الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

599 - عبد الرحمن بن أبي عمار العابد نزيل مكة :

أخبرنا المبارك بن علي الصيرفي ، قال: أخبرنا علي بن محمد العلاف ، قال:

أخبرنا عبد الملك بن بشران ، قال: أخبرنا أحمد بن إبراهيم ، قال: أخبرنا محمد بن جعفر الخرائطي ، قال: حدثنا أبو يوسف الزهري ، قال: حدثنا الزبير بن بكار ، قال:

كان عبد الرحمن بن أبي عمار من بني جشم ينزل بمكة ، وكان من عباد أهلها ، فسمي القس من عبادته ، فمر ذات يوم بسلامة وهي تغني ، فوقف فسمع غناها فرآه مولاها ، فدعاه إلى أن يدخله عليها ، فأبى ذلك فقال له: فاقعد في مكان تسمع غناها ولا تراها ، ففعل فغنت فأعجبته ، فقال له مولاها: هل لك أن أحولها إليك ، فامتنع بعض الامتناع ثم أجابه إلى ذلك ، فنظر إليها فأعجبته فشغف بها وشغفت به ، وكان طريفا فقال فيها:


أم سلام لو وجدت من الوجد غير الذي بكم أنا لاقي     أم سلام أنت همي وشغلي
والعزيز المهيمن الخلاق     أم سلام ما ذكرتك إلا
شرقت بالدموع مني المآقي

قال: وعلم بذلك أهل مكة فسموها سلام القس ، فقالت له يوما: أنا والله أحبك ، [ ص: 133 ] فقال: وأنا والله أحبك ، فقالت له: أنا والله أحب أن تضع فمك على فمي ، قال: وأنا والله أحب ذلك ، قالت: فما يمنعك فو الله إن الموضع لخال ، فقال لها: ويحك إني سمعت الله تعالى يقول: ( الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين وأنا والله أكره أن تكون خلة ما بيني وبينك في الدنيا عداوة يوم القيامة ، ثم نهض وعيناه تذرفان من حبها ، وعاد إلى الطريقة التي كان عليها من النسك والعبادة ، فكان يمر بين الأيام ببابها فيرسل السلام ، فيقال له: ادخل فيأبى .

ومما قال فيها:


إن سلامة التي أفقدتني تجلدي     لو تراها والعود في حجرها حين تنشد
الشريحبي والغريض وللقوم معبد     خلتهم تحت عودها حين تدعره باليد

وفي رواية أخرى أنه لما قال لها: أكره أن تكون خلة ما بيني وبينك عداوة يوم القيامة ، قالت: أتحسب أن ربنا لا يقبلنا إن نحن تبنا إليه؟ قال: بلى ولكن لا آمن أن أفاجأ ، ثم نهض يبكي فلم يرجع بعد ، وعاد إلى ما كان فيه من النسك .

وروى مصعب الزبيري ، عن محمد بن عبد الله بن أبي مليكة ، عن أبيه ، عن جده ، قال:

دخل عبد الرحمن بن أبي عمار وهو يومئذ فقيه أهل الحجاز على نخاس فعلق فتاة فاشتهر بذكرها حتى مشى إليه عطاء وطاووس ومجاهد يعذلونه ، فكان جوابه:


يلومني فيك أقوام أجالسهم     فما أبالي أطار اللوم أو وقعا

فانتهى الخبر إلى عبد الله بن جعفر ، فلم تكن له همة غيره ، فحج فبعث إلى مولى الجارية فاشتراها منه بأربعين ألفا ، وأمر قيمة جواريه أن تزينها وتحليها ، ففعلت ، وبلغ الناس قدومه فدخلوا عليه ، فقال: ما لي لا أرى ابن أبي عمار زارنا ، فأخبر الشيخ فأتاه ، فلما أراد أن ينهض استجلسه فقعد ، فقال له ابن جعفر: ما فعل حب فلانة ، [ ص: 134 ] فقال: سيط به لحمي ودمي وعصبي ومخي وعظامي ، قال: تعرفها إن رأيتها؟ قال:

وأعرف غيرها ، قال: فإني قد اشتريتها ، وو الله ما نظرت إليها ، وأمر بها فأخرجت فزفت بالحلي والحلل ، فقال: أهذه هي؟ فقال: نعم بأبي وأمي ، قال: فخذ بيدها فقد جعلها الله لك ، أرضيت؟ قال: أي والله بأبي وأمي وفوق الرضا ، فقال له ابن جعفر: ولكني والله لا أرضى أن أعطيكها صفرا ، احمل معه يا غلام مائة ألف درهم كيلا يهتم بمئونتها ، قال: فراح بها وبالمال . [ ص: 135 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية