الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1152 - محمد بن عمر بن واقد ، أبو عبد الله الواقدي المديني .

[ ص: 170 ] ولد سنة ثلاثين ومائة . وسمع ابن أبي ذئب ، ومعمر بن راشد ، ومالك بن أنس ، وسفيان الثوري ، وخلقا كثيرا .

وقدم بغداد وولي قضاء الجانب الشرقي ، وله الكتب المصنفة في المغازي ، والسيرة ، والأحداث ، والحديث ، والفقه . وكان كريما .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت ، أخبرنا سلامة بن الحسين المقرئ ، أخبرنا الدارقطني ، أخبرنا محمد بن القاسم الأنباري قال: حدثني أبي قال: حدثنا أبو عكرمة الضبي ، قال: حدثنا يحيى بن محمد العنبري ، قال: قال الواقدي كنت حناطا بالمدينة في يدي مائة ألف درهم للناس أضارب بها ، فتلفت [الدراهم] في يدي ، فشخصت إلى العراق ، فقصدت يحيى بن خالد ، فجلست في دهليزه ، وآنست بالخدم والحجاب ، وسألتهم أن يوصلوني إليه ، فقالوا: إذا قدم الطعام إليه لم يحجب عنه أحد ، ونحن ندخلك عليه ذلك الوقت .

فلما حضر طعامه أدخلوني فأجلسوني معه على المائدة ، فسألني: من أنت ، وما قصتك؟ فأخبرته ، فلما رفع الطعام وغسلنا أيدينا دنوت منه لأقبل رأسه ، فاشمأز من ذلك ، ، فلما صرت إلى الموضع الذي يركب منه لحقني خادم معه كيس فيه ألف دينار فقال: الوزير يقرأ عليك السلام ويقول لك: استعن بها على أمرك ، وعد إلينا في غد . فأخذته وعدت في اليوم الثاني ، فجلست معه على المائدة ، فأنشأ يسألني كما سألني في اليوم الأول ، فلما رفع الطعام دنوت منه لأقبل رأسه ، فاشمأز [ ص: 171 ] مني ، فلما صرت إلى الموضع الذي يركب منه لحقني الخادم [و] معه كيس فيه ألف دينار ، فقال: الوزير يقرأ عليك السلام ويقول لك: استعن بهذا على أمرك وعد إلينا في غد فأخذته وانصرفت ، وعدت إليه في اليوم الثالث ، فأعطيت مثلما أعطيت في اليوم الأول والثاني .

فلما كان في اليوم الرابع أعطيت الكيس [كما أعطيت قبل ذلك] وتركني بعد ذلك أقبل رأسه وقال: منعتك ذلك لأنه لم يكن وصل إليك من معروفي ما يوجب هذا ، والآن قد لحقك بعض النفع مني ، يا غلام ، أعطه الدار الفلانية ، [يا غلام] ، [افرشها] الفرش الفلاني ، يا غلام ، أعطه مائتي ألف درهم يقضي دينه بمائة ألف ، ويصلح شأنه بمائة ألف . ثم قال لي: الزمني وكن في داري . فقلت: أعز الله الوزير ، لو أذنت لي بالشخوص إلى المدينة لأقضي للناس أموالهم ثم أعود إلى حضرتك كان ذلك أرفق بي . فقال: قد فعلت . وأمر بتجهيزي ، فشخصت إلى المدينة ، فقضيت ديني ، ثم رجعت إليه ، فلم أزل في ناحيته .

قال أبو عكرمة : وأخبرنا سليمان بن أبي شيخ قال: أخبرنا الواقدي قال: ضقت مرة وأنا مع يحيى بن خالد ، وجاء عيد ، وجاءتني الجارية فقالت لي: قد حضر العيد وليس عندنا من آلته شيء ، فمضيت إلى صديق لي من التجار ، فعرفته حاجتي إلى القرض ، فأخرج لي كيسا مختوما فيه ألف ومائتا درهم ، فأخذته وانصرفت إلى منزلي ، فلما استقررت فيه جاءني صديق لي هاشمي ، وشكا إلي تأخر غلته وحاجته إلى القرض ، فدخلت إلى زوجتي فأخبرتها فقالت: على أي شيء عزمت؟ قلت: على أن أقاسمه الكيس . قالت: ما صنعت شيئا أتيت رجلا سوقة فأعطاك ألفا ومائتي درهم ، وجاءك [ ص: 172 ] رجل له من رسول الله صلى الله عليه وسلم رحم ماسة تعطيه نصف ما أعطاك السوقة ، ما هذا شيئا ، أعطه الكيس كله [فأخرجت الكيس كله] فدفعته إليه ومضى صديقي التاجر إلى الهاشمي وكان صديقا له ، فسأله القرض ، فأخرج الهاشمي إليه الكيس ، فلما رأى خاتمه عرفه وانصرف إلي فأخبرني بالأمر ، وجاءني رسول يحيى بن خالد فركبت إليه فأخبرته خبر الكيس ، فقال: يا غلام ، هات تلك الدنانير ، فجاءه بعشرة آلاف دينار . فقال: خذ ألفي دينار لك ، وألفين لصديقك التاجر ، وألفين للهاشمي ، وأربعة آلاف لزوجتك فإنها أكرمكم . وقال الواقدي : صار إلي من السلطان ستمائة ألف درهم ما وجبت [علي] فيها زكاة .

قال عباس الدوري : ومات الواقدي وما له كفن ، فبعث المأمون بأكفانه .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرنا الحسين بن محمد بن جعفر الرافعي قال: أخبرنا القاضي أبو بكر بن كامل قال: حدثني محمد بن موسى الترمذي قال: قال المأمون للواقدي : أريد أن تصلي الجمعة غدا بالناس . قال: فامتنع فقال: لا بد من ذلك . فقال: والله يا أمير المؤمنين ما أحفظ سورة الجمعة . قال: فأنا أحفظك قال: فافعل فأقبل المأمون يلقنه سورة الجمعة حتى بلغ النصف منها ، فإذا حفظ ابتدأ بالنصف الثاني ، فإذا حفظ النصف الثاني نسي الأول ، فتعب المأمون ونعس ، فقال لعلي بن صالح : يا علي حفظه أنت . قال: [علي] ففعلت ، ونام المأمون ، فجعلت أحفظه النصف الأول [فيحفظه فإذا حفظته الثاني نسي [ ص: 173 ] الأول] ، فاستيقظ المأمون ، فقال لي: ما فعلت؟ فأخبرته فقال: هذا رجل يحفظ التأويل ولا يحفظ التنزيل ، اذهب فصل بهم واقرأ أي سورة شئت .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا أبو عبد الله أحمد بن محمد بن دوست ، حدثنا أبو الحسن علي بن محمد قال: أخبرنا أبو زيد عبد الرحمن بن حاتم المرادي قال: حدثنا هارون بن عبد الله الزهري القاضي قال: كتب الواقدي رقعة إلى المأمون يذكر فيها غلبة الدين وغمه بذلك ، فوقع المأمون على ظهرها: فيك خلتان: السخاء والحياء ، فأما السخاء فهو الذي أطلق ما ملكت ، وأما الحياء فهو الذي منعك من إطلاعنا على ما أنت عليه ، وقد أمرنا لك بكذا وكذا ، فإن كنا أصبنا إرادتك في بسط يدك ، فإن خزائن الله مفتوحة ، وأنت كنت حدثتني وأنت على قضاء الرشيد عن محمد بن إسحاق ، عن الزهري ، عن أنس بن مالك ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للزبير : "يا زبير ، إن باب الرزق مفتوح بباب العرش ، ينزل الله عز وجل إلى العباد أرزاقهم على قدر نفقاتهم ، فمن قلل قلل له ، ومن كثر كثر له" . قال الواقدي : وكنت قد أنسيت الحديث ، فكان تذكيره إياي أحب إلي من جائزته . قال هارون القاضي : بلغني أن الجائزة كانت مائة ألف وكان الحديث أحب إليه من المائة ألف .

أخبرنا عبد الرحمن [بن محمد] قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرني الحسن بن أبي طالب ، أخبرنا محمد بن العباس ، حدثنا أبو الحسين بن المغيرة قال: [ ص: 174 ] حدثني أبو جعفر أحمد بن محمد الضبعي قال: حدثني إسماعيل بن مجمع قال: سمعت الواقدي يقول: ما أدركت رجلا من أبناء الصحابة وأبناء الشهداء ولا مولى لهم إلا سألته: هل سمعت أحدا من أهلك يخبرك عن مشهده وأين قتل ، فإذا أعلمني مضيت إلى الموضع حتى أعاينه ولقد مضيت إلى المريسيع ، فنظرت إليها ، وما علمت غزاة إلا مضيت إلى الموضع أعاينه .

قال الضبعي : وحدثني محمد بن خلاد قال: سمعت محمد بن سلام الجمحي يقول: محمد بن عمر الواقدي عالم دهره .

وقال يعقوب بن شيبة : انتقل الواقدي فحمل كتبه على عشرين ومائة وقر .

وقال غيره: كان له ستمائة قمطر كتب ، وكان الواقدي يقول: حفظي أكثر من كتبي .

وقال: الدراوردي : ذاك أمير المؤمنين [في] الحديث .

وقال مصعب الزبيري : هو ثقة مأمون ، والله ما رأينا مثله قط . [ ص: 175 ] وكذلك قال يزيد بن هارون : الواقدي ثقة . وكذلك قال [أبو] عبيد . وقال مجاهد بن موسى : ما كتبت عن أحد قط أحفظ منه . وقال عباس العنبري : الواقدي أحب إلي من عبد الرزاق كان إبراهيم الحربي معجبا به ، يقول: الواقدي آمن الناس على أهل الإسلام ، وأعلم الناس بأمر الإسلام [وفقه أبو عبيد من كتب الواقدي ] ، ومن قال إن مسائل مالك وابن أبي ذئب تؤخذ عمن هو أوثق من الواقدي فلا يصدق .

قال المصنف رحمه الله: وقد قدح فيه جماعة .

كان علي بن المديني يقول: الواقدي ضعيف ، لا يروى عنه .

وقال يحيى بن معين : ليس بشيء ، ولا نكتب حديثه .

وقال أحمد بن حنبل : هو كذاب ، جعلت كتبه ظهائر للكتب منذ حين .

وقال الشافعي : كتب الواقدي كذب .

وقال بندار : ما رأيت أكذب شفتين من الواقدي .

وقال البخاري والنسائي : هو متروك الحديث .

وقال أبو زرعة : ترك الناس حديثه .

وقد ذكر إبراهيم الحربي : سبب طعن أحمد فيه واعتذر عنه .

فأخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي [بن ثابت] الحافظ [ ص: 176 ] قال: أخبرني إبراهيم بن عمر البرمكي ، حدثنا عبيد الله بن محمد بن حمدان ، حدثنا محمد بن أيوب قال: قال إبراهيم [الحربي] : سمعت أحمد ذكر الواقدي فقال: ليس أنكر عليه شيئا إلا جمعه الأسانيد ومجيئه بمتن واحد على سياقة واحدة عن جماعة ، وربما اختلفوا .

قال إبراهيم : [ولم؟] وقد فعل هذا ابن إسحاق ، والزهري وحماد بن سلمة ؟

قال المصنف: لو كانت المحنة جمع الأسانيد لقرب الأمر ، فإن الزهري [قد جمع] رجالا في حديث الإفك محمول على اختلاف اللفظ دون المعنى ، وليس هذا يقع في كل ما يجمع [عليه] ، وإنما نقموا عليه ما هو أشد من هذا .

فروى إسحاق الكوسج عن أحمد أنه قال: الواقدي يقلب الأحاديث كأنه يجعل ما لمعمر لابن أخي الزهري ، [ وما لابن أخي الزهري ] لمعمر .

وقال إسحاق بن راهويه : كان يفعل هذا ، وكان ممن يضع الحديث .

وقال اللاحي : الواقدي متهم .

توفي الواقدي ليلة الثلاثاء لإحدى عشرة [ليلة] خلت من ذي الحجة من هذه السنة ، ودفن في مقابر الخيزران وهو ابن ثمان وسبعين سنة .

1153 - المظفر بن مدرك ، أبو كامل الخراساني الأصل .

سمع حماد بن سلمة . وروى عنه أحمد بن حنبل . [ ص: 177 ]

وقال يحيى : كنت آخذ منه صنعة الحديث ومعرفة الرجال ، وكان ثقة .

توفي في هذه السنة

1154 - [الهيثم بن عدي بن عبد الرحمن ، أبو عبد الرحمن الطائي .

حدث عن هشام بن عروة ، وابن إسحاق ، وشعبة ، وغيرهم . وكان أحسن الناس وجها ، وأنظفهم ثوبا ، وأطيبهم ريحا] فوجد له مائتا قميص ، ومائتا طيلسان ، ومائة [رداء] ، وخمسين عمامة ، ومائة سروال .

[ولم يكن عند المحدثين بثقة ، وتوفي في هذه السنة ] وقيل : في سنة ست .

1155 - هشام بن القاسم ، أبو النصر الكتاني .

خراساني الأصل ، سمع شعبة ، وليث بن سعد .

روى عنه : أحمد بن حنبل . وقيل : كان من الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر .

وقال يحيى : كان ثقة .

توفي في هذه السنة ، ودفن في مقابر عبد الله بن مالك بالجانب الشرقي .

1156 - يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور ، أبو زكريا الفراء ، مولى بني أسد .

من أهل الكوفة . حدث عن قيس بن الربيع ، ومندل بن علي ، والكسائي ، وأبي [ ص: 178 ] بكر بن عياش ، وسفيان بن عيينة وكان ثقة إماما .

قال ثعلب : لولا الفراء ما كانت عربية ، لأنه خلصها وضبطها .

أخبرنا أبو منصور القزاز قال : أخبرنا أبو بكر بن ثابت قال : أخبرنا القاضي أبو العلاء الواسطي قال : أخبرنا محمد بن جعفر بن محمد بن هارون التميمي ، حدثنا الحسن بن داود ، حدثنا أبو جعفر عقدة ، أخبرنا أبو بديل الوضاحي قال : أمر أمير المؤمنين المأمون الفراء أن يؤلف ما جمع به أصول النحو وما سمع من العرب ، وأمر أن يفرد في حجرة من حجر الدار ، ووكل به جواري وخدما يقمن بما يحتاج إليه حتى لا يتعلق قلبه ، ولا تتشوق نفسه إلى شيء حتى أنهم كانوا يؤذنونه بأوقات الصلاة ، وصير له الوراقين ، وألزمه الأمناء والمنفقين ، فكان يملي والوراقون يكتبون ، حتى صنف الحدود في سنين ، وأمر المأمون بكتبه في الخزائن ، فبعد أن فرغ من ذلك خرج إلى الناس .

وابتدأ يملي كتاب "المعاني" وكان وراقاه : سلمة وأبا نصر . قال : فأردنا أن نعد الناس الذين اجتمعوا لإملاء كتاب "المعاني" فلم يضبط . قال : فعددنا القضاة فكانوا ثمانين قاضيا ، فلم يزل يمليه حتى أتمه ، وله كتابان في المشكل ، أحدهما أكبر من الآخر ، قال : فلما فرغ من إملاء كتاب "المعاني" خزنه الوراقون عن الناس ليكسبوا به ، وقالوا : لا نخرجه إلى أحد إلا من أراد أن ننسخه له على خمس أوراق بدرهم فشكى الناس [ذلك] إلى الفراء ، [فدعا الوراقين] فقال لهم في ذلك ، فقالوا : إنما صحبناك لننتفع بك وكل ما صنفته فليس بالناس إليه من الحاجة ما بهم إلى هذا الكتاب ، فدعنا نعيش به . فقال : فقاربوهم تنتفعوا وتنتفعوا ، فأبوا عليه ، فقال : سأريكم .

وقال للناس : إني ممل كتاب معان أتم شرحا وأبسط قولا من الذي أمليت . فجلس يملي ، فأملى الحمد في مائة ورقة ، فجاء الوراقون إليه فقالوا : نحن نبلغ للناس ما يحبون ، [ ص: 179 ] فنسخوا كل عشرة أوراق بدرهم . قال : وكان المأمون قد وكل الفراء يلقن ابنيه النحو ، فلما كان يوما أراد الفراء أن ينهض إلى بعض حوائجه ، فابتدرا إلى نعل الفراء يقدمانه له ، فتنازعا أيهما يقدمه ، ثم اصطلحا [على] أن يقدم كل واحد منهما فردا ، فقدماها .

وكان المأمون له على كل شيء صاحب خبر ، فرفع ذلك إليه في الخبر ، فوجه إلى الفراء فاستدعاه ، فلما دخل عليه قال له : من أعز الناس؟ قال : ما أعرف أعز من أمير المؤمنين قال : بلى ، من إذا نهض تقاتل على تقديم نعليه وليا عهد المسلمين ، حتى رضي كل واحد منهما أن يقدم فردا . قال : يا أمير المؤمنين ، لقد أردت منعهما من ذلك ، ولكن خشيت أن أدفعهما عن مكرمة سبقا إليها ، أو أكسر نفوسهما عن شريفة حرصا عليها . وقد يروى عن ابن عباس أنه أمسك للحسن والحسين ركابيهما حين خرجا من عنده ، فقال له بعض من حضر : أتمسك لهذين الحدثين ركابيهما وأنت أشرف منهما؟ قال له : اسكت يا جاهل ، لا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا أهل الفضل ، [وأنا ذو فضل] فقال له المأمون : لو منعتهما عن ذلك لأوجعتك لوما وعتبا ، وألزمتك ذنبا ، وما وضع ما فعلاه من شرفهما ، بل رفع من قدرهما وبين عن جوهرهما ، ولقد تبينت لي مخيلة الفراسة بفعلهما ، فليس يكبر الرجل وإن كان كبيرا [عن ثلاث] : عن تواضعه لسلطانه ، ولوالده ، ولمعلمه العلم ، ولقد عوضتهما عما فعلاه عشرين ألف دينار ، ولك عشرة آلاف درهم على حسن أدبك لهما .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال : أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال : أخبرنا الأزهري قال : أخبرنا علي بن عمر الحافظ قال : حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد ، [ ص: 180 ] حدثنا بيان بن يعقوب الرقومي قال : سمعت عبد الله بن الوليد صعودا يقول : كان محمد بن الحسن الفقيه ابن خالة الفراء ، وكان الفراء يوما عنده جالسا ، فقال الفراء : قل رجل أمعن النظر في باب من العلم فأراد غيره إلا سهل عليه ، فقال له محمد : يا أبا زكريا ، فأنت الآن قد أمعنت النظر في العربية فنسألك عن باب من الفقه؟ قال : هات على بركة الله . قال : ما تقول في رجل صلى وسها فسجد سجدتي السهو فسها فيهما؟ ففكر الفراء ساعة ، ثم قال : لا شيء عليه قال له محمد : ولم؟ [قال : ] لأن التصغير عندنا لا تصغير له [وإنما السجدتان إتمام الصلاة فليس للتمام تمام] . فقال محمد : ما ظننت أن آدميا يلد مثلك .

توفي الفراء ببغداد في هذه السنة . وقد بلغ ثلاثا وستين سنة . وقيل : مات في طريق مكة .

التالي السابق


الخدمات العلمية