ثم دخلت سنة تسع عشرة ومائة 
فمن الحوادث فيها غزوة الوليد بن القعقاع العبسي   [أرض الروم] .   
وفيها: غزا أسد بن عبد الله  فملأ يديه من السبي ، ولقي خاقان  ملك الترك  فقتله ، وقتل بشرا كثيرا من أصحابه وانصرف بغنائم كثيرة . 
وكان الحارث بن شريح  قد انضم إلى خاقان ،  فتبارزوا ، فانهزم الحارث  والترك  وخاقان  وتركوا قدورهم تغلي ، وتبعهم الناس ثلاثة فراسخ يقتلون من قدروا عليه ، واستاقوا من أغنامهم أكثر من خمسين ومائة ألف شاة ودواب كثيرة ، ولحقهم أسد  عند الظهر ووجل بخاقان  برذونه ، فحماه الحارث بن شريح ،  وبعث أسد  بجواري الترك  إلى دهاقين خراسان  واستنقذ من كان في أيديهم من المسلمين ، ومضى خاقان  إلى الجوزجان فارتحل أسد  فنزل بها ، فهرب خاقان  ورجع أسد  إلى بلخ ،  فلقوا خيل الترك  التي كانت بمرو الروذ  منصرفة لتغير على بلخ ،  فقتلوا من قدروا عليه منهم ، ثم رجع خاقان  إلى بلاده وأخذ في الاستعداد للحرب ومحاصرة سمرقند ،  وحمل الحارث  وأصحابه على خمسة آلاف برذون . 
وأن خاقان  لعب مع بعض الملوك بالنرد ، فتنازعا فضرب ذلك الملك يد خاقان  فكسرها ، فحلف خاقان  ليكسرن يده ، فبيت خاقان  فقتله ، وبعث أسد  إلى خالد بن  [ ص: 193 ] عبد الله  يخبره ، فبعث إلى هشام  يبشره بالفتح ، فنزل هشام  عن سريره فسجد سجدة الشكر . 
وقد روي لنا في حديث طويل من أخبار هشام  أنه جاءه الخبر أن خاقان  قد خرج فاستباح أرمينية ،  فلما سمع ذلك ضرب مضربا وآلى ألا يكنه سقف بيت وأن لا يغتسل من جنابة حتى يفتح الله عليه . فأمر مسلمة  فعسكر ، فلما أصبح أذن للناس إذنا عاما فأخبرهم بما ورد من الخبر . وبعث إلى  سعيد بن عمرو الحرشي  فأنفذه ، فجعل لكل من معه علما في رمحه ، فوصلوا ومع خاقان  ثمانية عشر ألف أسير من المسلمين ، فكبر المسلمون تكبيرة واحدة ، فرأت الأسراء الأعلام ، فعلموا أنها للمسلمين ، فقطعوا أكتاف أنفسهم ، وتناولوا خشبا كان الكفار قد جمعوه ، فثار الكفار إلى خيلهم ، فهذا بسرج ، وهذا يركب . فلحقتهم خيول المسلمين ، وأدرك خاقان  فقتل واستبيح عسكرهم ، وقتل منهم مقتلة عظيمة ، وانهزم الباقون ، وقتل ابن خاقان .  
وفي هذه السنة [قتل المغيرة بن سعيد  ومن معه] 
خرج المغيرة بن سعيد  وسار بظاهر الكوفة  في نفر ، فأخذهم خالد  فقتلهم ، وأما المغيرة  فذكر أنه كان ساحرا . 
قال  الأعمش:  سمعت المغيرة  يقول: لو أراد علي  رضي الله عنه أن يحيي عادا  وثمود  وقرونا بين ذلك كثيرا لأحياهم . 
قال أبو نعيم:  كان المغيرة  قد نظر في السحر فأخذه خالد القسري  فقتله . 
 [ ص: 194 ] 
قال سعيد بن مرادابند:  رأيت خالدا  حين أتي بالمغيرة  وبيان في ستة نفر أو سبعة ، أمر بسريره فأخرج إلى المسجد الجامع ، وأمر بأطنان قصب ونفط ، فأحضرا ثم أمر المغيرة  أن يتناول طنا فتأنى ، فصبت السياط على رأسه ، فتناول طنا فاحتضنه ، فشد عليه ، ثم صب عليه وعلى الطن نفط ثم ألهبت فيهما النار فاحترقا ، ثم أمر الرهط ففعلوا كذلك . ثم أمر بيانا آخرهم فتقدم إلى الطن مبادرا فاحتضنه ، فقال خالد:  ويلكم في كل أمركم تحمقون ، هلا رأستم هذا لا المغيرة ،  ثم أحرقه . 
وفي هذه السنة خرج بهلول بن بشر  الملقب كثارة ،  فقتل ، وكان منزله بدابق ،  وكان يتأله ، فخرج يريد الحج ، فأمر غلامه أن يبتاع له بدرهم خلا فجاءه بخمر ، فأمره بردها وأخذ الدرهم ، فلم يجب إلى ذلك ، فجاء بهلول  إلى عامل القرية فكلمه ، فقال العامل: الخمر خير منك ومن قومك ، فمضى في حجه ، وعزم على الخروج على السلطان ، فلقي بمكة  من كان على مثل رأيه ، فاتعدوا قرية من قرى الموصل ،  فاجتمعوا أربعين ، وأمروا البهلول ،  فجعلوا لا يمرون على أحد إلا أخبروه أنهم أقبلوا من عند هشام  إلى خالد  لينفذهم في أعمالهم ، فأخذوا دواب من دواب البريد ، فلما انتهوا إلى القرية التي كان ابتاع الغلام منها الخل ، فقال بهلول:  
نبدأ بهذا العامل الذي قال ما قال ، فقال له أصحابه: نحن نريد قتل خالد ،  فإن بدأنا بهذا شهرنا وحذرنا خالد  وغيره ، فننشدك الله أن تقتل هذا فيفلت منا خالد ،  فقال: لا أدع  [ ص: 195 ] ما يلزمني لما بعده ، وأنا أرجو أن أقتل هذا وأدرك خالدا ،  وقد قال الله عز وجل: قاتلوا الذين يلونكم من الكفار  فأتاه فقتله ، فنذر بهم الناس ، وعلموا أنهم خوارج ، فابتدروا هرابا . 
وخرجت البرد إلى خالد ،  فأعلموه أن خارجة قد خرجت ، فبعث إليهم جندا فالتقوا على الفرات  فهزمهم البهلول ،  وارتحل إلى الموصل  فخافه عامل الموصل ،  فتوجه يريد هشاما ،  فخرجت إليه الأجناد فكانوا عشرين ألفا وهو في سبعين ، فقاتلهم فقتل منهم جماعة ، ثم عقد أصحابه دوابهم وترجلوا ، فأوجعوا في الناس ، ثم طعنه رجل فوقع ، فقال أصحابه: ول أمرنا من يقوم به ، قال: إن هلكت فأمير المؤمنين دعامة الشيباني  فإن هلك فعمرو اليشكري ،  ثم مات من ليلته ، فلما أصبحوا هرب دعامة  وخلاهم ، فخرج عمرو اليشكري  فلم يلبث أن قتل ، ثم خرج العميري ،  فخرج إليه السمط بن مسلم ،  فانهزمت الحرورية ،  فتلقاهم عبيد  أهل الكوفة  وسفلتهم فرموهم بالحجارة حتى قتلوهم . 
ثم خرج وزير السجستاني ،  وكان مخرجه بالحيرة ،  فجعل لا يمر بقرية إلا أحرقها ولا أحد إلا قتله ، وغلب على بيت المال ، فوجه إليه خالد  قائدا من أصحابه فقتل عامة أصحابه وارتث ، فحمل إلى خالد ،  فقرأ عليه آيات من القرآن ووعظه ، فأعجب خالد  من كلامه فحبسه ، وكان يبعث إليه في الليالي فيؤتى به فيحادثه ، فبلغ ذلك هشاما  وقيل: أخذ حروريا واتخذه سميرا ، فغضب هشام  وكتب إلى خالد  يشتمه ويأمره بقتله وإحراقه . فشده وأصحابه بأطنان القصب ، فصب عليهم النفط وأحرقهم بالنار ، فما منهم إلا من اضطرب إلا هذا الرجل ، فإنه لم يتحرك ، ولم يزل يتلو القرآن حتى مات . 
 [ ص: 196 ] 
وفي هذه السنة خرج الصحاري بن شبيب  على خالد ،  ووافقه جماعة ، فبعث إليهم خالد  جندا فاقتتلوا فقتلوهم بأجمعهم . 
وفي هذه السنة حج بالناس مسلمة بن هشام بن عبد الملك ،  وحج [معه]  ابن شهاب الزهري ،  وكان العامل في هذه السنة على مكة   والمدينة  والطائف  محمد بن هشام ، وعلى العراق  والمشرق خالد بن عبد الله ،  وعامل خالد  على خراسان  أخوه أسد .  
وقد قيل: إن أسدا  هلك في هذه السنة واستخلف جعفر بن حنظلة البهراني ،  وقيل: إنما هلك أسد  في سنة عشرين ، وكان على أرمينية  وأذربيجان  مروان بن محمد بن مروان .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					