روى والإمام عبد الرزاق وعبد بن حميد أحمد وأبو داود والبخاري عن والنسائي ، المسور بن مخرمة عن والبيهقي . ابن شهاب الزهري المدينة من الحديبية أتاه أبو بصير عتبة - بضم العين المهملة - ابن أسيد - بوزن أمير - بن جارية - بجيم - الثقفي ، حليف بني زهرة - مسلما قد أفلت من قومه - فسار على قدميه سعيا ، فكتب الأخنس بن شريق ، وأزهر بن عبد عوف الزهري إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتابا وبعثا خنيس - بمعجمة ونون وآخره مهملة - مصغر - ابن من جابر بني عامر بن لؤي ، استأجراه ببكر بن لبون ، وحملاه على بعير ، وكتبا يذكران الصلح الذي بينهم ، وأن يردوا إليهم أبا بصير ، فخرج العامري ومعه مولى له يقال له كوثر دليلا ، فقد ما بعد أبي بصير بثلاثة أيام فقرأ الكتاب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا فيه : قد عرفت ما شارطناك عليه ، وأشهدنا بينك وبيننا من رد من قدم عليك من أصحابنا فابعث إلينا بصاحبنا . أبي بن كعب
فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا بصير أن يرجع معهما ، ودفعه إليهما فقال : يا رسول الله تردني إلى المشركين يفتنونني في ديني ؟ فقال : «يا أبا بصير إنا قد أعطينا هؤلاء القوم ما قد علمت ، ولا يصلح لنا في ديننا الغدر وأن الله - تعالى جاعل لك ولمن معك من المسلمين فرجا ومخرجا» ، فقال : يا رسول الله تردني إلى المشركين ؟ !! قال : «انطلق يا أبا بصير ، فإن الله سيجعل لك فرجا ومخرجا» فخرج معهما ،
وجعل المسلمون يسرون إلى أبي بصير : يا أبا بصير أبشر فإن الله جاعل لك فرجا ومخرجا ، والرجل يكون خيرا من ألف رجل ، فافعل وافعل : يأمرونه بقتل اللذين معه ، وقال له أنت رجل ، ومعك السيف ، فانتهيا به عند صلاة الظهر عمر : بذي الحليفة ، فصلى أبو بصير في مسجدها ركعتين ، صلاة المسافر ، ومعه زاد له من تمر يحمله ، يأكل منه . ودعا العامري وصاحبه ليأكلا معه فقدما سفرة فيها كسر فأكلوا جميعا وقد علق العامري سيفه في الجدار وتحادثا . ولفظ فسل عروة : العامري سيفه ثم هزه فقال : لأضربن بسيفي هذا في الأوس والخزرج يوما إلى الليل . فقال له أبو بصير : أصارم سيفك هذا ؟ قال : نعم ، قال : ناولنيه أنظر إليه إن شئت ، فناوله إياه ، فلما قبض عليه ضربه به حتى برد . قال ابن عقبة : ويقال بل تناول أبو بصير السيف بفيه وصاحبه نائم ، فقطع إساره ثم ضربه به حتى برد ، وطلب الآخر فجمز مذعورا مستخفيا ، وفي لفظ : وخرج كوثر هاربا يعدو نحو المدينة وهو عاض على أسفل ثوبه قد بدا طرف ذكره ، [ ص: 62 ] والحصى يطير من تحت قدميه من شدة عدوه ، وأبو بصير في أثره ، فأعجزه
وأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو جالس في أصحابه بعد العصر ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين رآه : «لقد رأى هذا ذعرا فلما انتهى إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم قال : «ويحك ما لك» قال : قتل والله صاحبكم صاحبي وأفلت منه ولم أكد ، وإني لمقتول . واستغاث برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمنه ، وأقبل أبو بصير فأناخ بعير العامري . ودخل متوشحا سيفه . فقال : يا رسول الله قد وفت ذمتك وأدى الله عنك ، وقد أسلمتني بيد العدو ، وقد امتنعت بديني من أن أفتن ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «ويل امه مسعر حرب» وفي لفظ «محش حرب ، لو كان معه رجال» وفي لفظ له أحد إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما قدم
قال عروة ومحمد بن عمر : وقدم سلب العامري لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليخمسه ، فقال : «إني إذا خمسته رأوني لم أوف لهم بالذي عاهدتهم عليه ، ولكن شأنك بسلب صاحبك ، واذهب حيث شئت» وفي الصحيح أن أبا بصير لما سمع
قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «ويل أمه مشعر حرب لو كان معه أحد»
عرف أنه سيرده ، فخرج أبو بصير ومعه خمسة كانوا قدموا معه مسلمين من مكة حين قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يكن طلبهم أحد حتى قدموا سيف البحر ، ولما بلغ قتل سهيل بن عمرو أبي بصير العامري اشتد عليه وقال : ما صالحنا محمدا على هذا . فقالت قريش : قد برئ محمد منه قد أمكن صاحبكم منه فقتله بالطريق ، فما على محمد في هذا ؟ فأسند سهيل ظهره إلى الكعبة وقال : والله لا أؤخر ظهري حتى يودى هذا الرجل ، قال إن هذا لهو السفه ، والله لا يودى ثلاثا - وأنى أبو سفيان بن حرب : قريش تديه وإنما بعثته بنو زهرة ؟ فقال الأخنس بن شريق : والله ما نديه ، ما قتلناه ولا أمرنا بقتله ، قتله رجل مخالف فأرسلوا إلى محمد يديه . فقال لا ، ما على أبو سفيان بن حرب : محمد دية ولا غرم قد برئ محمد . ما كان على محمد أكثر مما صنع ، فلم تخرج له دية فأقام أبو بصير وأصحابه بسيف البحر ، وقال بين ابن شهاب : العيص وذي المروة من أرض جهينة على طريق عيرات قريش .
قال محمد بن عمر : لما خرج أبو بصير لم يكن معه إلا كف تمر فأكله ثلاثة أيام ، وأصاب حيتانا قد ألقاها البحر بالساحل فأكلها ، وبلغ المسلمين الذين قد حبسوا بمكة خبر أبي بصير ، فتسللوا إليه .
قال محمد بن عمر : كان هو الذي كتب إليهم بقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمر بن الخطاب لأبي بصير «ويل أمه محش حرب لو كان له رجال» وأخبرهم أنه بالساحل ، وانفلت أبو جندل بن سهيل بن عمرو الذي رده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المشركين بالحديبية ، فخرج هو وسبعون راكبا ممن أسلموا فلحقوا بأبي بصير ، وكرهوا أن يقدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في [ ص: 63 ] هدنة المشركين ، وكرهوا الثواء بين ظهراني قومهم ، فنزلوا مع أبي بصير ، ولما قدم أبو جندل على أبي بصير سلم له الأمر ، لكونه قرشيا فكان أبو جندل يؤمهم ، واجتمع إلى أبي جندل - حين سمع بقدومه - ناس من بني غفار وأسلم وجهينة ، وطوائف من الناس حتى بلغوا ثلاثمائة مقاتل - كما عند عن البيهقي - لا تمر بهم عير ابن شهاب لقريش إلا أخذوها وقتلوا من فيها ، وضيقوا على قريش ، فلا يظفرون بأحد منهم إلا قتلوه .
ومما قاله أبو جندل بن سهيل في تلك الأيام :
أبلغ قريشا عن أبي جندل أنا بذي المروة في الساحل في معشر تخفق راياتهم
بالبيض فيها والقنا الذابل يأبون أن تبقى لهم رفقة
من بعد إسلامهم الواصل أو يجعل الله لهم مخرجا
والحق لا يغلب بالباطل فيسلم المرء بإسلامه
ويقتل المرء ولم يأتل
وقدم أبو جندل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه ناس من أصحابه ورجع سائرهم إلى أهليهم ، وأمنت بعد ذلك عيرات قريش .
قال فلما كان ذلك من أمرهم علم الذين كانوا أشاروا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يمنع عروة : أبا جندل من أبيه بعد القضية أن طاعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خير لهم فيما أحبوا وفيما كرهوا من رأى من ظن أن له قوة هي أفضل مما خص الله تعالى به رسوله من الفوز والكرامة - صلى الله عليه وسلم -
ولما دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام القضية وحلق رأسه قال : «هذا الذي وعدتكم» .
ولما كان يوم الفتح أخذ المفتاح
وقال : «ادعوا لي . فقال : «هذا الذي قلت لكم» عمر بن الخطاب .
ولما كان في حجة الوداع وقف بعرفة وقال : «أي هذا الذي قلت لكم إني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والله ما كان فتح في الإسلام أعظم من صلح عمر الحديبية ، وكان الناس قصر [ ص: 64 ]
رأيهم عما كان ،
وكان أبو بكر - رضي الله عنه - يقول : ما كان فتح في الإسلام أعظم من صلح الحديبية ، وكان الناس قصر رأيهم عما كان بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين ربه ، والعباد يعجلون ، والله - تعالى - لا يعجل لعجلة العبد حتى يبلغ الأمور ما أراد ، لقد رأيت في حجة الوداع قائما عند المنحر يقرب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدنه ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينحرها بيده ، ودعا الحلاق فحلق رأسه فأنظر إلى سهيل بن عمرو سهيل يلقط من شعره ، وأراه يضعه على عينيه ، وأذكر امتناعه أن يقر يوم الحديبية بأن يكتب : بسم الله الرحمن الرحيم فحمدت الله - تعالى - الذي هداه للإسلام .