الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

670 - عامر بن عبد الله بن الزبير بن العوام:

روى عن أبيه وغيره من الصحابة ، وعن جماعة من التابعين ، وكان رجلا صالحا لا [ ص: 230 ] يعرف الشر . أتي يوما بعطائه ، فوضعه في المسجد ثم قام فنسيه ، فذكر ، فقال لخادمه: ادخل المسجد وائتني بعطائي ، قال: وأين أجده؟ قال: سبحان الله أويأخذ أحد ما ليس له؟!

أخبرنا محمد بن أبي القاسم ، قال: أخبرنا حمد بن أحمد ، قال: حدثنا أحمد بن عبد الله الحافظ ، قال: حدثنا عمر بن أحمد بن عثمان ، قال: حدثنا محمد بن أحمد بن شيبان الرملي ، قال: حدثنا أبي ، قال: حدثنا عمران بن أبي عمران ، قال: سمعت سفيان بن عيينة يقول: اشترى عامر بن عبد الله نفسه من الله عز وجل بتسع ديات .

أخبرنا عبد الوهاب الحافظ ، قال: أخبرنا أبو الحسين بن عبد الجبار ، قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن علي بن الخياط ، قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن يوسف ، قال: حدثنا ابن صفوان ، قال: حدثنا عبد الله بن محمد القرشي ، قال: حدثنا محمد بن الحسين ، قال: حدثنا قدامة ، قال: سمعت أبا مودود يقول: كان عامر بن عبد الله بن الزبير يتحين العباد وهم سجود: أبا حازم ، وصفوان بن سليم ، وسليمان بن سحيم وأشباههم ، فيأتيهم بالصرة فيها الدنانير والدراهم ، فيضعها عند نعالهم بحيث يحسون بها ولا يشعرون بمكانه ، فيقال له: ما يمنعك أن ترسل بها إليهم؟ فيقول: [إني] أكره أن يتمعر وجه أحدهم إذا نظر إلى رسولي وإذا لقيني .

أخبرنا الحسين بن محمد بن عبد الوهاب ، قال: أخبرنا أبو جعفر بن المسلمة ، قال: أخبرنا أبو طاهر المخلص ، قال: أخبرنا أحمد بن سليمان بن داود الطوسي ، قال: أخبرنا الزبير بن بكار ، قال: حدثني عياش بن المغيرة ، قال: كان عامر بن عبد الله بن الزبير إذا شهد جنازة وقف على القبر ، فقال: ألا أراك [ ص: 231 ] ضيقا ، ألا أراك رقعا ، ألا أراك مظلما ، لئن سلمت لأتأهبن لك أهبتك ، فأول شيء يراه من ماله يتقرب به إلى ربه ، فإن كان [رقيقه] ليتعرضون له عند انصرافه من الجنازة ليعتقهم .

قال الزبير: وحدثني عمي مصعب بن عبد الله ، قال: سمع عامر بن عبد الله المؤذن وهو يجود بنفسه ، ومنزله قريب من المسجد ، فقال: خذوا بيدي ، فقيل له: إنك عليل ، فقال: أسمع داعي الله فلا أجيب ، فأخذوا بيده فدخل في صلاة المغرب فركع مع الإمام ركعة ثم مات .

671 - محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب ، أبو بكر الزهري:

ولد سنة ثمان وخمسين ، وهي السنة التي توفيت فيها عائشة رضي الله عنها .

وسمع جماعة من الصحابة ، وأخذ عن ابن المسيب سنين وعن غيره . وجمع الفقه والحديث .

أنبأنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي البزار ، قال: أخبرنا الحسن بن علي الجوهري ، قال: أخبرنا أبو عمرو بن حيويه ، قال: أخبرنا أبو أيوب سليمان بن إسحاق الخلال ، قال: حدثنا الحارث بن [أبي أسامة ، قال: حدثنا محمد بن سعد ، قال: حدثنا] محمد بن عمر ، قال: حدثنا عبد الرحمن بن عبد العزيز ، قال: سمعت الزهري يقول: نشأت وأنا غلام لا مال لي من الديوان ، وكنت أتعلم نسب قومي من عبد الله بن ثعلبة بن صعير ، وكان عالما بنسب قومي ، فأتاه رجل فسأله عن مسألة من الطلاق [ ص: 232 ] فعيي بها وأشار [له] إلى سعيد بن المسيب ، فقلت في نفسي: ألا أراني مع هذا الرجل المسن [يعقل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على رأسه] وهو لا يدري ما هذا ، فانطلقت مع السائل إلى سعيد بن المسيب فسأله فأخبره ، فجلست إلى سعيد وتركت عبد الله بن ثعلبة ، وجالست عروة بن الزبير ، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، وأبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث حتى فهمت ، فرحلت إلى الشام فدخلت مسجد دمشق فأتيت حلقة وجاه المقصورة فجلست فيها ، فنسبني القوم ، فقلت: رجل من قريش من ساكني المدينة ، قالوا: أهل لك [علم] بالحكم في أمهات الأولاد؟ فأخبرتهم بقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيهم ، فقال لي القوم: هذا مجلس قبيصة بن ذؤيب وهو جائيك ، وقد سأله عبد الملك عن هذا فلم يجد عنده في ذلك علما ، فجاء قبيصة فأخبروه الخبر ، فنسبني فانتسبت ، وسألني عن سعيد بن المسيب ونظرائه فأخبرته ، فقال: أنا أدخلك على أمير المؤمنين .

فصلى الصبح ثم انصرف فتبعته ، فدخل على عبد الملك بن مروان وجلست على الباب ساعة حتى ارتفعت الشمس ، ثم خرج الأذان فقال: أين هذا المديني القرشي؟

قال: قلت: ها أنا ذا ، قال: فقمت فدخلت معه على أمير المؤمنين ، فأجد بين يديه المصحف قد أطبقه وأمر به فرفع ، وليس عنده غير قبيصة جالس ، فسلمت عليه بالخلافة ، فقال: من أنت؟ قلت: محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب ، فقال: أوه! قوم يغارون في الفتن . قال: وكان مسلم بن عبيد [الله] مع ابن الزبير ، ثم قال: ما عندك في أمهات الأولاد؟ فأخبرته فقلت: حدثني سعيد بن المسيب -فقال: [ ص: 233 ] كيف سعيد بن [المسيب] وكيف حاله؟ ثم قلت- وحدثني أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث ، وحدثني عروة ، وحدثني عبيد الله بن عبد الله ، ثم حدثته الحديث في أمهات الأولاد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه . قال: فالتفت إلى قبيصة بن ذؤيب ، فقال: هذا يكتب به إلى الآفاق ، فقلت: لا أجده أخلى منه الساعة ، ولعلي لا أدخل عليه بعد هذه المرة ، فقلت: إن رأى أمير المؤمنين أن يصل رحمي وأن يفرض لي فرائض أهل بيتي -فإني رجل لا ديوان لي- فعل ، فقال: إيها الآن امض لشأنك ، فخرجت موئسا من كل شيء خرجت له ، وأنا حينئذ مقل مرمل ، فجلست حتى خرج قبيصة فأقبل علي لائما لي ، فقال لي: ما حملك على ما صنعت من غير أمري ، ألا استشرتني؟ قلت: ظننت والله أني لا أعود إليه بعد ذلك المقام ، قال: ولم [ظننت ذلك؟ تعود إليه] ، فالحق بي . فمشيت خلف دابته حتى دخل منزله ، فقل ما لبث حتى خرج إلي خادمه ، برقعة فيها: هذه مائة ألف دينار قد أمرت لك بها ، وبغلة تركبها ، وغلام يكون معك يخدمك ، وعشرة أثواب كسوة ، فقلت للرسول: ممن أطلب هذا؟ فقال: ألا ترى في الرقعة اسم الذي أمرك أن تأتيه؟ فنظرت في طرف الرقعة ، فإذا فيها: تأتي فلانا فتأخذ منه ذلك .

قال: فسألت عنه فقيل: قهرمانه ، فأتيته بالرقعة فأمر لي بذلك من ساعته ، فانصرفت وقد ريشني ، فغدوت إليه من الغد وأنا على بغلته فسرت إلى جنبه ، فقال: احضر باب أمير المؤمنين حتى أوصلك إليه ، قال: فحضرت فأوصلني إليه ، وقال: إياك أن تكلمه بشيء حتى يبتدئك وأنا أكفيك أمره ، فسلمت عليه بالخلافة ، فأومأ إلي أن اجلس ، فلما جلست ابتدأ عبد الملك الكلام ، فجعل يسائلني عن أنساب قريش ، فلهو كان أعلم بها مني . قال: وجعلت أتمنى أن يقطع ذاك لتقدمه علي في العلم بالنسب ، ثم قال: قد فرضت لك فرائض أهل بيتك ، ثم التفت إلى قبيصة فأمره أن يثبت ذلك في الدواوين .

[ ص: 234 ]

فلما خرج قبيصة قال: إن أمير المؤمنين قد أمر أن تثبت في صحابته وأن يجري عليك رزق الصحابة ، وأن ترفع فريضتك إلى أرفع منها ، فالزم باب أمير المؤمنين .

قال: وكان على عرض الصحابة رجل فظ غليظ ، فتخلفت يوما أو يومين فجبهني جبها شديدا ، فلم أعد لذلك التخلف . وجعل عبد الملك يقول: من لقيت؟ فجعلت أسمي له وأخبره بمن لقيت من قريش لا أعدوهم ، قال: فأين أنت عن الأنصار فإنك واجد عندهم علما؟ أين أنت عن خارجة بن زيد [بن ثابت] ؟ أين أنت عن عبد الرحمن بن يزيد؟ فسمى رجالا ، فقدمت المدينة فسألتهم وسمعت منهم .

وتوفي عبد الملك فلزمت الوليد حتى توفي ، ثم سليمان ، ثم عمر ، ثم يزيد .

واستقضى يزيد الزهري وسليمان بن حبيب .

قال: وحج هشام سنة ست ومائة ، وحج معه الزهري ، فصيره هشام مع ولده يعلمهم ويفقههم ويحدثهم ، فلم يفارقهم حتى مات .

قال ابن سعد: وأخبرنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي ، قال: حدثني إبراهيم بن سعد ، عن أبيه ، قال: ما أرى أحدا أجمع بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جمع ابن شهاب .

قال: وأخبرنا مطرف بن عبد الله اليساري ، قال: سمعت [مالك] بن أنس يقول: ما أدركت بالمدينة فقيها محدثا غير واحد ، فقلت: من هو؟ قال: ابن شهاب الزهري .

وفي رواية عن مالك قال: أول من دون العلم ابن شهاب .

وقال أيوب: ما رأيت أحدا أعلم من الزهري . [ ص: 235 ]

وقال عمرو بن دينار: ما رأيت أحدا أهون عليه الدينار والدرهم من الزهري .

توفي ابن شهاب في رمضان هذه السنة بأدامى -وهي من أعمال فلسطين- وهو ابن خمس وسبعين ، وأوصى أن يدفن على قارعة الطريق .

672 - نصر بن عمران ، أبو جمرة الضبعي:

قال: كنت أدفع الزحام عن ابن عباس ، فحممت أياما فتأخرت ، فلما حضرته سألني عن تأخري فأخبرته بالحمى ، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء" . توفي في هذه السنة .

[ ص: 236 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية