الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وفيها : توجه طاهر بن الحسين إلى الأهواز ، فخرج عاملها محمد بن يزيد المهلبي يحميها فقتل ، وأقام طاهر بالأهواز ، وأنفذ عماله إلى كورها . وولي اليمامة والبحرين وعمان ، ثم أخذ على طريق البر متوجها إلى واسط ، فدخلها وهرب عاملها ، ووجه قائدا من قواده إلى الكوفة وعليها العباس بن موسى الهادي ، فلما بلغ العباس الخبر خلع محمدا ، وكتب بطاعته إلى طاهر وبيعته ، وكتب منصور بن المهدي وهو عامل البصرة إلى طاهر بطاعته ، فنزل حتى طرنايا ، وأمر بجسر فعقد ، وأنفذت كتبه بالتولية إلى العمال ، وبايع المطلب بن عبد الله بن مالك بالموصل للمأمون ، فكان خلعهم في رجب ، فلما كتبوا بخلعهم محمدا أقرهم المأمون على أعمالهم ، وولى داود بن عيسى بن موسى بن محمد على مكة والمدينة ، ويزيد بن جرير البجلي اليمن ، ووجه الحارث بن هشام إلى قصر ابن هبيرة .

وفيها : أخذ طاهر المدائن من أصحاب محمد ، ثم صار إلى صرصر ، فعقد جسرا ، ولما بلغ محمدا أن الحارث وهشاما خلفاه وجه محمد بن سليمان العابد ومحمد بن حماد البربري ، وأمرهما أن يبيتاهما ، فبلغ الخبر إليهما ، فوجه طاهر إليهما [ ص: 27 ] مددا ، فاقتتلوا ، فهرب محمد بن سليمان حتى صار إلى قرية شاهي ، وعبر الفرات ، وأخذ علي البرية إلى الأنبار ، ورجع محمد بن حماد إلى بغداد .

وفيها : خلع داود بن عيسى عامل مكة والمدينة محمدا ، وبايع للمأمون ، وأخذ البيعة على الناس ، وكتب بذلك إلى طاهر بن الحسين والمأمون ، وكان السبب في ذلك : أنه لما أخذ الكتابان من الكعبة جمع داود بن عيسى حجبة الكعبة والقرشيين والفقهاء ومن كان شهد ما في الكتابين ، فقال لهم : قد علمتم ما أخذ علينا الرشيد من العهد والميثاق عند بيت الله الحرام ، لنكونن مع المظلوم على الظالم ، وقد رأيتم أن محمدا بدأ بالظلم والغدر والنكث والخلع وخلع أخويه ، وبايع لطفل رضيع لم يفطم ، واستخرج الشرطين من الكعبة عاصيا ظالما فحرقهما بالنار ، وقد رأيت خلعه وأن أبايع للمأمون إذ كان مظلوما .

فقال له أهل مكة : رأينا تبع لرأيك . فوعدهم صلاة الظهر ، وأرسل في فجاج مكة صائحا يصيح : الصلاة جامعة ، وذلك يوم الخميس لسبع وعشرين ليلة خلت من رجب ، فخرج فصلى بالناس الظهر ، وقد وضع له المنبر بين الركن والمقام ، فجلس عليه ، وحمد الله تعالى وصلى على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : يا أهل مكة ، أنتم الأصل ، وإلى قبلكم يأتم المسلمون ، وقد علمتم ما أخذ عليكم الرشيد ، وقد علمنا أن محمدا بدأ بالظلم والبغي ، وقد حل لنا ولكم خلعه وأشهدكم أني خلعت محمد بن هارون من الخلافة كما خلعت قلنسوتي هذه من رأسي . ثم خلعها فرمى بها إلى بعض الخدم تحته ، وأتي بقلنسوة فلبسها ، ثم قال : قد بايعت لعبد الله المأمون ، ألا فقوموا فبايعوه .

فبقوا أياما يبايعونه .

وكتب إلى ابنه سليمان بن داود بن عيسى وهو خليفته على المدينة يأمره [أن ] يفعل كذلك ، فلما رجع جواب البيعة من المدينة إلى داود رحل إلى المأمون فأعلمه بذلك ، فسر المأمون وتيمن ببركة مكة والمدينة ، وكتب لداود عهدا على مكة والمدينة [ ص: 28 ] وأعمالها ، وزيد ولاية عك ، وكتب له إلى الري بمعونة خمسمائة ألف درهم ، وخلع أهل اليمن محمدا وبايعوا للمأمون ، ثم عقد محمد في رجب وشعبان نحوا من أربعمائة لواء لقواد شتى ، وأمر على جميعهم علي بن محمد بن عيسى بن نهيك ، وأمرهم بالسير إلى هرثمة بن أعين ، فساروا فالتقوا في رمضان ، فهزمهم هرثمة ، وأسر علي بن محمد ، فبعث به إلى المأمون ، ونزل هرثمة النهروان .

وفيها : استأمن إلى محمد جماعة من جند طاهر ، ففرق فيهم مالا كثيرا ، وشغب الجند على طاهر ، وكان السبب في ذلك : أن طاهرا أقام بصرصر ، وشمر لمحاربة محمد وأهل بغداد ، فكان لا يأتيه جيش إلا هزمه ، فاشتد على أصحابه ما كان محمد يعطي من الأموال ، ودس محمد إلى رؤساء الجند الكتب بالأطماع ، فخرج من عسكر طاهر نحو من خمسة آلاف رجل من أهل خراسان ومن التف إليهم من الجند ، فسر بهم محمد ، ووعدهم ومناهم ، فمكثوا شهرا ، وقوي أصحابه بالمال ، فخرجوا إلى طاهر ، ثم ولوا منهزمين ، وبلغ الخبر محمدا ، فأخرج المال ، وفرق الصلات ، فراسلهم طاهر ، ووعدهم واستمالهم ، فشغبوا على محمد يوم الأربعاء لست خلون من ذي الحجة .

ثم قدم طاهر فنزل البستان الذي على باب الأنبار يوم الثلاثاء لاثنتي عشرة ليلة من ذي الحجة ، وأكثر لأصحابه العطاء ، وأضعف للقواد ، ونقب أصحاب السجون وخرجوا ، وفتن الناس ، وغلب أهل الفساد ، وقاتل الأخ أخاه .

وحج بالناس في هذه السنة العباس بن موسى بن عيسى من قبل طاهر ، ودعا للمأمون بالخلافة ، فهو أول موسم دعي له بالخلافة بمكة والمدينة . [ ص: 29 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية