الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              باب ذكر صبغ الثوب الذي غصبه الغاصب

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: واختلفوا في الثوب يغصبه الغاصب ثم صبغه صبغا يزيد في ثمن الثوب أو ينقصه .

                                                                                                                                                                              ففي قول أبي ثور : إن كان الصبغ زيادة في (ثمن الثوب) وأمكنه أخذه بلا ضرر على الثوب فذلك له، وإن لم يمكنه استخراجه أو كان مستهلكا في الثوب فلا شيء له، (وهو استهلاك بمشيئة) . وقال أصحاب الرأي: إذا اغتصب ثوبا من رجل فصبغه (أصفر [ ص: 61 ] أو أحمر) ثم جاء المغتصب منه يطلب ثوبه، فهو بالخيار، إن شاء ضمن الغاصب، وإن شاء أخذ الثوب وضمن [للغاصب] ما زاد الصبغ في الثوب، لأن الصبغ من متاع الغاصب .

                                                                                                                                                                              وقال الشافعي: إذا صبغه فزاد في (ثمنه) قيل للغاصب: إن شئت فاستخرج الصبغ على أنك ضامن لما نقص، وإن شئت فأنت شريك بما زاد الصبغ، فإن [لم] يمحق الصبغ فلم يكن له قيمة .

                                                                                                                                                                              قيل: ليس لك هاهنا (بمال) يزيد، فإن شئت فاستخرجه وأنت ضامن نقصان الثوب، وإن شئت فدعه، وإن كان ينقص الثوب ضمن النقصان وله أن يخرج الصبغ على أن يضمن له ما نقص من الثوب وإن شاء ترك. وقيل لابن القاسم: فإن غصبه ثوبا فصبغه أحمر أو أسود أو أصفر. قال: ما سمعت من مالك فيه شيئا، وأرى (أن) صاحب الثوب مخير في أن يدفع إلى الغاصب قيمة صبغه ويأخذ ثوبه، أو يسلمه إلى الغاصب، ويأخذ منه قيمته يوم غصبه .

                                                                                                                                                                              وقال أبو ثور: إذا اغتصب من رجل ثوبا ومن آخر عصفرا فصبغ الثوب بالعصفر، فإن الثوب لربه، ويضمن الغاصب قيمة العصفر [ ص: 62 ] لصاحبه. وقال أصحاب الرأي: أما صاحب العصفر فإن الغاصب ضامن لعصفره حتى يعطيه عصفرا مثله أو يعطيه قيمته، وأما صاحب الثوب فإنه بالخيار، إن شاء أخذ ثوبه وضمن للغاصب ما أزاد الصبغ في الثوب، وإن شاء ضمنه قيمة ثوبه وكان الثوب للغاصب .

                                                                                                                                                                              وكان الشافعي يقول: إن غصبه زعفرانا وثوبا فصبغ الثوب بالزعفران، كان رب الثوب بالخيار أن يأخذ الثوب مصبوغا، لأنه زعفرانه وثوبه، ولا شيء له غير ذلك، أو يقوم ثوبه أبيض وزعفرانه صحيحا، فإن كان قيمته ثلاثين قوم ثوبه مصبوغا بزعفران فإن (كان) قيمته خمسة و (عشرين) ضمنه خمسة، لأنه أدخل عليه النقص .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: وإذا غصبه غزلا فنسجه فهو لرب الغزل، إلا أن يكون نقص من ثمن الغزل شيئا (فعلى) الغاصب ما نقصه، هذا قول الشافعي وأبي ثور .

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي: إذا (غصب) كتانا أو قطنا فغزله ونسجه ثوبا، وجاء صاحب الكتان أو القطن، فإن له على الغاصب [كتانا] مثل [ ص: 63 ] كتانه، و[قطنا] مثل قطنه أو قيمته، ولا سبيل لصاحب الكتان على الثوب، لأنه ليس بالكتان ولا القطن بعينه، وقد تغير الكتان والقطن عن حاله، وإن (غصب) غزلا فنسجه ثوبا فالجواب في هذا في قولهم كالجواب في (الغزل) ويكون الثوب (للغاصب) وهو ضامن لغزل مثل الغزل الذي غصبه .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: هذا كما قال الشافعي وأبو ثور ، لأن الغزل والقطن والكتان لربه ولا يجوز نقل ملكه عن ما ملكه الله إلا بحجة ولا حجة مع من نقل (أملاك) الناس عن أشيائهم بغير حجة، ومن قولهم وقول غيرهم أنه لو غصبه جارية صغيرة طفلة فكبرت أو مريضة فبرئت أو مجنونة فصحت بعلاج، أو غير علاج حتى صارت تسوى أضعاف ما كانت قيمتها يوم غصبها أن ذلك لربها، ولا شيء للغاصب فيما أنفق فكذلك كل مختلف فيه من هذه المسائل فهو لأرباب الشيء حتى يزول ملكهم (عنه بحجة) . [ ص: 64 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية