الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

1097 - أيوب بن المتوكل المقرئ .

من أهل البصرة ، سمع عبد الرحمن بن مهدي وغيره روى عنه : علي بن المديني ويحيى ، وكان من القراء .

توفي في هذه السنة .

1098 - أبان بن عبد الحميد بن إسحاق بن غفير ، مولى بني رقاش .

من أهل البصرة ، شاعر مطبوع مقدم ، قدم بغداد واتصل بالبرامكة ، وانقطع إليهم ، وعمل لهم كتاب "كليلة ودمنة" شعرا . وله قصائد ومدائح في الرشيد والفضل بن يحيى ، ويقال إن كل كلام نقل إلى شعر فالكلام أفصح منه إلا هذا الكتاب .

أخبرنا أبو منصور القزاز قال : أخبرنا أبو بكر بن ثابت قال : قرأت على الجوهري ، عن أبي عبد الله المرزباني قال : أخبرني محمد بن يحيى قال : حدثنا القاسم بن إسماعيل قال : حدثني محمد بن صالح الهاشمي ، قال : حدثني ابن لعبد الحميد اللاحقي قال : أحب يحيى بن خالد أن يحفظ كتاب "كليلة ودمنة" فاشتد عليه ذلك فقال له أبان بن عبد الحميد : أنا أجعله شعرا ليخف على الوزير حفظه . فنقله إلى قصيدة عملها مزدوجة عدد أبياتها أربعة عشر ألف بيت في ثلاثة أشهر ، فأعطاه يحيى عشرة آلاف دينار ، وأعطاه الفضل خمسة آلاف دينار . وقال له جعفر بن يحيى : ألا ترضى أن أكون راويتك لها ! ولم يعطه شيئا . قال : فتصدق بثلث المال الذي أخذه . وكان أبان حسن السيرة ، حافظا للقرآن ، عالما بالفقه . وقال عند وفاته : أنا أرجو الله وأسأله رحمته ما مضت علي ليلة قط لم أصل فيها تطوعا كثيرا .

وأول قصيدته هذه : [ ص: 88 ]


هذا كتاب أدب ومحنه وهو الذي يدعى كليل دمنه



1099 - معروف بن الفيرزان ، أبو محفوظ ، ويعرف بالكرخي .

نسبة إلى كرخ بغداد ، كان أهله نصارى ، وكان صبيا في المكتب يقول معلمهم :

أب وابن . فيصيح : أحد أحد .

وأسلم ، وروى عن بكر بن حبيس ، والربيع بن صبيح وغيرهما ، وكان من كبار الزاهدين في الدنيا ، والعارفين لله ، والمحبين له ، وكان له كرامات .

وذكر مرة عند أحمد فقيل : هو قليل العلم فقال : وهل يراد من العلم إلا ما وصل إليه معروف ! ؟

وكان سفيان بن عيينة يقول : لا يزال أهل بغداد بخير ما بقي فيهم معروف .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد [القزاز ] قال : أخبرنا [أحمد بن علي بن ثابت ] الخطيب قال : أخبرنا الحسن بن عثمان قال : أخبرنا ابن مالك القطيعي قال : حدثنا العباس بن يوسف قال : حدثني سعيد بن عثمان قال : سمعت محمد بن منصور يقول :

مضيت يوما إلى معروف الكرخي ثم عدت إليه من الغد ، فرأيت في وجهه أثر شجة ، فهبت أن أسأله عنها ، وكان عنده رجل أجرأ مني عليه فقال له : كنا عندك البارحة ومعنا محمد بن منصور ، فلم نر في وجهك هذا الأثر . فقال له معروف : خذ فيما تنتفع به .

فقال له : أسألك بحق الله . فانتفض معروف ثم قال له : وما حاجتك إلى هذا ! ؟ مضيت البارحة إلى بيت الله الحرام ، ثم صرت إلى زمزم ، فشربت منها ، فزلت رجلي ، فنطح الباب وجهي ، فهذا الذي ترى من ذلك . أخبرنا أبو منصور القزاز قال : أخبرنا [أبو بكر بن ثابت ] الخطيب قال : أخبرني [ ص: 89 ] أحمد بن علي التوزي قال : حدثنا الحسين بن الحسن بن العباس قال : حدثني أبو محمد الحسن بن عثمان بن عبد الله البزار قال : حدثني أبو بكر بن الزيات قال :

سمعت ابن شيرويه يقول : كنت أجالس معروفا الكرخي كثيرا ، فلما كان ذات يوم رأيت وجهه قد خلا ، فقلت له : يا أبا محفوظ ، بلغني أنك تمشي على الماء . فقال لي :

ما مشيت قط على الماء ، ولكن إذا هممت بالعبور جمع لي طرفاها فأتخطاها .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال : أخبرنا أحمد بن علي قال : أخبرنا أبو محمد الخلال قال : حدثنا عبد الواحد بن علي الفامي قال : أخبرنا عبد الله بن سليمان الوراق قال : حدثنا محمد بن أبي هارون قال : حدثنا محمد بن المبارك قال : حدثنا محمد بن صبيح قال : مر معروف على سقاء يسقي الماء وهو يقول : رحم الله من شرب .

فشرب - وكان صائما - فقال : لعل الله أن يستجيب له .

[قال المؤلف : ] توفي معروف في سنة مائتين ويقال : في سنة أربع ومائتين والأول أصح . وقد جمعت أخباره في كتاب مفرد ، فلم أطل هاهنا [بالتكرار ] .

1100 - وهب بن وهب بن كثير بن عبد الله بن زمعة بن عبد المطلب بن أسد بن عبد العزى ، أبو البختري ، القرشي .

حدث عن هشام بن عروة ، وجعفر بن محمد ، وابن جريج ، وانتقل عن المدينة إلى بغداد ، فولاه الرشيد القضاء بعسكر المهدي ، ثم عزله فولاه مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، [ ص: 90 ] وجعل إليه صلاتها وقضاءها وحربها . وكان جوادا ، يعتذر إلى من يعطيه وإن كثر عطاؤه .

فقال مادحه :


هلا فعلت - هداك المليك      - فينا كفعل أبي البختري
تتبع إخوانه في البلاد     فأغنى المقل عن المكثر

إلا أنه كان يضع الحديث ويسهر الليل في وضعه .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال : أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال : أخبرنا القاضي أبو الطيب الطبري قال : أخبرنا المعافى بن زكريا قال : حدثنا محمد بن يحيى الصولي قال : حدثنا وكيع قال : حدثنا محمد بن الحسين بن مسعود الزرقي قال : حدثنا عثمان بن عثمان قال : حدثنا أبو سعيد العقيلي قال : لما قدم الرشيد المدينة أعظم أن يترقأ منبر النبي صلى الله عليه وسلم في قباء أسود ومنطقة فقال أبو البختري حدثنا جعفر بن محمد ، عن أبيه قال : نزل جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم وعليه قباء ومنطقة مخنجرا فيها بخنجر ، فقال المعافى التيمي هذه الأبيات :


ويل وعول لأبي البختري     إذا توافى الناس في المحشر
من قوله الزور وإعلانه     بالكذب في الناس على جعفر
والله ما خليت ساعة     للفقه في بدو ولا محضر
ولا رآه الناس في دهره     يمر بين القبر والمنبر
قاتل الله أبا وهب لقد     أعلن بالزور وبالمنكر
يزعم أن المصطفى أحمدا     أتاه جبريل التقي البري
عليه خف وقباء أسود     مخنجرا في الحقو بالخنجر .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال : أخبرنا أحمد بن [علي ] بن ثابت قال : [ ص: 91 ]

أخبرنا التنوخي قال : أخبرنا طلحة بن محمد بن جعفر قال : حدثني عمر بن الحسن الأشناني قال :

حدثنا جعفر الطيالسي ، عن يحيى بن معين : أنه وقف على حلقة أبي البختري ، فإذا هو يحدث بهذا الحديث : عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جابر . فقال له :

كذبت يا عدو الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : فأخذني الشرط ، فقلت : هذا يزعم أن رسول رب العالمين نزل على النبي صلى الله عليه وسلم وعليه قباء . قال : فقالوا لي : هذا قاض كذاب فأفرجوا عني .

توفي أبو البختري ببغداد في هذه السنة . [ ص: 92 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية