الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              (باب ذكر) الساجة المغصوبة ينحتها الغاصب ويحدث فيها أعمالا

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: واختلفوا في الخشبة المغصوبة (يشقها) الغاصب ألواحا .

                                                                                                                                                                              فقالت طائفة: يأخذ رب الخشبة الألواح، فإن كانت الألواح مثل قيمة الخشبة أو أكثر أخذها، ولا شيء للغاصب في زيادة قيمة الألواح على الخشبة من قبل أن ماله فيها أثر لا عين، وإن كانت الألواح أقل قيمة من الخشبة أخذها وفضل ما بين القيمتين، ولو أنه عمل هذه الألواح أبوابا ولم يدخل فيها شيئا من (عنده كان هكذا) ولو أدخل فيها من عنده حديدا أو خشبا أو غيرها كان عليه أن يميز ماله من مال المغصوب، ثم يدفع إلى المغصوب ماله إذا ميز منها خشبه وحديده إلا أن يشاء أن يدع له ذلك متطوعا. هذا كله قول الشافعي، وبه قال أبو ثور.

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي: إذا غصبه كتانا أو قطنا فغزله أو نسجه ثوبا، (و) جاء صاحب الكتان أو القطن قال له: على الغاصب كتان مثل كتانه [ ص: 66 ] [أو] مثل قطنه أو قيمته، ولو غصب ساجة فجعلها بابا أو غصبه حديدة فجعلها سيفا فهو ضامن لحديده مثل الحديد أو قيمة الساجة ويكون الباب [أو] السيف للغاصب .

                                                                                                                                                                              وكان الشافعي يقول: في الألواح التي شقها الغاصب من الخشبة، أو أدخل لوحا منها في سفينة، أو بنى على لوح منها جدارا كان (عليه) أن يؤخذ بقلع ذلك حتى يسلمه إلى صاحبه وما نقصه، وكذلك الخيط يخيط به الثوب وغيره، فإن غصبه خيطا فخاط به جرح إنسان أو حيوان ضمن قيمة الخيط ولم يكن للمغصوب أن (ينزع) خيطه من إنسان ولا حيوان حي .

                                                                                                                                                                              وفرق الشافعي بينهما فقال: هدم الجدار وقلع (اللوح) من السفينة ونقض الخياطة ليس بمحرم على مالكها، لأنه ليس في شيء منها روح تتلف ولا تألم، فلما كان مباحا لمالكها كان مباحا لرب الحق أن يأخذ حقه منها واستخراج الخيط من الجرح تلف للمجروح وألم عليه وهو محرم عليه أن يتلف نفسه، وكذلك محرم على غيره أن يتلفه إلا بما أذن الله فيه [من الكفر والقتل، وكذلك ذوات الأرواح، ولا يؤخذ الحق بمعصية الله، إنما يؤخذ بما لم يكن لله معصية. قال: [ ص: 67 ] وفيه] قول آخر إن كان الخيط في حيوان لا يؤكل فلا ينزع، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صبر البهائم، وإن كان في حيوان يؤكل نزع الخيط لأنه حلال (له) .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: بقول الشافعي أقول في هذه المسائل للعلل التي ذكرها .

                                                                                                                                                                              وقال أبو بكر: وقد عارض أبو ثور أصحاب الرأي فذكر أنهم قالوا: إذا غصب عرصة فبنى فيها ما قيمته مائة ألف، والعرصة تساوي مائة درهم، قالوا: فقال لصاحب البناء: اقلع بناءك ورد على الرجل عرصته. قال: فما الفرق بين العرصة والخشبة يبني عليها، والكتان يغزل والقطن، أو (الحديد) يعمل سكينا وهذا كله ملك للمغصوب، كيف يملك الغاصب ما لا يملك بغير حجة، ويخرج من ملك المغصوب ما هو له ما ينبغي أن يكون خطأ أبين من هذا ولا أقبح، وذلك أن كل ما ملك فعلى ملكه لا يزول عنه إلا بكتاب أو سنة أو إجماع من أهل العلم، ثم زعم في الحنطة والشعير ما كان فيها من الزيادة فعليه أن يتصدق به، فإن كان ملكا فلم يتصدق به، وإن كان ليس بملك له فهو لمالكه الأول .

                                                                                                                                                                              وقال: إن غصبه عودا فغرسه، فجاء صاحبه أنه لا سبيل له إليه، وعلى الغاصب قيمته، وهو عين ماله، والجارية الصغيرة التي كبرت وعظم خلقها وقيمتها عين ماله، فلم أمر برد أحد الشيئين وأطلق له في الآخر أن يعطي قيمتها؟ ما بينها فرق!! . [ ص: 68 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية