الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وفي هذه السنة: شخص أبو جعفر المنصور إلى أبي مسلم بخراسان لاستطلاع رأيه في قتل أبي سلمة حفص بن سليمان؛ وذلك أن أبا سلمة ستر حال أبي العباس حين قدم الكوفة .

وقد ذكرنا أن قوما يذكرون ويقولون: إنما أراد أن يجعل الأمر في آل أبي طالب ، فصار عند القوم بهذا متهما ، فتذاكروا بعد ظهور السفاح ما فعله أبو سلمة ، فقال قائل منهم: فما يدريكم لعل ما صنع أبو سلمة كان عن رأي أبي مسلم ، فقال أبو العباس: لئن كان هذا عن رأي أبي مسلم إنا بعرض بلاء ، إلا أن يدفعه الله عنا . ثم تفرقوا ، فأرسل أبو العباس إلى أبي جعفر فقال: ما ترى؟ فقال: الرأي رأيك ، قال: فاخرج إلى أبي مسلم حتى تعلم ما رأيه ، فليس يخفى عليك لو قد لقيته ، فإن كان عن رأيه أخذنا لأنفسنا ، وإن لم يكن عن رأيه طابت نفوسنا .

قال أبو جعفر: فخرجت على وجل ، فلما انتهيت إلى الري إذا صاحب الري قد أتاه كتاب أبي مسلم: أنه بلغني أن عبد الله بن محمد توجه إليك فإذا قدم فأشخصه ساعة يقدم عليك . فلما قدمت أتاني عامل الري ، فأخبرني بكتاب أبي مسلم وأمرني بالرحيل ، فازددت وجلا وخرجت وأنا خائف ، فسرت فلما كنت بنيسابور إذا عاملها قد [ ص: 313 ] أتاني بكتاب أبي مسلم: إذا قدم عليك عبد الله بن محمد فأشخصه ولا تدعه يقيم فإن الأرض أرض خوارج ولا آمن عليه ، فطابت نفسي ، وقلت: أراه يعنى بأمري . فسرت فلما كنت من مرو على فرسخين تلقاني أبو مسلم في الناس ، فلما دنا مني أقبل يمشي إلي حتى قبل يدي ، فقلت: اركب ، فركب . فدخلت مرو فنزلت دارا ، فمكثت ثلاثة أيام لا يسألني عن شيء ، ثم قال لي في اليوم الرابع: ما أقدمك؟ فأخبرته ، فقال: فعلها أبو سلمة أنا أكفيكموه . ثم دعا مرار بن أنس الضبي ، فقال له: انطلق إلى الكوفة فاقتل أبا سلمة حيث لقيته وانته في ذلك إلى رأي الإمام ، فقدم مرار الكوفة ، وكان أبو سلمة يسمر عند أبي العباس ، فقعد له في طريقه فلما خرج قتله ، وقالوا: قتلته الخوارج .

وقال سليمان بن المهاجر:


إن الوزير وزير آل محمد أودى فمن يشناك كان وزيرا

وكان أبو مسلم إذا جاء إلى أبي جعفر وهو بالري ينزل على باب الدار ثم يجلس في الدهليز ويقول للحاجب: استأذن لي ، فغضب أبو جعفر على حاجبه ، وقال له: ويلك! إذا رأيته فافتح له الباب ، وقل له يدخل على دابته . وانصرف أبو جعفر إلى أبي العباس ، فقال له: لست خليفة ولا آمرك بشيء إن تركت أبا مسلم ولم تقتله ، قال: وكيف؟ قال: والله ما يصنع إلا ما يريد ، فقال أبو العباس: اسكت واكتمها .

التالي السابق


الخدمات العلمية