الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

732 - ربيعة بن أبي عبد الرحمن واسمه فروخ ، مولى آل المنكدر التيمي ، تيم قريش ، الذي يقال له: ربيعة الرأي ، ويكنى ربيعة أبا عثمان ، ويقال: أبا عبد الرحمن ، مديني:

سمع من أنس بن مالك ، والسائب بن يزيد ، وعامة التابعين من أهل المدينة .

روى عنه مالك ، وسفيان الثوري ، وشعبة ، والليث بن سعد ، وغيرهم .

وكان عالما فقيها ثقة ، وأقدمه السفاح الأنبار ليوليه القضاء .

وقال يونس بن يزيد: رأيت أبا حنيفة عند ربيعة ومجهود أبي حنيفة أن يفهم ما يقول .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد ، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت ، قال: أخبرنا أبو القاسم الأزهري ، قال: أخبرنا أحمد بن إبراهيم بن شاذان ، قال: أخبرنا أحمد بن مروان المالكي ، قال: حدثنا يحيى بن أبي طالب ، قال: حدثنا عبد الوهاب بن عطاء الخفاف ، قال: حدثني مشيخة أهل المدينة: أن فروخا أبا عبد الرحمن خرج في البعوث إلى خراسان أيام بني أمية غازيا ، وربيعة حمل في بطن أمه ، وخلف عند زوجته أم ربيعة ثلاثين ألف دينار ، فقدم المدينة بعد سبع وعشرين سنة ، وهو راكب فرسا ، وفي يده رمح ، فنزل عن فرسه ثم دفع الباب برمحه ، فخرج ربيعة ، فقال له: يا عدو الله ، أتهجم على منزلي؟ فقال: لا ، وقال فروخ: يا عدو الله ، أنت دخلت على حرمتي ، فتواثبا وتلبب كل واحد منهما بصاحبه حتى اجتمع الجيران ، فبلغ مالك بن أنس والمشيخة ، فأتوا يعينون ربيعة ، فجعل ربيعة يقول: والله لا فارقتك إلا عند السلطان ، وجعل فروخ يقول: والله لا فارقتك إلا [ ص: 350 ] بالسلطان وأنت مع امرأتي ، وكثر الضجيج ، فلما بصروا بمالك سكت الناس كلهم ، فقال: أيها الشيخ لك سعة في غير هذه الدار ، فقال الشيخ: هي داري ، وأنا فروخ مولى بني فلان ، فسمعت امرأته كلامه فخرجت ، فقالت: هذا زوجي ، وهذا ابني الذي خلفه وأنا حامل به ، فاعتنقا جميعا وبكيا ، فدخل فروخ المنزل وقال: هذا ابني؟ قالت: نعم ، قال: فأخرجي المال الذي [لي] عندك ، وهذه معي أربعة آلاف دينار ، فقالت: المال قد دفنته وأنا أخرجه بعد أيام .

ثم خرج ربيعة إلى المسجد وجلس في حلقته ، وأتاه مالك بن أنس ، والحسن بن زيد ، وابن أبي علي اللهبي ، والمساحقي ، وأشراف أهل المدينة ، وأحدق الناس به ، فقالت امرأته: اخرج فصل في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ، فخرج فنظر إلى حلقة وافرة ، فأتاها فوقف بها وفرجوا له قليلا ، ونكس ربيعة رأسه وأوهمه أنه لم يره ، وعليه طرحة طويلة ، فشك فيه أبو عبد الرحمن ، فقال: من هذا الرجل؟ فقالوا له: هذا ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، فقال أبو عبد الرحمن: لقد رفع الله ابني ، ثم رجع إلى منزله ، فقال لوالدته: لقد رأيت ولدك في حالة ما رأيت أحدا من أهل العلم والفقه عليها ، فقالت أمه: فأيما أحب إليك؟ ثلاثون ألف دينار ، أو هذا الجاه الذي هو فيه؟ فقال: لا والله إلا هذا ، قالت: فإني أنفقت المال كله عليه ، قال: فوالله ما ضيعتيه .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد ، قال: أخبرنا أحمد بن علي [بن ثابت] الحافظ ، قال: أخبرنا القاضي أبو العلاء الواسطي ، قال: أخبرنا محمد بن جعفر التميمي ، قال: حدثنا أحمد بن محمد أبو سعيد النيسابوري ، قال: حدثنا الحسن بن صاحب بن حميد ، قال: سمعت أبا سلمة الصنعاني الفقيه ، يقول: سمعت بكر بن عبد الله بن الشرود الصنعاني ، يقول: أتينا مالك بن أنس ، فجعل يحدثنا عن ربيعة الرأي ، فكنا نستزيده من حديث ربيعة ، فقال لنا ذات يوم: ما تصنعون بربيعة؟ هو نائم في ذاك الطاق ، فأتينا ربيعة [ ص: 351 ] فأنبهناه ، فقلنا له: أنت ربيعة بن أبي عبد الرحمن؟ قال: نعم ، قلنا: ربيعة بن فروخ؟ قال: بلى ، قلنا: ربيعة الرأي؟ قال: نعم ، قلنا: الذي يحدث عنك مالك بن أنس؟ قال: نعم ، قلنا: كيف حظي بك مالك ولم تحظ أنت بنفسك؟ قال: أما علمتم أن مثقالا من دولة خير من حمل علم .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد ، قال: أخبرنا أحمد بن علي ، قال: أخبرنا ابن الفضل ، قال: حدثنا عبد الله بن جعفر ، قال: حدثنا يعقوب بن سفيان ، قال: حدثني محمد بن أبي بكر ، قال: أخبرني ابن وهب ، قال: قال مالك: لما قدم ربيعة بن أبي عبد الرحمن على أمير المؤمنين أبي العباس أمر له بجائزة فأبى أن يقبلها ، فأعطاه خمسة آلاف درهم ليشتري بها جارية ، فأبى أن يقبلها .

قال ابن وهب: وحدثني مالك ، عن ربيعة ، قال: قال لي حين أراد الخروج إلى العراق: إن سمعت أني حدثتهم شيئا أو أفتيتهم فلا تعدني شيئا ، قال: فكان كما قال ، لما قدمها لزم بيته فلم يخرج إليهم ولم يحدثهم بشيء حتى رجع .

أخبرنا عبد الرحمن ، [قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت ، قال]: أخبرنا الأزهري ، والجوهري ، قالا: حدثنا محمد بن العباس ، قال: حدثنا سليمان بن إسحاق الجلاب ، قال: حدثنا الحارث بن محمد بن مطرف ، قال: أخبرنا مطرف بن عبد الله ، قال: سمعت مالك بن أنس يقول: ذهبت حلاوة الفقه منذ مات ربيعة الرأي .

توفي ربيعة بالمدينة ، وقيل: بالأنبار في هذه السنة .

[ ص: 352 ]

733 - عبد الله السفاح ، أبو العباس:

كانت وفاته بالجدري .

أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد [القزاز] ، قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت ، قال: أخبرنا الحسين بن محمد بن طاهر الدقاق ، قال: أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن المكتفي ، قال: حدثنا جحظة ، قال: قال جعفر بن يحيى: نظر أمير المؤمنين السفاح في المرآة وكان من أجمل الناس وجها ، فقال: اللهم إني لا أقول كما قال سليمان بن عبد الملك: أنا الملك الشاب ، ولكني أقول: اللهم عمرني طويلا في طاعتك ممتعا بالعافية . فما استتم كلامه حتى سمع غلاما يقول لغلام آخر: الأجل بيني وبينك شهران وخمسة أيام ، فتطير من كلامه ، وقال: حسبي الله ، لا قوة إلا بالله ، عليه توكلت ، وبه أستعين ، فما مضت إلا أيام حتى أخذته الحمى ، فجعل يوم يتصل إلى يوم حتى مات بعد شهرين وخمسة أيام .

أخبرنا القزاز ، قال: أخبرنا أحمد بن علي ، قال: أخبرني الحسن بن محمد الخلال ، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عمران ، قال: حدثنا محمد بن سهل بن الفضل الكاتب ، قال: حدثنا عبد الله بن [أبي] سعد ، قال: ذكر محمد بن عبد الله بن مالك الخزاعي أن الرشيد قال لابنه: كان عيسى بن علي راهبنا وعالمنا أهل البيت ، ولم يزل في خدمة أبي محمد بن علي بن عبد الله إلى أن توفي ، ثم خدم [أبا] عبد الله إلى حين وفاته ، ثم إبراهيم الإمام ، وأبا العباس ، والمنصور ، فحفظ جميع أخبارهم وسيرهم [ ص: 353 ] وأمورهم . وكان قرة عينه في الدنيا ابنه إسحاق ، فليس فينا أهل البيت أعلم بأمرنا من إسحاق ، فاستكثر منه ، واحفظ جميع ما يحدثك به ، فإنه ليس دون أبيه في الفضل وإيثار الصدق .

قال: فأعلمته أني قد سمعت منه شيئا كثيرا ، فقال لي: هل سمعت خبر وفاة أبي العباس السفاح؟ فقلت: نعم ، فقال: قد سمعت هذا الحديث من أبي العباس بن عيسى بن علي ، فحدثني ما حدثك به [إسحاق لأنظر أين هو مما حدثني به أبوه . فقال: حدثني] إسحاق بن عيسى ، عن أبيه: أنه دخل في أول النهار يوم عرفة على أبي العباس وهو في مدينته بالأنبار ، قال إسحاق: قال أبي: وكنت قد تخلفت عنه أياما لم أركب إليه فيها ، فعاتبني على تخلفي عنه ، فأعلمته أني كنت أصوم منذ أول يوم من أيام العشر ، فقبل عذري وقال لي: أنا في يومي هذا صائم ، فأقم عندي لتقضيني فيه بمحادثتك [إياي ما فاتني من محادثتك] في الأيام التي تخلفت عني فيها ، ثم نختم ذلك بإفطارك عندي ، فأقمت إلى أن تبينت النعاس في عينه [قد غلب عليه] ، فنهضت عنه واستمر به النوم فملت بين القائلة في داره ، وبين القائلة في داري ، فمالت نفسي إلى الانصراف إلى منزلي وقلت إلى وقت الزوال ، ثم ركبت إلى داره ، فوافيت إلى باب الرحبة الخارج ، فإذا برجل دحداح حسن الوجه مؤتزر بإزار ، مترد بآخر ، فسلم علي وقال: هنأ الله الأمير هذه النعمة وكل نعمة ، البشرى ، أنا وافد أهل السند ، أتيت أمير المؤمنين بسمعهم وطاعتهم وبيعتهم ، فما تمالكت سرورا أن حمدت الله على توفيقه إياي للانصراف في أن أبشره بهذه البشرى . فما توسطت الرحبة حتى وافى رجل في مثل لونه وهيئته وقريب [ ص: 354 ] الصورة من صورته ، فسلم علي وهنأني بمثل ما هنأني به ذلك ، وذكر أنه وافد أهل إفريقية أتى أمير المؤمنين بسمعهم وطاعتهم ، فتضاعف سروري ، وأكثرت من حمد الله على ما وفقني له من الانصراف ، ثم دخلت الدار فسألت عن أمير المؤمنين ، فأخبرت أنه في موضع كان يتهيأ فيه للصلاة ، فدخلت إليه وهو يسرح لحيته ، فابتدأت بتهنئته وأعلمته أني رأيت ببابه رجلين ، أحدهما وافد أهل السند ، فوقع عليه زمع ، وقال: الآخر وافد أهل إفريقية بسمعهم وطاعتهم ، فقلت: نعم ، فسقط المشط من يده ثم قال: سبحان الله كل [شيء] بائد سواه ، نعيت والله نفسي .

حدثني إبراهيم الإمام ، عن أبي هاشم عبد الله بن محمد بن علي بن أبي طالب ، عن علي بن أبي طالب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أخبر أنه يقدم علي في يوم واحد في مدينتي وافدان: أحدهما وافد السند ، والآخر وافد إفريقية بسمعهم وطاعتهم وبيعتهم ، فلا يمضي بعد ذلك ثلاثة أيام حتى أموت . وقد أتاني الوافدان ، فأعظم الله أجرك يا عم في ابن أخيك ، فقلت: كلا يا أمير المؤمنين إن شاء الله ، فقال: بلى أنا إن شاء الله لئن كانت الدنيا حبيبة إلي ، فصحة الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي منها ، والله ما كذبت ولا كذبت .

ثم نهض وقال لي: لا تبرح من مكانك حتى أخرج إليك ، فما غاب كثيرا حتى أذنت المؤذنون بصلاة الظهر ، فخرج إلي خادم له ، فأمرني بالخروج إلى المسجد والصلاة بالناس ، ففعلت ذلك ، ورجعت إلى موضعي حتى أذنت المؤذنون بصلاة المغرب ، فخرج إلي الخادم فأمرني بمثل ذلك ، ففعلت وعدت إلى مكاني .

ثم أذنت المؤذنون بصلاة العشاء ، فخرج إلي الخادم بمثل ما كان يأمرني به ، ففعلت ولم أزل مقيما في مكاني إلى أن مر الليل ، فتنفلت حتى فرغت من صلاة الليل والوتر إلا بقية بقيت من القنوت ، فخرج عند ذلك ومعه كتاب ، فدفعه إلي حين سلمت ، فإذا هو [معنون] مختوم [من عبد الله أمير المؤمنين إلى الرسول والأولياء وجميع المسلمين] وقال: يا عم ، اركب في غد ، فصل بالناس في المصلى ، وانحر وأخبر بعلة أمير المؤمنين ، وأكثر لزومك داري ، فإذا قضيت نحبي فاكتم وفاتي حتى تقرأ هذا الكتاب على الناس ، وتأخذ عليهم البيعة للمسمى في هذا [ ص: 355 ] الكتاب ، وإذا أخذتها واستحلفت الناس عليها بمؤكدات الأيمان فانع إليهم أمير المؤمنين وجهزه ، وتول الصلاة عليه وانصرف في حفظ الله ، وتأهب لركوبك ، فقلت: يا أمير المؤمنين ، هل وجدت علة ، فقال: يا عم ، وأي علة هي أقوى وأصدق من الخبر الصادق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخذت الكتاب ونهضت ، فما مشيت إلا خطا حتى هتف بي [هاتف] يأمرني بالرجوع ، فرجعت ، فقال لي: إن الله قد ألبسك كمالا وأكره أن يحطك الناس فيه ، وكتابي الذي في يدك مختوم ، وسيقول لك من يحسدك على ما جرى على يديك من هذا الأمر الجليل إنك إنما وفيت للمسمى في هذا الكتاب؛ لأن الكتاب كان مختوما وقد رأى أمير المؤمنين أن يدفع إليك خاتمه ليقطع بذلك ألسنة الحسدة عنك ، فخذ الخاتم ، فوالله ما كذبت ولا كذبت ، فانصرفت وتأهبت للركوب ، وركبت وركب معي الناس حتى صليت بأهل العسكر ونحرت وانصرفت إليه ، فسألته عن خبره فقال: خبر من يموت لا محالة ، فقلت: يا أمير المؤمنين ، وجدت شيئا؟ فأنكر علي قولي وكشر في وجهي وقال: يا سبحان الله! أقول لك إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنه يموت ، وتسألني عما أجد ، لا تعد لمثل هذا ثم دخلت إليه عشية يوم العيد ، وكان أحسن من عاينته عيناي وجها ، فرأيته وقد حدثت في وجهه وردية لم أكن أعهدها فزادت وجهه جمالا ، ثم بصرت بإحدى وجنتيه حبة مثل حبة الخردل ، بيضاء ، فارتبت بها ، ثم صوبت نظري إلى الوجنة الأخرى فوجدت فيها حبة أخرى ، ثم أعدت نظري إلى الوجنة التي عاينتها بدءا فرأيت الحبة قد صارت اثنتين ، ثم لم أزل أرى الحب يزداد حتى رأيت في كل جانب من وجنتيه مثل الدينار مقدارا حبا أبيض صغارا ، فانصرفت وهو على هذه الحالة ، وغلست غداة اليوم الثاني من أيام التشريق ، فوجدته قد هجر ، وذهبت عنه معرفتي ومعرفة غيري ، فخرجت إليه بالعشي فوجدته قد صار مثل الزق المنفوخ ، وتوفي في اليوم الثالث من أيام التشريق ، فسجيته كما أمرني ، وخرجت إلى الناس وقرأت عليهم الكتاب ، وكان فيه:

من عبد الله أمير المؤمنين إلى الرسول والأولياء وجميع المسلمين . أما بعد ، فإن أمير المؤمنين قد قلد الخلافة بعده عليكم أخاه ، فاسمعوا له وأطيعوا ، وقد قلد الخلافة من بعد عبد الله عيسى بن موسى إن كان . ثم أخذت البيعة على الناس وجهزته وصليت عليه ودفنته في اليوم الثالث عشر من ذي الحجة سنة ست وثلاثين ومائة .

[ ص: 356 ]

فقال الرشيد: هكذا حدثني أبو العباس ما غادر إسحاق من حديث أبيه حرفا واحدا ، فاستكثروا من الاستماع منه ، فنعم حامل العلم هو .

قال مؤلف الكتاب رحمه الله: واختلفوا في مقدار عمره على أربعة أقوال:

أحدها: ثلاثون سنة ، والثاني: إحدى وثلاثون ، والثالث: ثمان وثلاثون ، والرابع: ثمان وعشرون .

فأما الصلاة ، فإنه صلى عليه عيسى بن علي ، دفن بالأنبار العتيقة في قصره ، وكانت خلافته أربع سنين وثمانية أشهر ويومين ، وقيل: وتسعة أشهر ، منها ثمانية أشهر مشتغلا بقتال مروان بن محمد ، وخلف تسع جباب وأربعة أقمصة ، وخمس سراويل ، وأربع طيالسة ، وثلاثة مطارف خز .

734 - عبيد الله بن أبي جعفر ، مولى بني كنانة:

ولد سنة ستين ، ورأى عبد الله بن الحارث بن جزء ، وكان عالما زاهدا . روى عن محمد بن إسحاق وغيره من أهل المدينة ، وكان سليمان بن داود يقول: ما رأت عيناي عالما زاهدا إلا عبيد الله بن أبي جعفر .

أنبأنا محمد بن ناصر الحافظ ، عن أبي القاسم ، وأبي عمرو ابني عبد الله بن منده ، عن أبيهما ، قال: حدثنا أبو سعيد بن يونس الحافظ ، قال: حدثني أبي ، عن جدي ، قال: حدثني ابن وهب ، قال: حدثني أبو شريح عبد الرحمن بن شريح ، عن عبيد الله بن أبي جعفر ، قال: غزونا إلى قسطنطينية فانكسر مركبنا ، فألقانا الموج على حشفة في البحر ، وكنا خمسة أو ستة ، فأنبت الله بعددنا ورقا ، لكل رجل منا ورقة ، فكنا نمصها فتشبعنا وتروينا ، فإذا أمسينا أنبت الله لنا مكانها أخرى حتى مر بنا مركب ، فحملنا .

توفي عبيد الله بمصر في هذه السنة . ويقال: في سنة اثنتين وثلاثين ، وصلى [عليه] أبو عون عبد الملك بن يزيد أمير مصر .

[ ص: 357 ]

735 - عبد الكريم بن الحارث بن يزيد ، أبو الحارث الحضرمي:

روى عنه حيوة بن شريح ، وابن لهيعة وغيرهما . وكان من العباد المجتهدين ، فلو قيل: إن الساعة تقوم غدا ما كان فيه فضل [لمزيد] ، وقيل له: ما أحسن عزاءك عند المصائب! فقال: إني أوطن نفسي عليها قبل نزولها .

736 - مليكة بنت المنكدر:

كانت عابدة مجتهدة ، وكلمت في الرفق بنفسها ، فقالت: دعوني أبادر طي صحيفتي .

أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله الصوفي ، قال: أخبرنا ابن أبي صادق الحيري ، قال: حدثنا ابن باكويه الشيرازي ، قال: حدثني عيسى بن عمر بن عبد المؤمن ، قال: حدثنا أحمد بن محمد القرشي ، قال: حدثنا إبراهيم بن عيسى ، قال: حدثني موسى بن عبد الملك ، أبو عبد الرحمن المروزي ، قال: قال مالك بن دينار: بينا أنا أطوف بالبيت إذا أنا بامرأة جهيرة في الحجر وهي تقول: أتيتك من شقة بعيدة مؤملة بمعروفك ، فأنلني معروفا من معروفك تعينني به عن معروف من سواك يا معروفا بالمعروف . فعرفت أيوب السختياني ، وسألنا عن منزلها ، وقصدناها ، وسلمنا عليها ، فقال لها أيوب السختياني: قولي خيرا يرحمك الله ، قالت: وما أقول؟ أشكو إلى الله قلبي وهواي فقد أضراني وشغلاني عن عبادة ربي عز وجل ، قوما فإني أبادر طي صحيفتي .

قال أيوب السختياني: فما حدثت نفسي بامرأة قبلها ، فقلت لها: لو تزوجت رجلا كان يعينك على ما أنت عليه ، قالت: لو كان مالك بن دينار أو أيوب السختياني ما أردته ، فقلت: أنا مالك بن دينار وهذا أيوب السختياني ، فقالت: أف! لقد ظننت أنه يشغلكما ذكر الله سبحانه وتعالى عن محادثة النساء ، وأقبلت على صلاتها ، فسألت عنها ، فقالوا: هذه مليكة بنت المنكدر .

توفيت مليكة رضي الله عنها في هذه السنة ، وهي سنة ست وثلاثين ومائة ، ودفنت بالمدينة ، وقيل بمكة ، والله عز [وجل أعلم] .

[ ص: 358 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية