الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وفي هذه السنة لحق يزيد بن المهلب بالبصرة فغلب عليها وخلع يزيد بن عبد الملك وأخذ عامله عدي بن أرطاة فحبسه

قد ذكرنا أن يزيد بن المهلب هرب من حبس عمر ، فلما بويع يزيد كتب إلى عبد الحميد يأمره بطلب يزيد بن المهلب ، وكتب إلى عدي بن أرطاة يأمره أن يأخذ من كان في البصرة من أهل بيته ، فأخذهم وفيهم المفضل ، وحبيب ، ومروان ، والمهلب ، وبعث عبد الحميد هشام بن مساحق في طلب يزيد ، فقال له: أجيئك به أسيرا أم آتيك برأسه؟ فقال: أي ذلك شئت ، فنزل هشام بالعذيب ، فمر بهم يزيد فاتقوا الإقدام عليه ، فمضى نحو البصرة ، فنزل داره واختلف الناس إليه ، وبعث إلى عدي بن أرطاة: ادفع إلي إخوتي وأنا أخليك والبصرة حتى آخذ لنفسي ما أحب من يزيد بن عبد الملك . فلم يقبل [منه] ، وكان يزيد بن المهلب يعطي الناس المال ، فمالوا إليه ، وخرج حميد بن عبد الملك بن المهلب إلى يزيد بن عبد الملك ، فبعث معه خالد بن عبد الله القسري وعمر بن يزيد الحكمي بأمان يزيد بن المهلب وأهل بيته ، وخرج يزيد بن المهلب حين اجتمع إليه الناس حتى نزل جبانة بني يشكر ، فخرج إليه عدي فاقتتلوا فهزم أصحاب يزيد ، وجاء يزيد فنزل دار سلم بن زياد وأخذ عديا فحبسه ، وهرب رءوس أهل البصرة ، فمنهم من لحق عبد الحميد بالكوفة ، ومنهم من لحق بالشام . [ ص: 68 ]

وجاء خالد القسري وعمر بن يزيد ومعهما حميد بن عبد الملك بالأمان ليزيد بن المهلب من يزيد بن عبد الملك ، فوصلوا وقد فات الأمر ، وغلب يزيد بن المهلب على البصرة ، وخلع يزيد بن عبد الملك ، واستوثقت له البصرة ، وبعث عماله إلى الأهواز وفارس وكرمان ، وبعث أخاه مدرك بن المهلب إلى خراسان ، وخطب يزيد بن المهلب الناس وأخبرهم أنه يدعو إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، ويحث على الجهاد ، ويزعم أن جهاد أهل الشام أعظم ثوابا من جهاد الترك والديلم .

فدخل الحسن البصري إلى المسجد فقال لصاحبه: انظر هل ترى وجه رجل تعرفه؟ فقال: لا والله ، فقال: فو الله هؤلاء الغثاء ، فدنا من المنبر وإذا هو يدعو إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، فقال الحسن: يزيد يدعو إلى كتاب الله ، والله لقد رأيناك واليا وموليا عليه ، فجعل أصحابه يأخذون على فيه لئلا يتكلم ، فقال الحسن: إنما كان يزيد بالأمس يضرب رقاب هؤلاء ويسرح بها إلى بني مروان يريد رضاهم ، فلما غضب نصب هؤلاء وقال: أدعوكم إلى كتاب الله وسنة العمرين ، وإن من سنة العمرين أن يوضع قيد في رجله ثم يرد إلى محبس عمر . فقال رجل: يا أبا سعيد ، كأنك راض عن أهل الشام ، فقال: أنا راض عن أهل الشام ، قبحهم الله وبرحهم ، أليسوا الذين أحلوا حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقتلوا أهله ثم خرجوا إلى بيت الله الحرام فهدموا الكعبة وأوقدوا النار بين أحجارها وأستارها ، عليهم لعنة الله .

ثم إن يزيدا خرج من البصرة واستخلف عليهم مروان ، فأقبل حتى نزل واسط ، واستشار أصحابه فقال: ما الرأي؟ فاختلفوا عليه ، فأقام أياما بواسط ثم خرج .

التالي السابق


الخدمات العلمية