح ، قال:

أخبرنا أبو بكر البرقاني ، قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد المزكي ، قال: حدثنا محمد بن إسحاق السراج ، قال: حدثنا فضل بن سهل ، قال: حدثنا علي بن حفص ، قال: حدثنا سليمان بن المغيرة ، عن يونس ، قال:

كان الحسن يقول: نضحك ولعل الله قد اطلع على بعض أعمالنا ، فقال: لا أقبل منكم شيئا .

قال السراج: حدثني عبد الله بن محمد ، قال: حدثني محمد بن الحسين ، قال:

حدثني حكيم بن جعفر ، قال: قال لي [مسمع] : لو رأيت الحسن لقلت قد بث عليه حزن الخلائق من طول تلك الدمعة وكثرة ذلك التشنج . أخبرنا عبد الوهاب الأنماطي ، قال: أخبرنا أبو الحسين بن عبد الجبار ، قال: [ ص: 137 ]

أخبرنا الحسين بن علي ، قال: أخبرنا عبد الله بن عثمان ، قال: حدثنا علي بن محمد المصري ، قال: حدثنا أحمد بن واضح ، قال: حدثنا سعيد بن أسد ، قال: حدثنا ضمرة ، عن حفص بن عمر ، قال:

بكى الحسن ، فقيل له: ما يبكيك؟ قال: أخاف أن يطرحني غدا في النار ولا يبالي .

أخبرنا عبد الله بن علي المقري ، قال: أخبرنا علي بن محمد العلاف ، قال:

أخبرنا عبد الملك بن بشران ، قال: أخبرنا أبو بكر الآجري ، قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد الحميد ، قال: حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني ، قال: حدثنا عبد الوهاب بن عطاء ، قال: حدثنا أبو عبيد الباجي ، أنه سمع الحسن بن أبي الحسين يقول:

حادثوا هذه القلوب فإنها سريعة الدثور ، وأقذعوا هذه الأنفس فإنها طلعة ، وإنها تنزع إلى شر غاية ، وإنكم إن تقاربوها لم يبق لكم من أعمالكم شيء ، فتصبروا وتشددوا فإنما هي ليال تعدو ، وإنما أنتم ركب وقوف ، يوشك أن يدعى أحدكم فيجيب فلا يلتفت فانقلبوا بصالح ما بحضرتكم ، إن هذا الحق أجهد الناس وحال بينهم وبين شهواتهم ، وإنما صبر على هذا الحق من عرف فضله ورجا عاقبته .

أخبرنا علي بن عبيد الله ، قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن النقور ، قال: أخبرنا عيسى بن علي ، قال: حدثنا البغوي ، قال: حدثنا نعيم بن الهيضم ، قال: حدثنا خلف بن تميم ، عن أبي همام الكلاعي ، عن الحسن :

أنه مر ببعض القراء على أبواب بعض السلاطين ، فقال: أفرختم حمائمكم ، وفرطحتم بغالكم ، وجئتم بالعلم تحملونه على رقابكم إلى أبوابهم فزهدوا فيكم ، أما إنكم لو جلستم في بيوتكم حتى يكونوا هم الذين يتوسلون إليكم لكان أعظم لكم في أعينهم ، تفرقوا فرق الله بين أعضائكم .

عاصر الحسن خلقا كثيرا من الصحابة ، فأرسل الحديث عن بعضهم ، وسمع من بعضهم ، وقد جمعنا مسانيده وأخباره في كتاب كبير ، فلم أر التطويل هاهنا . [ ص: 138 ]

توفي عشية الخميس ، ودفن يوم الجمعة أول يوم من رجب هذه السنة ، وغسله أيوب السختياني وحميد الطويل ، وصلى عليه النضر بن عمرو أمير البصرة ، ومشى هو وبلال بن أبي بردة أمام الجنازة ، وكان له تسع وثمانون سنة .

601 - سعد بن مسعود ، أبو مسعود التجيبي :

من تجيب ، وفد على سليمان بن عبد الملك ، وكان رجلا صالحا ، وأسند حديثا واحدا ، وبعثه عمر بن عبد العزيز إلى أهل إفريقية يفقه أهلها في الدين .

602 - محمد بن سيرين ، أبو بكر البصري ، مولى أنس بن مالك :

سمع أبا هريرة ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن الزبير ، وعمران بن حصين ، وأنس بن مالك . وهو أروى الناس عن شريح وعبيدة . روى عنه قتادة وخالد الحذاء ، وأيوب السختياني ، وغيرهم . وكان فقيها ورعا .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد ، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت ، قال:

أخبرنا محمد بن عبد الواحد ، قال: أخبرنا محمد بن العباس الخزاز ، قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن عيسى المكي ، قال: حدثنا محمد بن القاسم أبو العيناء ، قال:

حدثنا ابن عائشة ، قال :

كان أبو محمد بن سيرين من أهل جرجرايا ، وكان يعمل قدور النحاس ، فجاء إلى عين التمر يعمل بها فسباه خالد بن الوليد .

أخبرنا عبد الرحمن ، قال: أخبرنا أحمد بن علي ، قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن إبراهيم البزاز ، قال: حدثنا أبو علي الحسن بن محمد بن عثمان الفسوي ، قال: حدثنا يعقوب بن سفيان ، قال: حدثنا سليمان بن حرب ، قال: حدثنا [ ص: 139 ] حماد بن زيد ، عن عبيد بن أبي بكر بن أنس بن مالك ، قال:

هذه مكاتبة سيرين عندنا: هذا ما كاتب عليه أنس بن مالك فتاه سيرين على كذا وكذا ألفا ، وعلى غلامين يعملان عمله .

قال علماء السير: كان خالد بن الوليد قد بعث بسيرين إلى عمر عند مصيره إلى العراق ، فوهبه لأبي طلحة الأنصاري فوهبه أبو طلحة لأنس بن مالك ، فكاتبه أنس على أربعين ألفا أداها .

وولد له محمد ، وأنس ، ومعبد ، ويحيى ، وحفصة ، وأم محمد صفية مولاة أبي بكر الصديق ، حضر إملاكها ثمانية عشر بدريا منهم أبي بن كعب ، فكان يدعو وهم يؤمنون . وولد محمد لسنتين بقيتا من خلافة عثمان بن عفان . وولد له ثلاثون ولدا من امرأة واحدة . وقد لقي محمد بن عمر ، وعمران بن حصين ، وأبا هريرة . وكان ورعا في الفقه فقيها في الورع .

وركبه دين فحبس لأجله ، واختلفوا في سبب ذلك الدين ، فقال ابن سعد : سألت محمد بن عبد الله الأنصاري عن سبب الدين ، فقال: اشترى طعاما بأربعين ألف درهم فأخبر عن أصل الطعام بشيء كرهه ، فتركه وتصدق به وبقي المال عليه فحبس .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد ، قال: أخبرنا أحمد بن علي ، قال: أخبرنا علي بن أبي علي المعدل ، قال: أخبرنا محمد بن العباس الخزاز ، قال: حدثنا محمد بن القاسم الأنباري ، قال: حدثنا أحمد بن عبيد ، قال: أخبرنا المدائني ، قال :

كان حبس ابن سيرين في الدين أنه اشترى زيتا بأربعة آلاف درهم ، فوجد في زق منه فأرة ، فقال: الفأرة كانت في المعصرة ، فصب الزيت كله . وكان يقول: عيرت رجلا بشيء منذ ثلاثين سنة أحسبني عوقبت به . وكانوا يرون أنه عير رجلا بالفقر فابتلي به .

عن بشر بن عمر ، قال: حدثتنا أم عباد امرأة هشام بن حسان ، قالت: قال ابن سيرين :

إني لم أر امرأة في المنام فأعرف أنها لا تحل لي فأصرف بصري عنها . [ ص: 140 ]

وأخبرنا عبد الرحمن القزاز بإسناده عن أبي عوانة ، قالت: رأيت محمد بن سيرين مر في السوق فجعل لا يمر بقوم إلا سبحوا وذكروا الله تعالى .

أخبرنا محمد بن ناصر بإسناده عن عبد الله ابن أخت ابن سيرين : أنه كان مع محمد بن سيرين لما وفد إلى ابن هبيرة ، فلما قدم عليه قال: السلام عليكم ، قال:

وكان متكئا فجلس فقال: كيف خلفت من وراءك؟ قال: خلفت الظلم فيهم فاشيا ، قال:

فهم به فقال له أبو الزناد : أصلح الله الأمير إنه شيخ ، فما زال به حتى سكن ، فلما أجازهم أتاه إياس بن معاوية بجائزة ، فأبى أن يقبلها ، فقال: أترد عطية الأمير ، قال:

أتتصدق علي فقد أغناني الله ، أو تعطيني على العلم أجرا ، فلا آخذ على العلم أجرا .

قال علماء السير: رأى محمد بن سيرين كأن الجوزاء تقدمت الثريا ، فأخذ في وصيته وقال: يموت الحسن وأموت بعده ، وهو أشرف مني . فتوفي الحسن ، ومات بعده محمد بمائة يوم .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد ، . قال: أخبرنا أحمد بن علي ، قال: أخبرنا أبو سعيد الصيرفي ، قال: أخبرنا أبو العباس الأصم ، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد ، قال:

حدثني أبي ، قال: حدثنا خالد بن خداش ، قال: قال حماد بن زيد :

مات محمد لتسع مضين من شوال سنة عشر ومائة .

603 - وهب بن منبه :

من الأبناء ، أبناء الفرس الذين أبعدهم كسرى إلى اليمن . أسند عن جابر ، والنعمان بن بشير ، وابن عباس . وأرسل الرواية عن معاذ ، وأبي هريرة . وكان عالما عابدا . وقال: قرأت من كتب الله عز وجل اثنين وتسعين كتابا . ومكث يصلي الفجر بوضوء العشاء أربعين سنة . [ ص: 141 ]

أخبرنا عبد الحق بن عبد الخالق ، قال: حدثنا محمد بن مرزوق ، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت ، قال: أخبرنا علي بن محمد المعدل ، قال: أخبرنا ابن صفوان ، قال: حدثنا عبد الله بن محمد القرشي ، قال: أخبرنا إسماعيل بن عبد الله بن زرارة ، قال: حدثنا عبد المجيد بن عبد العزيز ، عن الثوري ، عن عبد العزيز بن رفيع ، عن وهب بن منبه ، قال:

الإيمان عريان ولباسه التقوى ، وزينته الحياء ، وماله الفقه .

أخبرنا إسماعيل بن أحمد ، قال: أخبرنا أبو محمد بن أبي عثمان ، قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن الصلت ، قال: أخبرنا أبو الحسين بن المنادي ، قال: حدثني الحسن بن الحباب ، قال: أخبرنا محمد بن سهل بن عسكر ، قال: حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم ، قال: حدثنا عبد الصمد بن معقل ، قال: إن وهب بن منبه قال في موعظة له:

يا ابن آدم ، إنه لا أقوى من خالق ولا أضعف من مخلوق ، ولا أقدر ممن طلبته في يده ، ولا أضعف ممن هو في يد طالبه . يا ابن آدم ، إنه قد ذهب منك ما لا يرجع إليك ، وأقام معك ما سيذهب عنك ، يا ابن آدم ، أقصر عن تناول ما لا ينال ، وعن طلب ما لا يدرك ، وعن ابتغاء ما لا يوجد ، واقطع الرجاء منك عما فقدت من الأشياء . واعلم أنه رب مطلوب هو شر لطالبه . يا ابن آدم إنما الصبر عند المصيبة ، وأعظم من المصيبة سوء الخلف منها ، أمس شاهد مقبول ، وأمين مؤد ، وحكيم وارد ، قد فجعك بنفسه وخلف في يديك حكمته ، واليوم صديق مودع ، وكان طويل الغيبة وهو سريع الظعن ، وقد مضى قبله شاهد عدل . يا ابن آدم ، قد مضت لنا أصول نحن فروعها ، فما بقي الفرع بعد أصله . يا ابن آدم ، إنما أهل هذه الدار سفر ولا يحلون عقد الرحال إلا في غيرها ، وإنما يتبلغون بالعواري ، فما أحسن الشكر للمنعم ، والتسليم للمغير . إنما البقاء بعد الفناء وقد خلقنا ولم نكن ، وسنبلى ثم نعود ، ألا وإنما العواري اليوم والهبات غدا ، ألا وإنه قد تقارب منا سلب فاحش أو عطاء جزيل ، فأصلحوا ما تقدمون عليه بما تظعنون عنه ، إنما أنتم في هذه الدار عرض فيكم المنايا تنتضل ، وإن الذي فيه أنتم نهب للمصائب ، لا تتناولون نعمة إلا بفراق أخرى ، ولا يستقبل معمر منكم يوما من عمره إلا بهدم آخر من آجله ، ولا يحيى له أثر إلا مات له أثر . [ ص: 142 ]

أخبرنا محمد بن أبي القاسم ، قال: أخبرنا حمد بن أحمد ، قال: أخبرنا أبو نعيم الحافظ ، قال: أخبرنا محمد بن علي ، قال: حدثنا محمد بن الحسين بن قتيبة ، قال:

حدثنا نوح بن حبيب قال: حدثنا منير مولى الفضل بن أبي عياش ، قال:

كنت جالسا مع ابن منبه ، فأتاه رجل ، فقال: إني مررت بفلان وهو يشتمك فغضب وقال: ما وجد الشيطان رسولا غيرك ، فما برحت من عنده حتى جاءه ذلك الشاتم فسلم على وهب فرد عليه ومد يده وصافحه وأجلسه إلى جنبه .

توفي بصنعاء في هذه السنة . وقيل: سنة أربع عشرة . [ ص: 143 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية