الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

1063 - سلم بن سالم ، أبو محمد - وقيل : أبو عبد الرحمن - البلخي .

قدم بغداد ، وحدث عن إبراهيم بن طهمان ، [و ] الثوري . روى عنه :

الحسن بن عرفة .

وكان مذكورا بالعبادة والزهد ، مكث أربعين سنة لم ير له فراش ، ولم ير مفطرا إلا يوم فطر أو أضحى ، وما رفع رأسه إلى السماء أكثر من أربعين سنة . وكان داعيا في الإرجاء ، وكان صارما في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فدخل بغداد ، فشنع على الرشيد ، فأخذه وحبسه وقيده باثني عشر قيدا ، فشنع عليه أبو معاوية الضرير حتى بقيت أربعة ، وكان يدعو في حبسه ويقول : اللهم لا تجعل موتي في [ ص: 9 ] حبسه ، ولا تمتني حتى ألقى أهلي . فمات الرشيد فخلت عنه زبيدة ، فخرج إلى الحج فوافى أهله بمكة قدموا حجاجا ، فمرض فاشتهى البرد ، فجمعوا [له ] فأكل ومات . وذلك في [ذي ] الحجة من هذه السنة .

وقد اتفق المحدثون على تضعيف رواياته .

1064 - عبد الوهاب بن عبد المجيد بن الصلت بن محمد الثقفي البصري .

ولد سنة ثمان ومائة - وقيل : سنة عشر - وسمع أيوب السجستاني ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ، وخالدا الحداد وغيرهم .

روى عنه : الشافعي ، وأحمد ، وابن راهويه ، ويحيى ، وغيرهم . وكان ثقة ، إلا أنه اختلط في آخر عمره .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد ، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت ، أخبرنا يحيى بن علي بن الطيب الدسكري قال : سمعت أبا محمد الحسن بن أحمد بن سعيد بن عصمة يقول : سمعت الفضيل بن العباس الهروي يقول : سمعت عاصما المروزي يقول :

سمعت عمرو بن علي يقول : كانت غلة عبد الوهاب بن عبد المجيد في كل سنة ما بين أربعين ألفا إلى خمسين ألفا ، فكان إذا أتت عليه السنة ينفقها على أصحاب الحديث ، فلم يبق منها شيء .

توفي عبد الوهاب في هذه السنة ، وهو ابن أربع وثمانين سنة .

1065 - أبو نصر الجهيني المصاب .

أنبأنا ابن ناصر الحافظ ، أنبأنا المبارك بن عبد الجبار ، أنبأنا أحمد بن علي بن ثابت ، أنبأنا أبو الحسن بن رزقويه ، أنبأنا عثمان بن أحمد الدقاق ، أنبأنا العباس بن مسروق ، أنبأنا أبو عبد الرحمن محمد بن عبد الرحمن الأشهلي قال : سمعت محمد بن

[ ص: 10 ]

إسماعيل بن أبي فديك
قال : كان عندنا رجل يكنى أبا نصر من جهينة ، ذاهب العقل ، في غير ما الناس فيه ، لا يتكلم حتى يكلم ، وكان يجلس مع أهل الصفة في آخر مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان إذا سئل عن شيء أجاب فيه جوابا حسنا مغربا ، فأتيته يوما وهو في مؤخر المسجد مع أهل الصفة ، منكسا رأسه ، واضعا جبهته بين ركبتيه ، فجلست إلى جنبه ، فحركته فانتبه فزعا ، فأعطيته شيئا كان معي ، فأخذه فقال : قد صادف منا حاجة ، فقلت له : يا أبا نصر ، ما الشرف ؟ قال : حمل ما ناب العشيرة ، أدناها وأقصاها ، والقبول من محسنها ، والتجاوز عن مسيئها . قلت له : فما السخاء ؟ قال :

جهد مقل . قلت : فما البخل ؟ قال : أف ، وحول وجهه عني . قلت : تجيبني ؟ قال :

أجبتك .

وقدم علينا هارون الرشيد فأخلي له المسجد ، فوقف على قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى منبره ، وفي موقف جبريل عليه السلام ، واعتنق أسطوانة النبوة ، ثم قال : قفوا بي على أهل الصفة . فلما أتاهم حرك أبو نصر وقيل : هو أمير المؤمنين . فرفع رأسه وقال :

أيها الرجل ، إنه ليس بين عباد الله وأمة نبيه ورعيتك وبين الله خلق غيرك ، وإن الله سائلك عنهم ، فأعد للمسألة جوابا ، وقد قال عمر بن الخطاب : لو ضاعت سخلة على شاطئ الفرات لخاف عمر أن يسأله الله عنها . فبكى هارون وقال : يا أبا نصر ، إن رعيتي غير رعية عمر ، ودهري غير دهر عمر . فقال له : هذا والله غير مغن عنك ، فانظر لنفسك ، فإنك وعمر تسألان عما خولكما الله . فدعا هارون بصرة فيها ثلاثمائة دينار ، فقال : ادفعوها إلى أبي نصر ، فقال أبو نصر : ما أنا إلا رجل من أهل الصفة ، فادفعوها إلى فلان يفرقها عليهم ويجعلني كرجل منهم .

وكان أبو نصر يخرج كل يوم جمعة صلاة الغداة ، فيدخل السوق مما يلي الثنية ، فلا يزال يقف على مربعة مربعة ويقول : أيها الناس ، اتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة ، إن العبد إذا مات صحبه أهله وماله وعمله ، فإذا وضع في قبره رجع أهله وماله وبقي عمله ، فاختاروا لأنفسكم ما يؤنسكم في قبوركم رحمكم الله . فلا يزال يعمل ذلك في مربعة مربعة حتى يأتي مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم يصلي الجمعة ، فلا يخرج من المسجد حتى يصلي العشاء الآخرة . [ ص: 11 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية