(باب ذكر) الغاصب يؤاجر ما اغتصب
قال واختلفوا في الرجل يغصب من رجل دابة (فأجرها) فأصاب من غلتها، أو غصب عبدا فأصاب من غلته، لمن تكون الغلة؟ فقال أصحاب الرأي: تكون الغلة للغاصب، وعليه أن يتصدق به، لأن الدابة والعبد كانا في ضمانه، فإن تلف العبد أو الدابة من عمل الغاصب ضمن قيمتها، وإذا ضمن القيمة استعان بالغلة في القيمة، فإن فضل عنه شيء تصدق به. و[قالوا] : إن لم يمت العبد أو الدابة، ولكنه باعه فأخذ ثمنه فاستهلكه فمات عند المشتري، وضمن رب الجارية، أو رب العبد المشتري القيمة، رجع الغاصب على المشتري بالثمن، ويستعين الغاصب بالغلة في أداء الثمن إن لم يكن عنده وفاء، فإن استعان بالغلة في أداء الثمن، ثم أصاب بعد ذلك مالا تصدق بمثله [ ص: 55 ] إن كان استهلك يوم استهلك، وهو غني عن ذلك، وإن كان استهلكه يوم استهلكه وهو محتاج، لم يكن عليه أن يتصدق بشيء من ذلك . أبو بكر:
قال وفي قول أبو بكر: الشافعي إن أجره الغاصب فأجرته فاسدة، لأنه أجر ما لم يملك، وعلى الغاصب كراء المثل في المدة التي أقامت الدابة أو العبد غائبا عن صاحبهما، وهو ضامن لقيمته إن (تلف) ، والذي قاله أصحاب الرأي يفسد من وجوه، لأنهم قالوا: الأجرة للغاصب، فحكموا له بأجرة شيء لا يملكه، وإنما ملك الله المالكين ما حرموا من الملك له، وأثبتوا الملك لمن لا يملك، ثم نقضوا ما جعلوه له، فأوجبوا عليه أن يتصدق بالشيء، والشيء الذي أمروه أن يتصدق به لا يخلو من أحد معنيين: إما أن يكون [للغاصب] فليس عليه أن يتصدق بما لا يريد الصدقة به من ماله، أو يكون ذلك لرب الدابة أو العبد ولا يسع الغاصب أن يتصدق بما لا يملك، ثم زعموا ما هو أعجب مما ذكرناه، قالوا: إن (أتلف) الغاصب الدابة فعليه قيمتها وجعلوا [له] أن يعطي الغلة التي أوجبوها للمساكين في القيمة، ثم حكموا حكما آخر من عند أنفسهم فقالوا: إن استعان بالغلة في (أداء) الثمن، ثم أصاب بعد [ ص: 56 ] ذلك مالا تصدق بمثله إن كان استهلك يوم استهلك وهو غني عن ذلك، وإن كان استهلكه (يوم استهلكه) وهو محتاج لم يكن عليه أن يتصدق بشيء من ذلك، وهذه شروط وأحكام واستحسانات وضعوها لأنفسهم تحكما، هكذا لا يرجعون في شيء مما ذكرناه إلى حجة، ولا يذكرونها في شيء من كتبهم ما يحتاج هذا القول إلى شيء من الإدخال غير حكايتها، فإن حكايتها تدل على (تناقضها) . وأبي ثور:
ولا يجوز (قبول) مثل هذا إلا ممن فرض الله طاعته، ولا يظن ظان (أن) في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الغلة بالضمان" حجة لهذا القائل، لأن في بعض الأخبار (أن) رجلا ابتاع عبدا فاستغله، ثم ظهر على (عيبه) فقضى له رسول الله صلى الله عليه وسلم [يرده] بالعيب. وقال المقضي (عليه:) قد تغله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الغلة بالضمان" .
وإذا كان هكذا فالعبد الذي حكم لمن في يديه بغلته ملك له [ ص: 57 ] أو أعتقه جاز عتقه، وله استخدامه وبيعه وهبته والصدقة [به] فإذا كان هكذا فله غلته، لأنه ملك له، والغاصب ظالم متعد لا ملك له، وليس له أن يعتقه، ولا يستخدمه، ولا يبيعه، ولا يهبه، ولا يتصدق به، والجامع بين هذين ما يلحقه من الخطأ في جمعه بينهما أكثر مما يلحقه فيما يكون فيه من أن أمره أن يتصدق به مرة ويستعين به في أداء القيمة، ومرة لا يستعين به ولا يتصدق به على ما ذكرناه عنه .
في قول وإذا غصب رجل دابة فركبها، فأقام رب الدابة البينة أنها نفقت تحته، وأقام الغاصب البينة أنه قد ردها عليه، وأصحاب الرأي تبطل [البينتان] جميعا، ويكون على الغاصب قيمتها، وذلك أن البينتين تهاترتا وبطلتا، ولا يزول الضمان على الغاصب، وبه نقول وإذا اغتصب الرجل شيئا فأجره، فعطب عند الذي استأجره (فأخذ رب السلعة المستأجر) بالقيمة، وذلك حين لم يجد الغاصب، فالأجرة فاسدة، ويرجع رب السلعة على المستأجر بكراء المثل وبقيمة سلعته، ويرجع المستأجر على الغاصب بالقيمة التي أخذت منه لرقبته، لأنه (غره) وهذا قول أبي ثور . [ ص: 58 ] أبي ثور
وقال أصحاب الرأي: يرجع بالقيمة التي ضمن .
قال قول أبو بكر: صحيح . أبي ثور
قال أبو بكر: ضمن المستعير القيمة، ويرجع بها على الغاصب، لأنه غره، وذلك [لأنه أباح له] المنفعة، ولم يكن المستعير متعديا، ولا خائنا، وليس عليه قيمة السلعة، وإنما القيمة على الغاصب، ولا يرجع بها على أحد، وعلى المستعير كراء المثل، ويرجع به على الغاصب، وإنما (قلناه) فيه وفي المستأجر إذا ضمن قيمة الرقبة رجعا على قول من (يضمنهما) ، وأما في قول من لا (يضمنهما) فلا يضمنون شيئا (وإنما) ضمناهما الأجرة (للاستمتاع) ، ويرجع بها على الغاصب المستعير، لأنه غار له، ولا يرجع المستأجر، لأنه أخذ السلعة على أجرة (فأبطلنا الكراء) الذي عاقده الغاصب، وألزمناه كراء المثل، وهذا قول وإذا أعار الغاصب السلعة التي اغتصب رجلا فعطبت عنده، . أبي ثور
وقال أصحاب الرأي: لا يرجع المستعير على الغاصب بشيء . [ ص: 59 ]