ووافى المأمون وقت العشاء ، فلما كان في الليلة الثالثة دخل على بوران وابتنى بها من ليلته ، ونثرت عليه جدتها ألف درة كانت في صينية ذهب ، وأقام المأمون عند الحسن سبع عشر يوما يعد له كل يوم ولجميع من معه جميع ما يحتاج إليه ، وخلع الحسن على القواد على مراتبهم وحملهم ووصلهم ، وكان يبلغ النفقة خمسين ألف ألف درهم ، وأمر المأمون غسان بن عباد أن يدفع إلى الحسن عشرة آلاف ألف درهم من مال فارس ، فحملت إليه ففرقها في أصحابه وأقطعه فم الصلح ، فلما انصرف المأمون شيعه الحسن ، ثم رجع إلى فم الصلح ، وكان ذهاب المأمون ومقامه ورجوعه أربعين يوما ، ودخل إلى بغداد يوم الخميس لإحدى عشرة ليلة بقيت من شوال .
وقيل : خرج المأمون إلى الحسن لثمان خلون من رمضان ، ورحل من فم الصلح لثمان بقين من شوال سنة عشر ومائتين . [ ص: 217 ]
أخبرنا أبو منصور القزاز قال : أخبرنا أبو بكر [أحمد بن علي بن ثابت] الحافظ قال : أخبرني أحمد بن محمد بن يعقوب الوزان قال : حدثني جدي محمد بن عبيد الله بن الفضل قال : حدثنا محمد بن يحيى الصولي ، حدثنا عون بن محمد ، حدثنا عبد الله بن أبي سهل قال : لما بنى المأمون ببوران بنت الحسن فرش له يوم البناء حصير من ذهب مشفوف ، ونثر عليه جوهر كثير ، فجعل بياض الجوهر يشرف على صفرة الذهب ، وما مسه أحد ، فوجه الحسن إلى المأمون هذا النثار نحب أن نلتقطه ، فقال المأمون لمن حوله من بنات الخلفاء : شرفن أبا محمد ، فمدت كل واحدة منهن يدها فأخذت درة ، وبقي باقي الدر يلوح على الحصير .
أخبرنا القزاز قال : أخبرنا الخطيب قال : وقيل إن الحسن نثر على المأمون نثر ألف حبة جوهر ، وأشعل بين يديه شمعة عنبر وزنها مائة رطل ، ونثر على القواد رقاعا فيها أسماء ضياع ، فمن وقعت بيده رقعة أشهد له الحسن بالضيعة ، وكان يجري مدة إقامة المأمون عنده على ستة وثلاثين ألف ملاح ، فلما أراد المأمون أن يصاعد أمر له بألف ألف دينار ، وأقطعه فم الصلح .
وفي هذه السنة : خرج عبد الله بن طاهر من الرقة إلى مصر ، وذلك أنه لما بعث نصر بن شبث العقيلي إلى المأمون كتب المأمون إليه يأمره بالمسير إلى مصر ، فخرج وكان هناك عبيد الله بن السري بن الحكم ، فخرج يقاتل ، فحمل أصحاب عبد الله عليه فهزم ، فتساقط عامة أصحابه في النهر ودخل الفسطاط منهزما ، فأغلق على نفسه وأصحابه الباب ، فحاصره ابن طاهر ، فبعث إليه ليلا ألف وصيف و [ألف] [ ص: 218 ] وصيفة ، مع كل وصيف ألف دينار في كيس حرير فردها ، وكتب إليه : لو قبلت هديتك ليلا لقبلتها نهارا : بل أنتم بهديتكم تفرحون ارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها فحينئذ طلب الأمان ، وخرج إليه .
وكتب إلى المأمون أن ابن طاهر لما فتح مصر في أسفل كتاب له .
أخي أنت ومولاه ومن أشكر نعماه فما أحببت من شيء
فإني الدهر أهواه وما تكره من شيء
فإني لست أرضاه لك الله على ذاك
لك الله لك الله
وفيها : خلع أهل قم السلطان ، ومنعوا الخراج ، فكان خراجهم ألفي ألف درهم .
وسبب ذلك : أنهم استكثروا ما عليهم من الخراج ، وكان المأمون لما اجتاز بالري حين قصد بغداد حط عن أهل الري جملة من الخراج ، فطمع هؤلاء في مثل ذلك ، فسألوه الحط عنهم ، فلم يجب فامتنعوا من الأداء ، فوجه إليهم المأمون علي بن هشام ، ثم أمده بعجيف بن عنبسة ، فظفر بهم وهدم سور قم ، وجباها أربعة آلاف ألف ضعف ما تظلموا منه .
وحج بالناس في هذه السنة صالح بن العباس بن محمد وهو والي مكة .


