الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب ذكر خلافة أبي العباس السفاح

قد روي في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم العباس أن الخلافة تؤول إلى ولده ، فلم يزل ولده يتوقعونها ويتحدثون بذلك بينهم .

أخبرنا أبو منصور القزاز ، قال: أخبرنا أبو بكر بن ثابت ، قال: أخبرنا عبد العزيز بن علي الوراق ، قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن يعقوب ، قال: حدثنا أبو بشر محمد بن أحمد بن حماد الأنصاري ، قال: حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري ، قال: حدثنا أبو أسامة ، قال: حدثني زائدة ، عن الأعمش ، عن عطية ، عن أبي سعيد الخدري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال: "يخرج [منا] رجل في انقطاع من الزمن وظهور من الفتن يسمى السفاح ، يكون عطاؤه المال حثيا" .

أخبرنا القزاز ، قال: أخبرنا أبو بكر بن ثابت ، قال: أخبرني علي بن أحمد الرزاز ، قال: حدثنا أبو الفرج علي بن الحسين بن محمد الكاتب ، قال: حدثنا أبو عبد الله جعفر بن محمد بن عبيد الكندي ، قال: حدثنا الحسين بن محمد بن علي الأزدي ، قال: أخبرني سلام مولى العباسة بنت المهدي ، قال: حدثني محمد بن كعب [ ص: 296 ] مولى المهدي ، قال: سمعت المهدي يقول: حدثني أبي ، عن أبيه ، عن جده ، عن ابن عباس ، قال: والله لو لم يبق إلا يوم لأدال [الله] من بني أمية ، ليكونن منا السفاح والمنصور والمهدي .

أنبأنا محمد بن ناصر ، قال: أنبأنا أبو عبد الله الحميدي ، قال: قال لنا أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الحافظ: إن أول الأسماء التي وقعت على الخلفاء: الصديق ، والفاروق ، وذو النورين . ثم لم يسم أحد من الخلفاء حتى ولي أبو العباس ، فسمي السفاح . ثم المنصور ، وهو أول من تسمى بهذا الاسم ، وتسمى [به بعده] إسماعيل بن أبي القاسم عبد الله الشيعي ، ثم محمد بن أبي عامر ، ثم ذاوي ، وسابور والي بطليوس في آخرين .

والمهدي ، وكان تسمى به قبل ذلك كله محمد ابن الحنفية ، ثم رجل من بني علي قام باليمن ، ثم عبيد الله الشيعي بالقيروان ، أول قائم قام بالقيروان ، ثم محمد بن هشام بن عبد الجبار ، ثم عبد العزيز بن الأصبع ، ثم محمد بن إدريس الحسيني بمالقة .

والهادي ابن المهدي ، ثم تسمى [به] رجل من بني علي قام بصعدة في اليمن .

والرشيد ، ثم تسمى به صالح حاجب المعتضد .

والمأمون ، ثم تسمى به عبد الرحمن بن أبي عامر ، ثم القاسم بن محمود ، ثم يحيى بن إسماعيل بن ذي النون .

والمعتصم ، ثم تسمى به محمد بن المظفر بن أبي عامر ، ثم محمد بن عبد العزيز من أولاد أبي عامر .

والمعتضد ، وتسمى به عباد بن محمد بن عباد اللخمي صاحب إشبيلية .

[ ص: 297 ]

والمستكفي ، ثم تسمى به محمد بن عبد الرحمن .

وقد حكيت ألقاب لبني أمية ، ولا يصح ذلك .

وقال الإمام محمد بن علي بن عبد الله بن عباس: لنا ثلاثة أوقات: موت يزيد بن معاوية ، ورأس المائة ، وفتق إفريقية . فعند ذلك يدعو لنا دعاة ، ثم تقبل أنصارنا من المشرق حتى ترد خيولهم إلى المغرب ويستخرجوا ما كنز الجبارون فيها .

فلما قتل يزيد بن أبي مسلم بإفريقية ونقضت البربر بعث محمد بن علي رجلا إلى خراسان وأمره أن يدعو إلى الرضا ، ولا يسمي أحدا .

وكان بنو أمية يحسون بولاية بني العباس ، فروى خليد بن عجلان ، قال: لما خالف ابن الأشعث أرسل عبد الملك إلى خالد بن يزيد ، فأخبره ، فقال: أما إذا كان الفتق من سجستان فليس عليك [بأس] ، وإنما كنا نتخوف لو كان من خراسان .

وقد ذكرنا أنه لما مات محمد بن علي جعل وصيته بعده لابنه إبراهيم ، فبعث إبراهيم أبا سلمة حفص بن سليمان مولى السبيع إلى خراسان وكتب معه إلى النقباء بها ، ثم رجع إليه فرده ، ومعه أبو مسلم .

وبلغ الخبر مروان ، فبعث إلى إبراهيم ، فأخذه وقد كان عرف صفة الرجل الذي يقتلهم ، فلما رأى إبراهيم قال: ليس هذه صفته ، فردهم في طلبه .

وفي رواية أن مروان وصف له صفة فجاء فرأى تلك الصفة في أبي العباس ، فأخذه فقيل للرسول: إنما أمرت بأخذ إبراهيم ، فترك أبا العباس وأخذ إبراهيم ، فانطلق به ، فأوصى إبراهيم إلى أخيه أبي العباس ، وجعله الخليفة من بعده ، وأمر أهله بالمسير إلى الكوفة مع أخيه .

ثم [إن] مروان قتله ، فشخص أبو العباس ومن معه من أهل بيته: عبد الله بن [ ص: 298 ] محمد ، وداود بن علي ، وعيسى ، وصالح ، وإسماعيل ، وعبد الله ، وعبد الصمد بنو علي ، ويحيى بن محمد ، وعيسى بن موسى بن محمد بن علي ، وعبد الوهاب ومحمد ابنا إبراهيم الإمام ، وموسى بن داود ، وعيسى بن جعفر بن تمام ، حتى قدموا الكوفة في صفر ، فأفرد لهم أبو سلمة دار الوليد بن سعد مولى بني هاشم ، وكتم أمرهم نحوا من أربعين ليلة من جميع القواد والشيعة .

ونقل أنه أراد بذلك تحويل الأمر إلى آل أبي طالب لما بلغه الخبر عن موت إبراهيم بن محمد .

وذهب قوم من الشيعة فدخلوا إلى أبي العباس ، وجاء أبو سلمة فمنعوه أن يدخل معه أحد ، فدخل وحده فسلم بالخلافة ، فقال أبو حميد: على رغم أنفك .

وبويع أبو العباس السفاح بالكوفة في يوم الجمعة لثلاث عشرة ليلة خلت من ربيع الأول ، وانتقل إلى الأنبار فسكنها حتى مات .

وأمه رائطة بنت عبيد الله الحارثي من بني عبد المدان ، وكان مولده بالشراة سنة خمس ومائة ، واستخلف وهو ابن سبع وعشرين سنة ، وهو أول خلفاء بني العباس ، وكان أصغر سنا من أخيه المنصور . وكان أشعر جعدا طويلا أبيض ، أقنى الأنف ، حسن الوجه واللحية جعدها ، وكان يقال له: السفاح ، والمرتضى ، والقائم ، وهو أول من تلقب من بني العباس .

وقيل: إنما لقب بالسفاح لما سفح من دماء المبطلين .

ورفعت إليه سعاية مكتوب عليها بنصيحة ، فوقع عليها: "تقربت إلينا بما باعدك [ ص: 299 ] من الله تعالى ، ولا ثواب عندنا لمن آثرنا عليه" .

وظفر ببردة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فابتاعها بأربعة آلاف دينار ، ولم يرو إلا حديثا واحدا ، وكان نقش خاتمه: "الله ثقة عبد الله" .

وكان وزيره أبو الجهم عطية بن حبيب . وقال أبو بكر الصولي: أول من وزر لبني العباس أبو سلمة حفص بن سليمان الخلال ، ثم خالد بن برمك .

فصل: ولما ولي الخلافة خرج يوم الجمعة فصلى بالناس ثم قال في خطبته: الحمد لله الذي اصطفى الإسلام لنفسه ، وكرمه ، وشرفه ، وعظمه ، واختاره لنا وأيده ، وجعلنا أهله وكهفه وحصنه والقوام به ، والذابين عنه ، والناصرين له ، وخصنا برحم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنبتنا من شجرته ، واشتقنا من نبعته ، وأنزل بذلك كتابا ، فقال فيه: قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى فلما قبض الله رسوله قام بذلك الأمر أصحابه ، وأمرهم شورى بينهم ، فعدلوا وخرجوا خماصا ، ثم وثب بنو حرب ومروان ، فابتزوها وتداولوها ، فاستأثروا بها ، وظلموا أهلها ، فأملى الله لهم حينا ، فلما أسفوه انتقم الله منهم بأيدينا ، ورد علينا حقنا ، وأنا السفاح المبيح ، والثائر المبير .

وكان موعوكا فاشتد عليه الوعك ، فجلس على المنبر وتكلم فقال: إنا والله ما خرجنا لنكثر لجينا ولا عقيانا ، ولا نحفر نهرا ، وإنما أخرجتنا الأنفة من ابتزازهم لحقنا . ولقد كانت أموركم ترمضنا ، لكم ذمة الله عز وجل ، وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وذمة العباس أن نحكم فيكم بما أنزل الله ، ونعمل بكتاب الله ، ونسير فيكم بسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واعلموا أن هذا الأمر فينا ليس بخارج منا حتى نسلمه إلى عيسى ابن مريم .

ثم نزل أبو العباس وداود أمامه حتى دخل القصر ، فأجلس أبا جعفر وأخذ البيعة على الناس في المسجد ، وأعظم التدبير أبو سلمة حفص بن سليمان ، ولقب بالوزارة ، وهو أول من سمي بها ، وكتب إليه أبو مسلم: للأمير أبي سلمة ، وزير آل محمد من عبد الرحمن أبي مسلم أمير آل محمد .

[ ص: 300 ]

ثم استعمل السفاح على الكوفة عمه داود بن علي ، وعلى واسط أخاه جعفرا وحضره جماعة من أهل بيته ، فذكروا جمع المال ، فقال عبد الله بن حسن: سمعت بألف ألف درهم وما رأيتها مجتمعة ، فقال أبو العباس: فأنا أصلك بها حتى تراها مجتمعة ، فلما قبض المال استأذنه في الخروج إلى المدينة ، فأذن له ودفع إليه مالا ليقسمه على بني هاشم بالمدينة ، فلما قسمه أخذوا يشكرون أبا العباس ، فقال عبد الله: هؤلاء أحمق الناس ، يشكرون من أعطاهم بعض حقهم . فبلغه ذلك فأخبر أهله ، فقالوا: أدبه ، فقال: من شدد أنفر ، ومن تراخى ألف ، والعفو أقرب للتقوى ، والتغافل من فعل الكرام .

أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد ، قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي الخطيب ، قال: أخبرنا أحمد بن عمر بن روح ، قال: أخبرنا المعافى بن زكريا ، قال: حدثنا محمد بن يحيى الصولي ، قال: حدثنا القاسم بن إسماعيل ، قال: حدثنا أحمد بن سعيد بن سلم الباهلي ، عن أبيه ، قال: حدثني من حضر مجلس السفاح وهو أحشد ما كان ببني هاشم والشيعة ووجوه الناس ، فدخل عبد الله بن حسن بن حسن ومعه مصحف ، فقال: يا أمير المؤمنين: أعطنا حقنا الذي جعله الله لنا في هذا المصحف ، قال: فأشفق الناس [من] أن يعجل السفاح بشيء إليه ، ولا يريدون ذلك في شيخ بني هاشم في وقته ، أو يعيى بجوابه فيكون ذلك عارا عليه . قال: فأقبل عليه غير مغضب ولا مزعج ، فقال: إن جدك عليا -وكان خيرا مني وأعدل- ولي هذا الأمر فما أعطى جديك الحسن والحسين -وكانا خيرا منك- شيئا ، وكان الواجب أن أعطيك مثله ، فإن كنت فعلت فقد أنصفتك ، وإن كنت زدتك فما هذا جزائي منك ، قال: فما رد عبد الله جوابا ، وانصرف الناس يعجبون من جوابه له .

وكتب أبو العباس إلى خاله زياد بن عبد الله ، وكان عامله على المدينة: قربني من رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ جيرانه ، وإكرام أهل بيته ، ولا تسلط هواك فيما وجب [ ص: 301 ] إسخاطي؛ فإن الله شاهدي وأنت المأخوذ بالتقصير .

وكتب إلى داود بن علي وهو عامله على مكة: أما بعد ، فهذه سنة طمس فيها عيون الجور ، وأخمد نيران الظلم ، وأباد الشجرة الملعونة ، فهن زوار بيت الله بنصر أوليائه ، وخذلان أعدائه ليحمدوه على ذلك .

وفي هذه السنة: هزم مروان بالزاب ، وذلك أن قحطبة كان قد وجه أبا عون عبد الله بن يزيد الأزدي ، فقتل عثمان بن سفيان ، وأقام بناحية الموصل ، فلما بلغ مروان قتل عثمان أقبل من حران حتى أتى الموصل ، فنزل على الزاب وحفر خندقا ، فسار إليه أبو عون ، فوجه أبو سلمة إلى أبي عون عيينة بن موسى ، والمنهال بن حبان ، وإسحاق بن طلحة ، كل واحد في ثلاثة آلاف ، فلما ظهر أبو العباس بعث سلمة بن محمد في ألفين ، وعبد الله الطائي في ألف وخمسمائة ، وعبد الحميد بن ربعي الطائي في ألفين ، وداس بن نضلة في خمسمائة إلى أبي عون . ثم قال: من يسير إلى مروان من أهل بيتي؟ فقال عبد الله بن علي: أنا ، فقال: سر على بركة الله .

فسار فقدم على أبي عون ، فتحول له أبو عون عن سرادقه ، وخلاه له وما فيه . فلما كان لليلتين خلتا من جمادى الآخرة سنة ثنتين وثلاثين ومائة سأل عبد الله بن علي عن مخاضة ، فدل عليها بالزاب ، فأمر عيينة بن موسى ، فعبر في خمسة آلاف وانتهى إلى عسكر مروان ، فقاتلهم حتى أمسوا وتحاجزوا ، ورجع عيينة فعبر المخاضة إلى عسكر عبد الله ، فأصبح مروان فعقد الجسر وسرح ابنه عبد الله بن مروان فحفر خندقا أسفل من عسكر ابن علي ، فبعث عبد الله بن علي المخارق في أربعة آلاف ، فنزل على خمسة أميال من عسكر عبد الله بن علي ، فسرح عبد الله بن مروان إليه الوليد بن معاوية ، فلقي المخارق ، فانهزم أصحابه ، وأسر المخارق ، وقتل منهم يومئذ عدة ، فبعث بهم إلى عبد الله وبعثه عبد الله إلى مروان مع الرؤوس ، فقال مروان: أدخلوا علي رجلا من الأسارى ، فأتوه بالمخارق ، فقال: أنت المخارق؟ فقال: أنا عبد من [ ص: 302 ] عبيد أهل العسكر ، قال: فتعرف المخارق؟ قال: نعم ، قال: فانظر في هذه الرؤوس هل تراه؟ فنظر إلى رأس منها فقال: هو هذا ، فخلى سبيله .

وبلغ عبد الله انهزام المخارق ، فقال له موسى بن كعب: اخرج إلى مروان قبل أن يصل الفل إلى العسكر ، فيظهر ما لقي المخارق . فدعا عبد الله بن علي محمد بن صول ، فاستخلفه على العسكر وسار على ميمنته ابن عون وعلى ميسرته الوليد بن معاوية ومع مروان ثلاثة آلاف ، فقال مروان لعبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز: إن زالت الشمس اليوم ولم يقاتلونا كنا الذين ندفعها إلى عيسى ابن مريم ، وإن قاتلونا قبل الزوال فإنا لله وإنا إليه راجعون .

وأرسل مروان إلى عبد الله بن علي يسأله الموادعة ، فقال: كذب ، لا تزول الشمس حتى أوطئهم الخيل ، إن شاء [الله] ، فقال مروان لأهل الشام: قفوا لا تبدؤوهم بقتال ، فحمل الوليد بن معاوية فقاتل أهل الميمنة فغضب مروان وشتمه ، فانحاز أبو عون إلى عبد الله بن علي ، فقال موسى بن كعب لعبد الله: مر الناس أن ينزلوا ، فنودي: الأرض ، فنزل الناس وشرعوا الرماح ، وجثوا على الركب واشتد القتال ، فقال مروان لقضاعة: انزلوا ، فقالوا: قل لبني سليم فلينزلوا ، فأرسل إلى السكاسك: احملوا ، فقالوا: قل لبني عامر فليحملوا ، فأرسل إلى السكون أن احملوا ، فقالوا: قل لغطفان فليحملوا ، فقال لصاحب شرطته: انزل ، فقال: لا والله ما كنت لأجعل نفسي غرضا ، قال: أما والله لأسوءنك ، قال: وددت والله أنك قدرت على ذلك ، فانهزم أهل الشام وانهزم مروان ، وقطع الجسر ، فكان من غرق يومئذ أكثر ممن قتل .

وكان ممن غرق يومئذ إبراهيم بن الوليد المخلوع ، فأمر عبد الله بن علي فعقد الجسر على الزاب واستخرج الغرقى ، فأخرجوا ثلاثمائة . وأقام عبد الله في عسكره سبعة أيام ، وحوى عسكر مروان بما فيه ، فوجدوا فيه سلاحا كثيرا وأموالا .

وكتب عبد الله بن علي بالفتح إلى أمير المؤمنين أبي العباس السفاح ، فلما أتاه الخبر صلى ركعتين وأمر لمن شهد الوقعة بخمسمائة خمسمائة ، ورفع أرزاقهم إلى ثمانين .

وكان مروان منذ لقيه أهل خراسان لا يدبر شيئا إلا وقع فيه خلل ، ولقد وقف يوم انهزم والناس يقتتلون فأمر بأموال فأخرجت وقال للناس: اصبروا وقاتلوا ، هذه الأموال [ ص: 303 ] لكم ، فجعل ناس يصيبون من ذلك المال ، فأرسلوا إليه: إن الناس قد مالوا على هذا المال ، ولا تأمنهم أن يذهبوا ، فأرسل إلى ابنه عبد الله: أن سر في أصحابك فاقتل من أخذ من ذلك المال وامنعهم ، فمال عبد الله برايته وأصحابه ، فقال الناس: الهزيمة ، فانهزموا . وذلك صبيحة [يوم] السبت لإحدى عشرة خلت من جمادى الآخرة .

أخبرنا أبو القاسم بن الحصين ، قال: أخبرنا أبو محمد الحسن بن عيسى [بن] المقتدر ، قال: أخبرنا أحمد بن منصور اليشكري ، قال: قرئ على الصولي وأنا حاضر ، قال: حدثنا الغلابي ، قال: حدثنا عبد الله بن عائشة ، قال: لما استقام الأمر لأبي العباس السفاح خطب يوما فأحسن الخطبة ، فلما نزل عن المنبر قام إليه السيد فأنشده:


دونكموها يا بني هاشم فجددت أمراؤها الطامسا     دونكموها ما على كعب
من أمسى عليكم ملكها نافسا     دونكموها فالبسوا تاجها
لا تعدموا منكم لها لابسا     خلافة الله وسلطانه
وعنصرا كان لكم دارسا     لو خير المنبر فرسانه
ما اختار إلا منكم فارسا     والملك لو شوور في ساسة
ما اختار إلا منكم سائسا     لم يبق عبد الله بالشام من
آل أبي العاص امرأ عاطسا

فقال له أبو العباس السفاح: سل حاجتك ، قال: ترضى عن سليمان بن حبيب بن المهلب وتوليه الأهواز ، قال: قد فعلت ، ثم أمر أن يكتب عهد سليمان على الأهواز ، وتدفع إلى السيد ، فكتب ثم أخذه السيد وقدم على سليمان بالبصرة ، فلما وقعت عليه عينه أنشده يقول:


أتيناك يا قرم أهل العراق     بخير كتاب من القائم
أتيناك من عند خير الأنام     وذاك ابن عم أبي القاسم

[ ص: 304 ]

أتينا بعهدك من عنده     على من يليك من العالم
يوليك فيه جسام الأمور     فأنت صنيع بني هاشم

فقال له سليمان: شريف وشافع ، ووافد وشاعر ، ونسيب ، سل حاجتك ، قال:

جارية فارهة جميلة ومن يخدمها ، وبدرة ومن يحملها ، وفرس راتع وسائسه ، وتخت من صنوف الثياب وحامله . قال: قد أمرت لك بجميع ما سألت ، ولك عندي في كل سنة مثله .

قال الصولي: وحدثنا جبلة بن محمد ، قال: حدثنا أبي هذا الخبر ، وزاد فيه: أن سليمان قال للسيد: احتكم قال:


سأحكم إذ حكمتني غير مسرف     ولا مقصر يا ابن الكماة الأكارم
ثلاثة آلاف وعبد وبغلة     وجارية حسناء ذات مآكم
وسرج وبرذون صليع وكسوة     وما ذاك بالإكثار من حكم حاكم
على ذي ندى يعطيك حتى كأنما     يرى بالذي يعطيك أحلام نائم
أرحني بها من مجلسي ذا فإنني     وحقك إن لم أعطها غير رايم



التالي السابق


الخدمات العلمية