ثم دخلت سنة سبع وعشرين ومائة 
فمن الحوادث فيها مسير مروان بن محمد  إلى الشام .  وقد ذكرنا أنه خرج بعد مقتل  الوليد بن يزيد  مظهرا أنه ثائر بالوليد  منكر لقتله ، ثم لما كاتبه يزيد  عاد فبايع له ، وبعث بذلك جماعة من وجوه الجزيرة  منهم محمد بن علاثة ،  فأتاه موت يزيد ،  فأرسل إلى  ابن علاثة  فردهم من منبج ،  وشخص إلى  إبراهيم بن الوليد ،  فلما انتهى إلى قنسرين  دعا الناس إلى مبايعته ، ثم توجه إلى حمص ،  وكانوا قد امتنعوا حين مات يزيد  أن يبايعوا إبراهيم ،  فوجه إبراهيم  لهم عبد العزيز  في جند أهل دمشق ،  فحاصرهم في مدينتهم ، وأغذ مروان  السير ، فلما دنا من مدينة حمص  رحل عبد العزيز  عنهم ، وخرجوا إلى مروان  فبايعوه وساروا معه . 
ووجه  إبراهيم بن الوليد  مع سليمان بن هشام  عشرين ومائة ألف ، فلقيهم مروان  في نحو من ثمانين ألفا ، فاقتتلوا . وبعث مروان  أقواما فقطعوا الشجر وعقدوا على نهر هناك جسورا ، فعبروا إلى عسكر سليمان  من ورائهم ، فلم يشعروا إلا بالخيل فانهزموا ، وقتل منهم نحو من ثمانية عشر ألفا . 
وفي هذه السنة: دعا عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب  إلى نفسه بالكوفة ،  وحارب بها عبد الله بن عمر بن عبد العزيز ،  فهزمه عبد الله [بن  [ ص: 258 ] عمر] ،  فلحق بالجبال فغلب عليها . وكان خروجه في محرم سنة سبع وعشرين . 
وكان سبب خروجه أنه قدم إلى الكوفة  زائرا لعبد الله بن عمر  يلتمس صلته ولا يريد خروجا ، فتزوج ابنة حاتم بن الشرقي ،  فلما وقعت العصبية ، وكان سببها أن عبد الله  أعطى قوما ومنع قوما فاختصموا ، فقال أهل الكوفة  لعبد الله:  ادع إلى نفسك ، فبنو هاشم  أولى بالأمر من بني مروان ،  فدعا سرا بالكوفة  وبايعه ابن ضمرة الخزاعي ،  فدس إليه  ابن عمر  فأرضاه ، فأرسل إليه: إذا التقينا انهزمت بالناس ، فقيل لابن عمر:  قد جاء ابن معاوية ،  فأخرج مالا وخرج فأمر مناديا ينادي: من جاء برأس فله خمسمائة ، فأتى رجل برأس فأعطي خمسمائة ، فلما رأى أصحابه الوفاء ثاروا بالقوم فإذا خمسمائة رأس ، فانكشف أمر ابن معاوية ،  وانهزم ابن ضمرة  فلم يبق مع ابن معاوية  أحد ، فخرج إلى المدائن  فبايعوه ، وأتاه قوم من أهل الكوفة ،  ثم خرج [إلى المدائن]  فغلب على حلوان  والجبال  وهمدان  وقومس  وأصبهان  والري .  
وفي هذه السنة: وافى الحارث بن شريح  مرو ،  وجاء إليها من بلاد الترك  بالأمان الذي كتب له  يزيد بن الوليد ،  فصار إلى نصر  ثم حالفه وبايعه على ذلك جمع كبير ، وكان قدم مرو  لثلاث بقين من جمادى الآخرة ، سنة سبع وعشرين ، فتلقاه نصر  وأجرى عليه نزلا كل يوم خمسين درهما ، وأطلق نصر  من كان عنده من أهله ، وبعث إليه بفرس وفرش ، فباع ذلك وقسمه في أصحابه ، وكان يجلس على برذعة ، وتثنى له وسادة غليظة ، وعرض عليه نصر  أن يوليه ويعطيه مائة ألف فلم يقبل ، وقال: 
لست من أهل اللذات ، إنما أسألك كتاب الله والعمل بالسنة فإن فعلت ساعدتك ، وإني خرجت من هذا البلد منذ ثلاث عشرة سنة إنكارا للجور ، وأنت تريدني عليه ، فانضم إلى الحارث  ثلاثة آلاف . 
 [ ص: 259 ] 
وفي هذه السنة: بويع لمروان بن محمد بن مروان  بالخلافة بدمشق .   
وذلك أنه لما قيل: قد دخلت خيل مروان  دمشق  هرب  إبراهيم بن الوليد  ونهب بيت المال ، وثار موالي  الوليد بن يزيد ،  فقتلوا عبد العزيز بن الحجاج ،  ونبشوا قبر  يزيد بن الوليد  وصلبوه على باب الجابية ،  ودخل مروان  دمشق ،  فبايعوه واستوت له الشام  وانصرف ، فنزل حران ،  وطلب الأمان منه  إبراهيم بن الوليد  وسليمان بن هشام  فأمنهما ، وخلع إبراهيم  في ربيع الآخر من هذه السنة ، وكان مكثه أربعة أشهر ، وقيل: أربعين ليلة . 
 [ ص: 260 ] 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					