الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر طرف من أخباره وسيرته

أخبرنا ابن ناصر ، قال: أخبرنا أبو عبد الله الحميدي ، قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن سلامة القضاعي ، قال: أخبرنا أبو مسلم محمد بن أحمد الكاتب ، قال: أخبرنا [ ص: 98 ] ابن دريد ، قال: أخبرنا أبو حاتم ، عن أبي عبيد ، عن يونس ، قال:

اشترى هشام بن عبد الملك جارية ، وخلا بها ، فقالت له: يا أمير المؤمنين ، ما من منزلة أطمع فيها فوق منزلتي إذ صرت للخليفة ، ولكن النار ليس لها خطر ، إن ابنك فلانا اشتراني ، فكنت عنده - لا أدري ذكر ليلة أو نحو ذلك - لا يحل لك مسي ، قال:

فحسن هذا القول [منها] عنده وحظيت عنده وتركها وولاها أمره .

قال علماء السير: وكان هشام إذا صلى الغداة كان أول من يدخل عليه صاحب حرسه ، فيخبره بما حدث في الليل . ثم يدخل عليه موليان له ، مع كل واحد منهما مصحف ، فيقعد أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره حتى يقرأ عليهما جزأه ، ويدخل الحاجب فيقول: فلان بالباب ، وفلان ، وفلان ، فيقول: ائذن . فلا يزال الناس يدخلون عليه ، فإذا انتصف النهار وضع طعامه ورفعت الستور ، ودخل الناس وأصحاب الحوائج وكاتبه قاعد خلف ظهره ، فيقول: أصحاب الحوائج ، فيسألون حوائجهم ، فيقول:

لا ونعم ، والكاتب خلفه يوقع بما يقول ، حتى إذا فرغ من طعامه وانصرف الناس صار إلى قائلته ، فإذا صلى الظهر دعى بكتابه فناظرهم فيما ورد من أمور الناس حتى يصلي العصر ، ثم يأذن للناس ، فإذا صلى العشاء الآخرة حضر سماره ، الزهري وغيره .

فجاء الخبر من أرمينية أن خاقان قد خرج ، فنهض في الحال وحلف أن لا يؤويه سقف بيت حتى يفتح الله عليه ، وسيأتي ذكر هذه القصة فيما بعد إن شاء الله تعالى .

وقال بشر مولى هشام: تفقد هشام بعض ولده لم يحضر الجمعة ، فقال له: ما منعك؟ فقال: نفقت دابتي ، قال: وعجزت عن المشي فتركت الجمعة ، فمنعه الدابة سنة .

وظهر في أيام هشام غيلان بن مروان أبو مروان الدمشقي فأظهر الاعتزال فقتله وصلبه بباب دمشق .

أخبرنا أبو الحصين ، قال: أخبرنا أبو طالب محمد بن عبد الله الشافعي ، قال: [ ص: 99 ]

حدثنا أبو بكر بن أبي الدنيا ، قال: حدثنا إسماعيل بن الحارث بن كثير بن هشام ، عن عبد الله بن زياد ، قال:

قال غيلان لربيعة بن أبي عبد الرحمن : أنشدك الله ، أترى الله يحب أن يعصى؟

قال ربيعة: أنشدك الله ، أترى الله يعصى قسرا ، فكأن ربيعة ألقم حجرا .

أنبأنا عبد الوهاب الأنماطي ، ومحمد بن ناصر الحافظان ، قالا: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار ، قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن قشيش ، قال: أخبرنا أبو محمد عبيد الله بن محمد بن علي الجوادي ، قال: حدثنا أبو بكر بن الأنباري ، قال:

قال أبي ، حدثنا أحمد بن عبيد المدائني ، قال:

حكي لنا أن أبا جعفر المنصور وجه إلى شيخ من أهل الشام كان بطانة هشام بن عبد الملك فسأله عن تدبير هشام في بعض حروبه الخوارج ، فوصف له الشيخ ما دبر ، فقال: فعل رحمه الله كذا ، وصنع رحمه الله كذا وكذا ، فقال له المنصور: قم عليك وعليه لعنة الله ، تطأ بساطي وتترحم على عدوي ، فقام الرجل وهو يقول وهو مول: إن نعم عدوك لقلادة في عنقي لا ينزعها إلا غاسلي ، فقال له المنصور: ارجع يا شيخ ، فرجع فقال: أشهد أنك نهيض حر وغراس شريف ، عد إلى حديثك ، فعاد الشيخ إلى حديثه حتى إذا فرغ دعى له بمال فأخذه وقال: والله يا أمير المؤمنين ما بي إليه من حاجة ، ولقد مات عني من كنت في ذكره آنفا ، فما أحوجني إلى وقوف بباب أحد ، ولولا جلالة عز أمير المؤمنين وإيثار طاعته ما لبست لأحد بعده نعمة ، فقال له المنصور:

مت إذا شئت لله أبوك ، فلو لم يكن لقومك غيرك كنت قد أبقيت لهم مجدا مخلدا .

وكان هشام لا يلتفت إلى أولاد عمر بن عبد العزيز ولا يعطيهم شيئا ويقول: أرضى لهم ما رضي لهم أبوهم .

وكان العامل في هذه السنة على المدينة ومكة والطائف عبد الواحد النضري ، [ ص: 100 ] وعلى قضاء الكوفة حسين بن حسن الكوفي ، وعلى قضاء البصرة موسى بن أنس .

وكان خالد القسري على العراق وخراسان . وقيل: إنما استعمل في سنة ست . وكان العامل في هذه السنة عمر بن هبيرة ، فعزله هشام في أول ولايته وولى خالدا .

التالي السابق


الخدمات العلمية