الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

1082 - سفيان بن عيينة بن أبي عمران بن محمد ، مولى لبني هاشم بن رؤبة . وقيل : مولى محمد بن مزاحم الهلالي .

ولد بالكوفة سنة سبع ومائة ، وكان أبوه من عمال خالد القسري ، فلما عزل خالد عن العراق وولي يوسف بن عمر طلب عمال خالد فهربوا منه ، وهرب عيينة فسكن مكة .

وكان لسفيان تسعة إخوة ، حدث منهم أربعة : محمد ، وآدم ، وعمران ، وإبراهيم ، وكان سفيان مقدما على الكل .

وقال أبو أحمد محمد بن أحمد النيسابوري الحافظ : كان بنو عيينة عشرة خزازين ، حدث منهم خمسة - فذكرهم - وأخوال بني عيينة : بنو بني المتئد ، حدث منهم يوسف ويعقوب ونعيم بن يعقوب بن المتئد ، وأدرك سفيان ستة وثمانين نفسا من التابعين .

وروى عنه من الكبار الأعمش ، والثوري ، وشعبة ، وابن المبارك ، ووكيع ، وابن مهدي ، والشافعي ، وأحمد ، ويحيى ، وكتب عن سفيان بن عيينة وهو ابن خمسة وثلاثين سنة قبل موت الأعمش بخمس سنين ، وحدث في مجلس الأعمش .

أخبرنا محمد بن ناصر قال : أخبرنا محمد بن ميمون قال : أخبرنا عبد العزيز بن أحمد النصيبي قال : حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن الليث الدينوري قال : [ ص: 67 ]

حدثني الليث بن عبيد الله قال : حدثني أبو الميمون محمد بن عبد الله قال : حدثنا زكريا بن يحيى بن عبيد العطار قال : حدثنا إبراهيم بن ازداد الرافقي قال : قال لي سفيان بن عيينة : لما بلغت خمس عشرة سنة دعاني أبي فقال لي : يا سفيان ، قد انقطعت عنك شرائع الصب [من الخير ] ، فاحتفظ من الخير تكن من أهله ، لا يغرنك من اغتر بالله فمدحك بما تعلم خلافه منك ، فإنه ما من أحد يقول في أحد من الخير إذا رضي إلا وهو يقول فيه من الشر مثلي ذلك إذا سخط ، فاستأنس بالوحدة من جلساء السوء ، ولا تنقل أحسن ظني بك إلى غير ذلك ، ولن يسعد بالعلماء إلا من أطاعهم . قال سفيان : فجعلت وصية أبي قبلة أميل معها ولا أميل عنها .

أنبأنا علي بن محمد بن أبي عمر ، عن أبي طاهر أحمد بن الحسن الباقلاوي ، عن أبي العلاء محمد بن علي بن يعقوب ، عن عبد الله بن موسى السلامي قال : سمعت عمار بن علي اللوزي يقول : سمعت أحمد بن النضر الهلالي يقول : سمعت أبي يقول : كنت في مجلس سفيان بن عيينة ، فنظر إلى صبي دخل المسجد فتهاونوا به لصغر سنه ، فقال سفيان : كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم ثم قال : يا نصر ، لو رأيتني ولي عشر سنين طولي خمسة أشبار ، ووجهي كالدينار ، وأنا كشعلة نار ، ثيابي صغار ، وأكمامي قصار ، وذيلي بمقدار ، ونعلي كآذان الفار ، أختلف إلي علماء الأمصار ، مثل الزهري وعمرو بن دينار ، أجلس بينهم كالمسمار ، محبرتي كالجوزة ، ومقلمتي كالموزة ، وقلمي كاللوزة ، فإذا دخلت المجلس قالوا : أوسعوا للشيخ ، ثم تبسم ابن عيينة وضحك .

أخبرنا محمد بن عبد الله بن حبيب قال : أخبرنا علي بن أبي صادق قال : أخبرنا ابن باكويه قال : حدثنا عبد الواحد بن بكر قال : حدثني القاسم بن الحسن السامري قال : حدثني العباس بن يوسف الشكلي قال : حدثنا بشر بن مطر قال : كنا على باب [ ص: 68 ] سفيان بن عيينة فجاءت طائفة فدخلوا ، وطائفة أخرى فدخلوا ، فصحنا وقلنا : يجيء أصحاب الدراهم والدنانير فيدخلون ونحن الفقراء وأبناء السبيل نمنع الدخول ! ؟ فخرج إلينا وهو يبكي فقال لنا : أصبتم مقالا ، فقولوا هل رأيتم صاحب عيال أفلح ؟ ثم قال :

أعلمكم أني كنت أوتيت فهم القرآن ، فلما أخذت مال أبي جعفر منعت .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال : أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال : أخبرنا محمد بن عبد الله بن أحمد بن شهريار قال : أخبرنا سليمان بن أحمد الطبراني قال :

حدثنا أبو بكر بن أحمد بن عبد الله الطرسوسي قال : سمعت حامد بن يحيى البلخي يقول : سمعت سفيان بن عيينة يقول : رأيت كأن أسناني كلها سقطت ، فذكرت ذلك للزهري فقال : يموت أصحابك وتبقى [أنت ] وحدك . فمات أصحابي وبقيت .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال : أخبرنا أحمد بن علي قال : أخبرنا علي بن الحسن بن محمد الدقاق قال : حدثنا محمد بن إسماعيل الوراق قال : حدثنا ابن صاعد قال : حدثنا أبو بكر الأثرم قال : سمعت أحمد بن حنبل - وذكر سفيان بن عيينة - قال : ما رأينا مثله .

أخبرنا عبد الرحمن قال : أخبرنا أحمد بن علي قال : أخبرنا علي بن محمد المعدل قال : أخبرنا ابن صفوان قال : أخبرنا ابن أبي الدنيا قال : أخبرنا محمد بن سعد قال : أخبرني الحسن بن عمران بن عيينة أن سفيان قال [له ] بجمع آخر حجة [ ص: 69 ] حجها : قد وافيت هذا الموضع سبعين مرة ، أقول في كل سنة : اللهم لا تجعله آخر العهد من هذا المكان ، وقد استحييت من الله من كثرة ما أسأله ذلك .

فرجع فتوفي في السنة الداخلة .

قال ابن سعد : وقال الواقدي أخبرني سفيان أنه ولد سنة سبع ومائة ، ومات أول يوم من رجب سنة ثمان وتسعين ومائة ، ودفن بالحجون وقيل : في آخر يوم من جمادى الآخرة .

1083 - عبد الرحمن بن مهدي بن حسان بن عبد الرحمن ، أبو سعيد العنبري .

ولد سنة خمس وثلاثين ومائة . سمع سفيان الثوري ، ومالكا ، وشعبة ، والحمادين ، وخلقا كثيرا .

روى عنه : ابن المبارك ، وابن المديني ، وأحمد بن حنبل ، ويحيى ، وغيرهم .

وكان من كبار العلماء ، وأحد المذكورين بالحفظ والفقه ، وكان شديد الحب لحفظ الحديث .

فأخبرنا أبو منصور القزاز قال : أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي قال : أخبرنا حمزة بن محمد بن طاهر قال : أخبرنا الوليد بن بكر الأندلسي قال : حدثنا علي بن أحمد بن زكريا الهاشمي قال : حدثنا صالح بن أحمد بن عبد الله العجلي قال : حدثني أبي وذكر عبد الرحمن بن مهدي - قال : قال له رجل : أيما أحب إليك يغفر الله لك ذنبا ، أو تحفظ حديثا ؟ قال : أحفظ حديثا .

وقال أحمد بن حنبل : إذا حدث عبد الرحمن عن رجل فهو حجة .

وقال ابن المديني : كان عبد الرحمن أعلم الناس ، ولو أني أخذت فخلفت بين الركن والمقام لحلفت بالله أني لم أر أحدا قط أعلم بالحديث من عبد الرحمن بن مهدي . [ ص: 70 ]

وقال محمد بن يحيى : ما رأيت في يد عبد الرحمن كتابا قط ، وكل ما سمعته منه سمعته حفظا .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال : أخبرنا أحمد بن ثابت قال : أخبرني محمد بن عبد الملك القرشي قال : حدثنا علي بن عمر الحافظ قال : أخبرنا أبو عبد الله أحمد بن علي بن العلاء قال : أخبرنا أبو إسحاق إسماعيل بن الصلت بن أبي مريم قال : حدثنا علي بن المديني قال : كان عبد الرحمن بن مهدي يختم في كل ليلتين ، وكان ورده في كل ليلة نصف القرآن .

قال ابن المديني : توفي عبد الرحمن سنة ثمان وتسعين ، وهو ابن ثلاث وستين سنة .

1084 - عمرو بن الهيثم بن قطن بن كعب ، أبو قطن القطعي البصري .

قدم بغداد وحدث بها عن شعبة ، وهشام الدستوائي . وروى عنه أحمد ، ويحيى ، وقال : هو ثقة .

وتوفي في شعبان هذه السنة .

1085 - محمد الأمين .

[قال مؤلف الكتاب ] : قد ذكرنا كيفية قتله في الحوادث ، وقتل لست بقين من المحرم سنة ثمان وأربعين ومائة ، وكان عمره ثلاثة وثلاثين . وقيل : ثمانية وعشرين .

وكانت خلافته مع زمان الفتنة أربع سنين وثمانية أشهر وخمسة أيام . وقيل : وسبعة أشهر وثمانية أيام . وقيل : وستة أشهر وأربعة وعشرين يوما .

وكان قد تزوج لبابة بنت المهدي ، ولم يدخل بها فقالت حين قتل ترثيه :


أبكيك لا للنعيم والأنس بل للمعالي والرمح والفرس [ ص: 71 ]     أبكي على هالك فجعت به
أرملني قبل ليلة العرس

وقيل : إن هذا لابنه عيسى وكانت مملكة بمحمد .

1086 - محمد بن مناذر الشاعر ، يكنى أبا ذريح . وقيل : أبا جعفر . وقيل : أبا عبد الله .

كان مولى سليمان القهرماني ، وكان سليمان مولى عبيد الله بن أبي بكرة . سمع محمدا ، وشعبة ، وسفيان بن عيينة وغيرهم . وكان شاعرا فصيحا ، ومدح المهدي ، وكان عالما باللغة .

قال الثوري : سألت أبا عبيدة عن اليوم الثاني من النحر ، ما كانت العرب تسميه ؟

فقال : لا أعلم ، فلقيت ابن مناذر فأخبرته فقال : أسقط مثل هذا على أبي عبيدة ، وهي أربعة أيام متواليات ، كلها على حرف الراء ، الأول : يوم النحر ، والثاني : يوم الفر ، والثالث : يوم النفر ، والرابع : يوم الصدر . فلقيت أبا عبيدة فحدثته ، فكتبه عني عن محمد بن مناذر .

وكان محمد بن مناذر يتعبد ويتنسك ، ويلازم المسجد ، ثم هوى عبد المجيد بن عبد الوهاب الثقفي فتهتك ، وعدل عن التنسك ، وأظهر الخلاعة ، وكان عبد المجيد من أحسن الناس وجها وأدبا ولباسا ، وكان يحب ابن مناذر أيضا فتزوج عبد المجيد امرأة ، وأولم عليها شهرا ، يجتمع عنده أهل البصرة ، فصعد ذات يوم إلى السطح فرأى طنبا من أطناب الستارة قد انحل ، فأكب عليه يشده ، فتردى على رأسه ومات من سقطته ، فما رأيت مصيبة أعظم من مصيبته ، ورثاه ابن مناذر فقال :


إن عبد المجيد يوم تولى     هد ركنا ما كان بالمهدود
ما درى نعشه ولا حاملوه     ما على النعش من عفاف وجود

قال يحيى بن معين : كان ابن مناذر صاحب شعر ، لا صاحب حديث ، وكان يتعشق ابن عبد الوهاب ، ويقول فيه الشعر ، وتشبب بنساء ثقيف فطردوه من البصرة ، [ ص: 72 ] فخرج إلى مكة ، فكان يرسل العقارب في المسجد الحرام حتى يلسعن الناس ويصب المداد بالليل في المواضع التي يتوضأ الناس منها حتى تسود وجوههم لا يروي عنه رجل فيه خير .

1087 - يحيى بن سعيد بن فروخ ، أبو سعيد القطان الأحول .

ولد سنة عشر ومائة . سمع هشام بن عروة ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ، والأعمش ، وسفيان ، وغيرهم .

روى عنه : ابن مهدي ، وعفان ، وأحمد ، وعلي ، ويحيى ، وغيرهم .

وقال علي : لم أر أحدا أثبت من يحيى بن سعيد ، ولا أعلم بالرجال .

وقال أحمد : ما رأت عيناي مثله ، لا والله ما أدركنا مثله ، ما كان أضبطه وأشد تفقده .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال : أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال : قرأت على الحسن بن أبي بكر ، عن أحمد بن كامل القاضي قال : حدثني الحسن بن الحباب قال : حدثنا سليمان بن الأشعث قال : سمعت يحيى بن معين يقول : أقام يحيى بن سعيد عشرين سنة يختم القرآن في كل ليلة ، ولم يفته المسجد أربعين سنة ، وما رئي يطلب جماعة قط .

توفي يحيى بن سعيد في صفر هذه السنة . [ ص: 73 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية