الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ومن الحوادث في هذه السنة : هرب أبي السرايا من الكوفة ، ودخول هرثمة

[ ص: 83 ]

إليها ، وكانت هزيمته بمن معه من الطالبيين ليلة الأحد لأربع عشرة بقيت من المحرم سنة مائتين حتى أتوا القادسية ، ودخل منصور بن المهدي وهرثمة الكوفة صبيحة تلك الليلة ، وأمنوا أهلها ، ولم يعرضوا لأحد منهم ، فأقاموا بها يومهم إلى العصر ، ثم رجعوا إلى معسكرهم ، وخلفوا بها رجلا منهم يقال له : غسان بن [أبي ] الفرج .

ثم إن أبا السرايا خرج من القادسية هو ومن معه ، حتى أتوا ناحية واسط ، وكان بواسط علي بن أبي سعيد وأصحابه ، وكانت البصرة بيد العلويين بعد ، فجاء أبو السرايا حتى عبر دجلة أسفل واسط ، فوجد مالا كان قد حمل من الأهواز ، فأخذه ، ثم مضى إلى السوس ، فنزل بمن معه ، فأقام أربعة أيام ، وخرق على أصحابه مالا . فلما كان في اليوم الرابع أتاهم الحسن بن علي الباذغيسي ، فأرسل إليهم : اذهبوا حيث شئتم ، فلا حاجة لي في قتالكم ، وإذا خرجتم من عملي فلست أتبعكم . فأبى أبو السرايا إلا قتاله ، فقاتلهم فهزمهم الحسن ، واستباح عسكرهم وهرب أبو السرايا ، فلحق ، فأتي به الحسن بن سهل فضرب عنقه يوم الخميس لعشر خلون من ربيع الأول ، وطيف برأسه في المعسكر ، وبعث بجسده إلى بغداد ، فصلب بصفين على الجسرين ، فكان من زمن خروجه إلى وقت مقتله عشرة أشهر ، والذي كان بالبصرة من الطالبيين زيد بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن أبي طالب الذي يقال له : زيد النار - وإنما قيل له ذلك لكثرة ما حرق من دور بني العباس وأتباعهم بالبصرة - فتوجه إليه علي بن سعيد فأخذه أسيرا فحبسه ، وقيل : إنه طلب منه الأمان فأمنه .

وفي هذه السنة : خرج إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي باليمن ، وذلك أنه كان بمكة ، فلما بلغه خبر أبي السرايا والطالبيين بالعراق خرج باليمن في جماعة من أهل بيته ، ووالي اليمن المقيم بها من قبل المأمون إسحاق بن موسى العلوي وقربه من صنعاء ، وخرج منصرفا عن اليمن بعسكره وخلى اليمن لإبراهيم بن موسى ، وكره قتاله ، وذهب نحو مكة ، فلما أراد دخولها منعه من بها من العلويين ، وكان

[ ص: 84 ]

[يقال ] : لإبراهيم بن موسى الجزار لكثرة من قتل باليمن من الناس وسبى ، وأخذ من الأموال .

وفي هذه السنة : وجه بعض ولد عقيل بن أبي طالب من اليمن في جند كثيف ليحج بالناس ، فحورب العقيلي وهزم ، ولم يقدر على دخول مكة ، ومرت به قافلة من الحاج والتجار ، وفيها كسوة الكعبة وطيبها ، فانتهب ذلك ، وكان على الموسم أبو إسحاق بن الرشيد ، فبعث إليه من قتل من أصحابه وهرب الباقون . وفيها : بويع لمحمد بن جعفر بن محمد بن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب ، وذلك أن حسين بن حسن الذي حكينا عنه ما فعل بمكة عن أمر أبي السرايا لما تغير الناس له لسوء سيرته ، وبلغه أن أبا السرايا قد قتل ، وأنه قد طرد من كان بالكوفة والبصرة وكور العراق من الطالبيين ، ورجعت الولاية بها لولد العباس ، اجتمعوا إلى محمد بن جعفر بن محمد بن علي - وكان شيخا محببا في الناس ، حسن السيرة ، يروي العلم والناس يكتبون عنه ، ويظهر زهدا وسمتا - فقالوا له : قد نعلم حالك في الناس ، فأبرز شخصك نبايع لك بالخلافة ، فإنك إن فعلت ذلك لم يختلف عليك اثنان ، فأبى عليهم ، فلم يزل ابنه به وحسين بن حسن الأفطس ، حتى غلباه على رأيه ، فأجابهم ، فأقاموه بعد صلاة الجمعة لثلاث خلون من ربيع الآخر ، فبايعوه بالخلافة ، وحشروا إليه الناس من أهل مكة والمجاورين ، فبايعوه طوعا وكرها ، فأقام كذلك أشهرا ، وليس له من الأمر سوى الاسم .

ثم أقبل إسحاق بن موسى بن عيسى العباسي من اليمن ، فاجتمع العلويون إلى محمد بن جعفر ، فقالوا له : هذا إسحاق بن موسى قد أقبل في الخيل والرحل ، وقد رأينا أن نخندق على مكة ونحاربه . فقاتلوه أياما ، ثم كره إسحاق القتال فرجع ، ثم رد عليهم ، [ ص: 85 ] وكانت الهزيمة على محمد بن جعفر وأصحابه ، فطلب محمد الأمان حتى يخرج من مكة فأمنوه .

ودخل إسحاق في جمادى الآخرة ، وتفرق الطالبيون كل قوم في ناحية ، ومضى محمد بن جعفر بجمع الجموع ، وجاء إلى والي المدينة فخاصمه ، فهزم محمد ، وفقئت عينه ، وقتل من أصحابه خلق كثير .

ثم رده قوم من الولاة إلى مكة ، وضمنوا له الأمان ، فرقا المنبر بمكة وقال : إنه بلغني أن المأمون مات ، فدعاني الناس إلى أن يبايعوا لي ، وقد صح عندي أنه حي ، وأنا أستغفر الله مما دعوتكم إليه من البيعة ، وقد خلعت نفسي من البيعة . فخرج به عيسى بن يزيد إلى الحسن بن سهل ، فبعث بن الحسن إلى المأمون .

وفي هذه السنة : خالف علي بن أبي سعيد الحسن بن سهل ، فبعث المأمون بسراج الخادم وقال له : إن وضع يده في يد الحسن أو يشخص إلينا ، وإلا فأضرب عنقه .

فشخص إلى المأمون .

التالي السابق


الخدمات العلمية