الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

569 - حيان بن شريح :

كان صاحب خراج مصر لعمر بن عبد العزيز ، حدث عنه يزيد بن أبي حبيب ، وعبد الملك بن جنادة ، توفي في هذه السنة . [ ص: 90 ]

570 - ربعي بن حراش بن جحش بن عمرو بن عبد الله بن بجاد العبسي الكوفي :

روى عن عمر ، وعلي ، وحذيفة ، وأبي بكرة ، وعمران بن حصين . حدث عنه الشعبي ، ومنصور بن المعتمر ، وحصين بن عبد الرحمن وغيرهم . وكان ثقة صدوقا .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز ، قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب ، قال: أخبرنا حمزة بن محمد بن طاهر ، قال: حدثنا الوليد بن بكر الأندلسي ، قال: حدثنا علي بن أحمد بن زكريا الهاشمي ، قال: حدثنا صالح بن أحمد بن عبد الله العجلي ، قال: حدثني أبي ، قال:

ربعي بن خراش كوفي ثقة . ويقال إنه لم يكذب كذبة قط . كان له ابنان عاصيان في زمن الحجاج ، فقيل للحجاج: إن أباهما لم يكذب كذبة قط ، لو أرسلت إليه فسألته عنهما ، فأرسل إليه فقال: أين ابناك؟ قال: هما في البيت ، فقال: قد عفونا عنهما بصدقك .

أخبرنا القزاز ، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت ، قال: أخبرنا علي بن أحمد المعدل ، قال: أخبرنا ابن صفوان ، قال: أخبرنا ابن أبي الدنيا ، قال: حدثني محمد بن الحسين ، قال حدثنا محمد بن جعفر بن عون قال: أخبرني بكر بن أحمد العابد ، عن الحارث الغنوي ، قال :

آلى ربعي بن حراش ألا تفتر أسنانه ضاحكا حتى يعلم أين مصيره ، فما ضحك إلا عند موته ، وآلى أخوه ربعي بن حراش بعده ألا يضحك حتى يعلم أفي الجنة هو أم في النار . [ ص: 91 ]

قال الحارث الغنوي : فلقد أخبرني غاسله أنه لم يزل متبسما على سريره ونحن نغسله حتى فرغنا منه .

توفي ربعي بن حراش في هذه السنة ، وقيل في سنة إحدى .

571 - زياد بن أبي زياد ، مولى عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة القرشي ، واسم أبي زياد ميسرة .

وكان زياد عبدا ، وكان عمر بن عبد العزيز يستزيده ويكرمه ، وبعث إلى مولاه ليبيعه إياه ، فأبى وأعتقه .

وروى عن أنس بن مالك ، قال مالك بن أنس : كان زياد عابدا معتزلا لا يزال يذكر الله ويلبس الصوف .

أخبرنا ابن ناصر ، قال: أخبرنا رزق الله وطراد ، قالا: أخبرنا علي بن محمد بن بشران ، قال: حدثنا الحسين بن صفوان ، قال: حدثنا عبد الله بن محمد القرشي ، قال: حدثنا علي بن محمد ، قال: حدثنا عبد الله بن صالح ، قال: حدثني يعقوب بن عبد الرحمن القاري ، قال: قال محمد بن المنكدر :

إني خلفت زياد بن أبي زياد وهو يخاصم نفسه في المسجد يقول: اجلسي ، أين تريدين أن تخرجي إلى أحسن من هذا المسجد؟ انظري إلى ما فيه ، تريدين أن تنظري إلى دار فلان وفلان . قال: وكان يقول لنفسه: مالك من الطعام يا نفس إلا هذا الخبز والزيت ، ومالك من الثياب إلا هذين الثوبين ، ومالك من النساء إلا هذه العجوز ، أتحبين أن تموتي؟ فقالت: أنا أصبر على هذا العيش .

572 - عبد الله بن يزيد ، أبو قلابة الجرمي :

كان فقيها عالما بالفقه ، بصيرا بالقضاء ، فلما طلب للقضاء هرب ومرض ، فدخل [ ص: 92 ] عليه عمر بن عبد العزيز يعوده ، فقال له: يا أبا قلابة ، تشدد ولا تشمت بنا المنافقين .

ومات بالشام في هذه السنة .

أخبرنا علي بن عبيد الله الفقيه ، وإسماعيل بن أحمد المنقري ، قالا: أخبرنا أحمد بن محمد بن النقور ، قال: أخبرنا علي بن عبد العزيز بن مردك ، قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم ، قال: حدثنا عمار بن خالد الواسطي ، قال: حدثنا الحكم بن سيار ، قال: حدثنا أيوب السختياني ، قال: قال لي أبو قلابة :

احفظ عني ثلاث خصال: إياك وأبواب السلطان ، ومجالسة أهل الأهواء ، والزم سوقك فإن الغنى من العافية .

أنبأنا عبد الوهاب بن المبارك ، قال: أخبرنا جعفر بن أحمد ، قال: أخبرنا عبد العزيز بن الحسن بن إسماعيل الضراب ، قال: أخبرني أبي ، قال: حدثنا أحمد ابن مروان ، قال: حدثنا يوسف بن عبد الله الحلواني ، قال: حدثنا عثمان بن الهيثم ، قال:

كان رجل بالبصرة من بني سعيد ، وكان قائدا من قواد عبيد الله بن زياد ، فسقط من السطح فانكسرت رجلاه ، فدخل عليه أبو قلابة يعوده ، فقال له: أرجو أن يكون لك خيرة ، فقال: يا أبا قلابة ، وأي خيرة في كسر رجلي جميعا ، قال: ما ستر الله عنك أكثر ، فلما كان بعد ثلاث ورد عليه كتاب عبيد الله بن زياد أن يخرج فيقاتل الحسين بن علي رضي الله عنهما فقال للرسول: قد أصابني ما ترى ، فما كان إلا سبعا حتى وافى الخبر بقتل الحسين ، فقال الرجل: رحم الله أبا قلابة ، لقد صدق أنه كان خيرة لي .

573 - عامر بن شراحيل - وقيل: عامر بن عبد الله بن شراحيل - أبو عمرو الشعبي :

من شعب همدان ، كوفي ، وأمه من سبي جلولاء ، ولد لست سنين خلت من [ ص: 93 ] خلافة عمر بن الخطاب هو وأخ له توأما . وسمع علي بن أبي طالب ، والحسن ، والحسين ، وعبد الله بن جعفر ، وابن عباس ، وابن عمر ، وابن عمرو ، وابن الزبير ، وأسامة ، وجابر ، والبراء ، وأنس ، وأبا هريرة ، وعدي بن حاتم ، وسمرة ، وعمرو بن حريث ، والمغيرة ، وزيد بن أرقم ، وغيرهم .

وكان مفتيا في العلوم وحافظا ثقة ، وقال: ما كتبت سوداء في بيضاء ، ولا حدثني رجل بحديث قط إلا حفظته ، وما أحببت أن يعيده علي ، وما أروي شيئا أقل من الشعر ، ولو شئت لأنشدتكم شهرا لا أعيد . ولقد نسيت من العلم ما لو حفظه رجل لكان به عالما ، وليتني أفلت من ذلك كفافا لا علي ولا لي .

وسمعه عمر يحدث بالمغازي ، فقال: لكأن هذا الفتى شهد معنا .

وقال أبو مخلد: ما رأيت أفقه من الشعبي ، ولما بلغ عبد العزيز بن مروان عقل الشعبي وعلمه وطيب مجالسته كتب إلى أخيه عبد الملك أن يؤثره بالشعبي ، ففعل وكتب إليه: إني أوثرك به على نفسي ، لا يلبث عندك إلا شهرا . وكان عبد العزيز بمصر فأقام عنده نحوا من أربعين يوما ثم رده .

أخبرنا القزاز ، قال: أخبرنا أحمد بن علي ، قال: أخبرنا محمد بن عبد الواحد بن علي البزاز ، قال: أخبرنا القاضي أبو سعيد الحسن بن محمد بن عبد الله بن المرزبان السيرافي ، قال: أخبرنا محمد بن الحسن بن دريد ، قال: حدثنا عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي عن عمه ، قال: وجه عبد الملك بن مروان عامرا الشعبي إلى ملك الروم في بعض الأمر [ ص: 94 ] فاستكثره ، فقال له: من أهل بيت الملك أنت؟ قال: لا ، فلما أراد الرجوع إلى عبد الملك حمله رقعة لطيفة وقال: إذا رجعت إلى صاحبك فأبلغه جميع ما يحتاج إلى معرفة من ناحيتنا ، وادفع إليه هذه الرقعة ، فلما صار الشعبي إلى عبد الملك ذكر له ما احتاج إلى ذكره ، ونهض من عنده ، فلما خرج ذكر الرقعة فرجع ، فقال: يا أمير المؤمنين ، إنه حملني إليك رقعة نسيتها حين خرجت ، وكانت في آخر ما حملني ، فدفعها إليه ونهض فقرأها عبد الملك فأمر برده ، فقال: أعلمت ما في هذه الرقعة؟ قال:

لا ، قال: فيها: عجبت من العرب كيف ملكت غير هذا ، أفتدري لم كتب إلي بهذا؟

فقال: لا ، قال: حسدني بك فأراد أن يغريني بقتلك ، فقال الشعبي: لو كان ذاك يا أمير المؤمنين ما استكثرني . فبلغ ملك الروم ذلك ، فذكر عبد الملك فقال: لله أبوه ، والله ما أردت إلا ذلك .

كان الشعبي قد خرج مع القراء على الحجاج ثم دخل عليه فاعتذر فقبل عذره ، وولي القضاء .

أخبرنا ابن ناصر ، قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار ، قال: حدثنا محمد بن علي بن الفتح ، قال: أخبرنا ابن أخي ميمي ، قال: أخبرنا جعفر بن محمد الخواص ، قال: حدثنا ابن مسروق ، قال: حدثنا إبراهيم بن سعيد ، قال: حدثنا أبو أسامة ، قال:

حدثنا زكريا بن يحيى ، قال:

دخلت على الشعبي وهو يشتكي فقال له: كيف تجدك؟ قال: أجدني وجعا مجهودا ، اللهم إني أحتسب نفسي عندك فإنها أعز الأنفس عندي .

توفي في هذه السنة . قاله الأكثرون . وقيل: في سنة سبع . وفي مقدار عمره قولان ، أحدهما: سبع وتسعون ، والثاني: اثنتان وثمانون .

574 - مجاهد بن جبر ، يكنى أبا الحجاج ، مولى قيس بن السائب المخزومي :

كان فقيها دينا ثقة . روى عن ابن عمر ، وابن عمرو ، وأبي سعيد ، وأبي هريرة ، وابن عباس في آخرين . [ ص: 95 ]

قال بعض الرواة: كنت إذا رأيت مجاهدا ظننت أنه خربندج ضل حماره فهو مهتم .

أخبرنا محمد بن عبد الله الدقاق ، قال: أخبرنا [ المبارك بن عبد الجبار قال:

أخبرنا ابن] صفوان ، قال: حدثنا أبو بكر بن عبيد ، قال: حدثني محمد بن الحسين ، قال: حدثنا محمد بن كناسة ، قال: حدثنا عمر بن ذر ، عن مجاهد ، قال:

إذا أراد أحدكم أن ينام فليستقبل القبلة ولينم على يمينه وليذكر الله ، وليكن آخر كلامه عند منامه لا إله إلا الله ، فإنها وفاة لا يدرى لعلها تكون منيته . ثم قرأ: ( وهو الذي يتوفاكم بالليل .

توفي مجاهد وهو ساجد في هذه السنة . وقيل: في سنة اثنتين ، وقيل: في سنة ثلاث . وقد بلغ ثلاثا وثمانين سنة . [ ص: 96 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية