الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم دخلت سنة اثنتين ومائتين

فمن الحوادث فيها :

أن أهل بغداد خلعوا المأمون ، وبايعوا لإبراهيم بن المهدي بالخلافة ، وسموه المبارك [وفي وقت فعلهم هذا قولان : أحدهما أنه أول يوم من المحرم والثاني لخمس خلون منه . وصعد إبراهيم المنبر ] فكان أول من بايعه عبيد الله بن محمد الهاشمي ، ثم منصور بن المهدي ، ثم سائر الناس ، ثم بنو هاشم ثم القواد ، وكان المتولي لأخذ البيعة المطلب بن عبد الله بن مالك ، وكان الذي سعى في ذلك وقام به : السندي ، وصالح صاحب المصلى ، ومنجاب ، ونصير الوصيف وسائر الموالي [إلا أن ] الذين سميناهم كانوا الرؤساء والقادة ، وإنما فعلوا ذلك غضبا على المأمون حين أراد إخراج الخلافة من ولد العباس إلى ولد علي ، ولترك لباس آبائه من السواد ولبس الخضرة .

ولما فرغ من البيعة وعد الجند أن يعطيهم أرزاقا لستة أشهر ، فدافعهم بها ، فلما رأوا ذلك شنعوا عليه ، فأعطى كل رجل منهم مائتي درهم ، وكتب لبعضهم إلى السواد بقيمة مالهم من الحنطة ، فخرجوا في قبضها ، فلم يمروا بشيء إلا نهبوه وأخذوا [ ص: 106 ] النصيبين جميعا : نصيب أهل البلاد ونصيب السلطان ، وغلب إبراهيم مع [أهل ] بغداد على [أهل ] الكوفة والسواد كله ، وعسكر بالمدائن ، وولى الجانب الشرقي من بغداد العباس ، والجانب الغربي إسحاق بن موسى الهادي .

وأمر أن يستتاب المريسي .

أخبرنا أبو منصور قال : أخبرنا أبو بكر بن ثابت قال : أخبرنا علي بن أبي علي قال : أخبرنا طلحة بن محمد بن جعفر قال : هاجت العامة على بشر المريسي فسألوا إبراهيم بن المهدي أن يستتيبه ، وأمر إبراهيم قتيبة بن زياد القاضي أن يحضره مسجد الرصافة .

فحدثني محمد بن أحمد بن إسحاق ، عن محمد بن خلف قال : سمعت محمد بن عبد الرحمن الصيرفي يقول : شهدت المسجد الجامع بالرصافة وقد اجتمع الناس ، وجلس قتيبة بن زياد ، وأقيم بشر المريسي على صندوق من صناديق المصاحف عند باب الخدم ، وقام المستمليان أبو مسلم عبد الرحمن بن يونس مستملي ابن عيينة ، وهارون بن موسى مستملي يزيد بن هارون يذكران : أن أمير المؤمنين إبراهيم بن المهدي أمر قاضيه قتيبة بن زياد أن يستتيب بشر بن غياث المريسي عن أشياء عددها منها : ذكر القرآن وغيره ، وأنه تائب ، فرفع بشر صوته يقول :

معاذ الله ، إني لست بتائب ، فكثر الناس عليه حتى كادوا يقتلونه وأدخل إلى باب الخدم ، وتفرق الناس . [ ص: 107 ]

وفي هذه السنة : خرج مهدي بن علوان الحروري فوجه إليه إبراهيم بن المهدي أبا إسحاق بن الرشيد في جماعة من القواد فهزم مهديا .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز قال : أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال : أخبرنا عبد الله بن عمر بن أحمد الواعظ قال : أخبرنا أبي قال : قال إسماعيل بن علي : وبايع أهل بغداد لأبي إسحاق إبراهيم بن المهدي ببغداد في داره المنسوبة إليه في ناحية سوق العطش وسموه المبارك ، ويقال : سمي المرضي ، وذلك يوم الجمعة لخمس خلون من المحرم سنة اثنتين ومائتين وأمه أم ولد يقال لها : شكلة وبها يعرف ، فغلب على الكوفة والسواد ، وخطب له على المنابر وعسكر بالمدائن ، ثم رجع إلى بغداد ، فأقام بها ، والحسن بن سهل مقيم في حدود واسط خليفة للمأمون ، والمأمون ببلاد خراسان ، فلم يزل إبراهيم مقيما ببغداد على أمره يدعى بأمير المؤمنين ، ويخطب له على منبري بغداد ، وما غلب عليه من السواد والكوفة ، ثم رحل المأمون متوجها إلى العراق ، وقد توفي علي بن موسى الرضي ، فلما أشرف المأمون على العراق ، وقرب من بغداد ، ضعف أمر إبراهيم بن المهدي ، وقصرت يده ، وتفرق الناس عنه ، فلم يزل على ذلك إلى أن حضر الأضحى من سنة ثلاث ومائتين .

التالي السابق


الخدمات العلمية