(باب ذكر) الطعام يغصبه الغاصب ثم يطعمه صاحبه
قال واختلفوا في الرجل يغصب حنطة أو تمرا أو ثوبا يخفى، ثم إن الغاصب وهب ذلك الشيء لربه أو (هداه إليه) فأكل مالك الطعام الطعام أو لبس الثوب حتى بلى، وهو لا يعلم أن ذلك له: فقالت طائفة: لا شيء على الغاصب، لأنه قد رد إليه ملكه وإن كان لا يعلم. هذا قول أبو بكر: ، وبه قال أصحاب الرأي، وكذلك نقول، وذلك مثل الرجل يأخذ الدينار من كيس الرجل وهو لا يعلم، ثم يلقيه [ ص: 79 ] في كيسه أنه لا ضمان عليه، فكذلك الذي أخذ الطعام ثم رده إلى صاحبه . أبي ثور
وقالت طائفة: إذا أطعمه إياه والمغصوب لا يعلم به كان متطوعا بالإطعام وكان عليه الضمان، وإن كان المغصوب يعلم أنه طعامه فأكله فلا شيء له عليه من قبل أن سلطانه إنما كان على أخذ طعامه فقد أخذه هذا قول . الشافعي
(قال ) : وإن اختلفا فقال المغصوب: أكلته ولا أعلم أنه [طعامي]. وقال الغاصب: أكلته وأنت تعلم. فالقول قول المغصوب مع يمينه إذا أمكن أن يكون ذلك بوجه من الوجوه . الشافعي
قال يقال لبعض من تكلم عنه: أرأيت لو أخذ صرة دنانير وهو لا يعلم، ثم دفع الصرة إليه (وسكت وهو لا يعلم أنها صرته وأنفقه، أيبرأ حين دفعه إليه) ؟ فإن قال: يبرأ، سئل عن الفرق بين ذهبه وطعامه، وإن قال: لا يبرأ، سئل عن العلة التي تمنع رد الذهب على صاحبه من البراءة. ولا أحفظ أن أحدا قال في الصرة إذا ردها عليه: أنه لا يبرأ . أبو بكر:
قال قال أصحاب الرأي: إذا (غصبه تمرا) فنبذه [ ص: 80 ] (الغاصب) ثم سقاه إياه. قال: الغاصب ضامن (لثمن مثل) تمره أو قيمته، لأنه استهلكه حين نبذه . أبو بكر:
قال وقياس قولهم في الحنطة يغتصبها ثم يجعلها سويقا أو دقيقا أو سميدا أو (نشاستج) ثم أهداه إلى صاحب الحنطة أن عليه قيمة كل شيء (منه) غيره عن حاله لصاحبه. فرقوا [بين] الشيء بعينه يهديه إلى صاحبه وبين كل شيء غير عن حاله ثم أهداه إلى صاحبه. وقد حكى أبو بكر: عنهم أنهم قالوا: (لو أن لصا دخل دار رجل) ولصاحب الدار حمار ورحى وحنطة، فألقى الحنطة في دلو صاحب الدار [ثم] ساق الحمار حتى طحن الحنطة فجاء صاحب المنزل إلى اللص أن (يقاتله على الدقيق حتى يقتله وذلك أنه ملك له) في قوله . أبو ثور
قال فأي شيء أعجب من قول هذا القائل؟! وقد قال بعض أصحاب أبو ثور: (ممن) يكثر خلافه وخلاف أبي ثور كأنه تأول في [ ص: 81 ] دفع رب الدار عن الدقيق قول النبي صلى الله عليه وسلم: الشافعي، "من قتل دون ماله فهو شهيد" .
كأنه رأى أن الدقيق له، وأن لصاحب الحنطة حنطة مثلها، وأنه ظالم له حيث دفعه عن دقيقه الذي (صار) له لما غيره عن حاله .
وقال قد كان ينبغي لقائل هذا أن لا يعد في أهل العلم، ولا أحسب عالما ولا جاهلا ورد عليه هذا القول إلا أنكره . أبو ثور:
قال والذي أقول به أن الدقيق والسويق والسميد وغير ذلك لصاحب الحنطة وعلى الغاصب ما نقص ذلك. وإن أهدى ذلك لصاحبه فهو بريء منه إلا النقصان الذي لزمه بتغيير ذلك عن حالته، ولا يملك الغاصب بتعديه شيئا بوجه ولا بسبب، وقد ذكرنا ما يلزمه في مثل ما قلناه فيما مضى . أبو بكر: