الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

1105 - الفضل بن سهل بن عبد الله ، أبو العباس الملقب ذا الرئاستين .

كان من أولاد ملوك المجوس ، وأسلم أبوه سهل في أيام الرشيد ، واتصل بيحيى بن خالد البرمكي ، واتصل الفضل والحسن ابنا سهل بالفضل وجعفر ابنا يحيى بن خالد ، فضم جعفر بن يحيى الفضل بن سهل إلى المأمون وهو ولي عهد ، وقيل : إن الفضل لما أراد أن يسلم كره أن يسلم على يد الرشيد والمأمون ، فصار وحده إلى الجامع يوم الجمعة ، فاغتسل ولبس ثيابه ، ورجع مسلما ، وغلب على المأمون لخلاله الجميلة من الكرم والوفاء والبلاغة والكتابة ، فلما استخلف المأمون فوض إليه أموره كلها ، وسماه ذا الرئاستين لتدبيره أمر السيف والقلم .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال : أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال : أخبرنا أبو علي الحسن بن محمد بن عمر النرسي قال : أخبرنا أحمد بن محمد بن المكتفي بالله قال : حدثنا ابن الأنباري قال : قال رجل للفضل بن سهل أسكتني عن وصفك تساوي أفعالك في السؤدد وحيرني فيها كثرة عددها ، فليس [لي ] إلى ذكرها جميعها سبيل ، وإذا أردت وصف واحدة اعترضت أختها إذ كانت الأولى ليست بأحق [ ص: 111 ] في الذكر ، فلست أصفها إلا بإظهار العجز عن وصفها .

أخبرنا عبد الرحمن [بن محمد ] قال : أخبرنا أحمد بن علي قال : أخبرنا أبو بشر محمد بن أبي السري الوكيل قال : حدثنا أبو عبيد الله محمد بن عمران المرزباني قال : أخبرني الصولي قال : [أنشدنا ثعلب قال : ] أنشدنا إبراهيم بن العباس الصولي لنفسه في الفضل بن سهل :


لفضل بن سهل يد تقاصر عنها المثل     فبسطتها للغنى
وسطوتها للأجل     وباطنها للندى
وظاهرها للقبل

فأخذه ابن الرومي فقال للقاسم بن عبيد الله :


أصبحت بين خصاصة وتجمل     والمرء بينهما يموت هزيلا
فامدد إلي يدا تعود بطنها     بذل النوال وظهرها التقبيلا

أخبرنا عبد الرحمن [بن محمد القزاز ] قال : أخبرنا أحمد بن محمد بن علي [بن ثابت ] قال : أخبرني أبو بكر أحمد بن محمد بن عبد الواحد المنكدري قال :

حدثني [أبو ] أحمد بن عبيد الله بن محمد بن أحمد المنقري قال : أخبرنا الصولي قال : أخبرنا القاسم بن إسماعيل قال : حدثني إبراهيم بن العباس الصولي قال : اعتل [ ص: 112 ] الفضل بن سهل ذو الرئاستين علة بخراسان ثم برأ ، فجلس للناس فهنأوه بالعافية وتصرفوا في الكلام ، فلما فرغوا أقبل على الناس فقال : إن في العلل لنعما ينبغي للعقلاء أن يعرفوها بمحيص الذنوب ، وتعرض لثواب الصبر ، وإيقاظ من الغفلة ، وإذكار بالنعمة في حال الصحة ، واستدعاء للتوبة وحض على الصدقة ، فنسي الناس ما تكلموا به وانصرفوا بكلام الفضل .

أخبرنا أبو منصور القزاز قال : أخبرنا أبو بكر بن ثابت قال : أخبرني الحسن بن أبي بكر قال : كتب إلي محمد بن إبراهيم أن أحمد بن حمدان أخبرهم قال : حدثنا أحمد بن يونس الضبي قال : حدثنا أبو حسان الزيادي قال : سنة اثنتين ومائتين فيها قتل ذو الرئاستين الفضل بن سهل يوم الخميس لليلتين خلتا من شعبان بسرخس في الحمام ، اغتاله نفر ، فدخلوا عليه فقتلوه ، فقتل به المأمون عبد العزيز بن عمران الطائي ، ومؤنس بن عمران البصري ، وخلف بن عمرو البصري ، وعلي بن أبي سعيد ، وسراجا الخادم .

قال المصنف رحمه الله : وفي رواية أخرى : أنه لما رحل المأمون من مرو ووصل إلى سرخس ، شد أربع نفر من خواص المأمون وهم غالب المسعودي ، وقسطنطين الرومي ، وفرج الديلمي ، وموفق الصقلي على الفضل بن سهل وهو في الحمام فقتلوه وهربوا ، وذلك في يوم الجمعة لليلتين خلتا من شعبان هذه السنة ، فجعل المأمون لمن جاء بهم عشرة آلاف دينار ، فجاء بهم العباس بن القاسم ، فقالوا للمأمون : أنت أمرتنا بقتله فأمر بهم فضربت أعناقهم .

وذكر الجاحظ أن عمر الفضل كان إحدى وأربعين سنة وخمسة أشهر .

1106 - يحيى بن المبارك بن المغيرة ، أبو محمد العدوي ، المعروف باليزيدي صاحب أبي عمرو بن العلاء

. [ ص: 113 ]

حدث عن أبي عمرو وابن جريج ، وأخذ عن الخليل من اللغة أمرا عظيما ، وجلس يوما إلى جانبه ، فقال له : أحسبني ضيقت عليك ؟ فقال الخليل : ما ضاق شيء عن صاحبين ، والدنيا ما تسع متباغضين .

وإنما قيل له : اليزيدي ، لأنه كان منقطعا إلى يزيد بن منصور الحميري يؤدب ولده ، فنسب إليه .

ثم اتصل بالرشيد فجعل المأمون في حجره ، وكان يكلم الأمين والمأمون وهما صبيان بكلام بقصيدته تعلم الفصاحة : فأكلا يوما كمأة فتحمرا ، فقال لهما اليزيدي :

"فلأكلأكما كمأكما لا سوا أن سوالا سلا" [ ؟ ] . .

وكان الرشيد قد وكل بهما خادما يؤدي إليه ما يجري منهما ، فمضى إلى الرشيد وقال له : إنه اليوم علمهما كلام الزنجية ، فدعاه فقال : أحسنت الزنجية قط ، قال : كذا عرفني الخادم . فقال الخادم : بلى ، قد كان ذلك وقت أكل الكمأة ، فقال اليزيدي : إنما قلت كذا ليتفصحا ، وأنا أفعل مثل هذا كثيرا . فقال الرشيد : لا تلم الخادم ، فلولا التقدمة لظننته أنا بالزنجية .

وكان اليزيدي أحد القراء الفصحاء الشعراء ، عالما بلغات العرب ، ثقة ، وكان يجلس في أيام الرشيد مع الكسائي ببغداد في مسجد واحد يقرئان الناس ، وكان الكسائي يؤدب الأمين ، واليزيدي يؤدب المأمون فأقر الرشيد الكسائي أن يأخذ على الأمين بحرف حمزة ، وأمر اليزيدي أن يعلم المأمون حرف أبي عمرو .

أخبرنا القزاز ، قال : أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت ، قال : أخبرنا محمد بن عبد الواحد البزاز ، قال : أخبرنا أبو سعيد السيرافي ، قال : أخبرنا محمد بن أبي الأزهر ، قال : أخبرنا الزبير بن بكار قال : أنشدني : إسحاق بن أبي إبراهيم ، قال : أنشدني أبو محمد اليزيدي :


إذا نكبات الدهر لم تعظ الفتى     وتفرغ منه ، لم تعظه عواذله
ومن لم يؤدبه أبوه وأمه     تؤدبه روع الردى وزلازله
فدع عنك ما لا تستطيع ولا تطع     هواك ولا يغلب بحقك باطله

[ ص: 114 ] توفي اليزيدي في هذه السنة . 1107 - أبو إسحاق الدولابي .

من أهل الري ، كان يقال إنه من الأبدال ، وله كرامات .

أخبرنا القزاز ، قال : أخبرنا الخطيب ، قال : أخبرنا ابن رزق ، إجازة ، حدثنا جعفر الجلدي ، قال : حدثنا ابن منصور قال : سمعت محمد بن منصور يقول :

جئت مرة إلى معروف الكرخي ، فغض أنامله وقال : هاه ، لو لحقت أبا إسحاق الدولابي كان ها هنا الساعة يسلم علي ، فذهبت أقوم ، فقال لي : اجلس ، لعله قد بلغ منزله بالري .

توفي أبو إسحاق الدولابي في هذه السنة ، رحمة الله عليه . [ ص: 115 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية